فقد نفت بلغراد ضلوع أي من مواطنيها في مجزرة سربرنيتشا ومجازر أخرى وقعت في التسعينات. وكان حريا بشريط الفيديو الذي بث حديثاً، والذي يظهر فيه أفراد من الشرطة الصربية شبه-العسكرية وهم يعدمون ستة شبان من سربرنيتشا، أن يضع حداً لمحاولات بلغراد تشويه الوقائع. ووفقا لسونيا بيزركو الناشطة في حقوق الإنسان لم يكن الشريط، وللأسف الشديد، كفيلا بإخراج البلاد من "حالة الإنكار الجماعي" المخيمة. \r\n \r\n وفي إحصاء جرى في الربيع المنصرم، تبين أن أقل من نصف الصرب المستفتين حول المجزرة يعتقدون أنها وقعت فعليا. \r\n \r\n ومع كل ما قيل عن صدمة الرأي العام الصربي بشريط الفيديو، لا يزال موقف الشعب غير واضح بعد زوال ردة الفعل الغاضبة. وسارع الحزب المتطرف الذي حصد 27% من الأصوات إبان الانتخابات الوطنية السابقة ليصبح بذلك أكبر تكتل حزبي في البرلمان، إلى انتقاد ما سماه الهستيريا المعادية للصرب التي "تسعى \r\n \r\n بشتى الطرق لتلقي بكل الجرائم على كاهل صربيا". \r\n \r\n وتزينت جدران مدن عدة بكتابات تبارك "تحرير" سربرنيتشا كما تسري شائعات مفادها أن شريط الفيديو مزور وأن مرتكبي الجرائم تصرفوا من تلقاء أنفسهم. \r\n \r\n وعوضا عن تقبل ماضيها، نسجت صربيا رواية بأسلوب يليق بمريض نفسي. فعلى سبيل المثال، نظم نقاش حول سربرنيتشا في كلية الحقوق في بلغراد بعنوان أولي هو "عشرة أعوام على تحرير سربرنيتشا". وتعليقا على شريط الفيديو صرح الرئيس الصربي بوريس تاديش بأن "صربيا مصدومة للغاية لأن القتلة كانوا طليقين في شوارعنا". \r\n \r\n ومما لا شك فيه أن حكومة تاديش تعي أن القتلة الذين يظهرون في الشريط غيض من فيض آخرين ما انفكوا يجوبون شوارع صربيا ومونتينيغرو. \r\n \r\n ونسجت الخرافة خيوطها حول الذاكرة الجماعية في صربيا ومونتينيغرو إلى الساعة فغيبت تغييبا فادحا فظائع ارتكبها الصرب في كرواتيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو حصدت مئات الآلاف من القتلى. \r\n \r\n وتنفي الرواية الصربية للأحداث تمتع الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش وأمثاله بدعم شعبي عريض في صربيا خلال الحرب رغم الإخلاء والاغتصاب والمجازر المخيفة التي ارتكبتها القوات اليوغوسلافية والجنود غير النظاميين؛ كما تبين صربيا اليوم على أنها مختلفة تمام الاختلاف عما كانت عليه قبل عشر سنوات. \r\n \r\n وتقول هذه الرواية بنسبية سخيفة تصنف فظائع الصرب في خانة جرائم ارتكبتها الإثنيات الأخرى (أفادت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن الصرب يتحملون مسؤولية 90% من جرائم البوسنة). \r\n \r\n وقال تاديش "إن الجرائم أفعال فردية"، وبالتالي كل هذا ضرب من الخيال. لقد أجبرت قوات الحلفاء المواطنين الألمان عند نهاية الحرب العالمية الثانية على المرور بمعتقلات الموت النازية، واضعة إياهم أمام الجرائم التي ارتكبت باسمهم، كي تضمن عدم إنكارها أو التقليل من شأنها في مراحل لاحقة. بيد أن سكان صربيا ومونتينيغرو لم يرغموا على الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت باسمهم. \r\n \r\n ولكن البعض يرفض تلميع ماضي صربيا الحديث. ومن الأمثلة الجديرة بالثناء لجنة هلسنكي لحقوق الإنسان في صربيا وإذاعة "ب92" المستقلة. ناهيك عن خوض بعض الأشخاص المعارك طوال سنين في سبيل الحقيقة، معرضين حياتهم للخطر على غرار ناتاشا كانديش، مديرة مركز القانون الإنساني في بلغراد. وقد هدد المتطرفون كانديش بالقتل إبان النقاش حول سربرنيتشا في كلية الحقوق، حتى إن أحدهم بصق في وجهها. \r\n \r\n وضعت ثماني من المجموعات الصربية لحقوق الإنسان مسودة إعلان حول سربرنيتشا له \r\n \r\n أن يلزم الحكومة بالاعتراف بالمجزرة و"بالكشف عن أي تبرير أيديولوجي للجريمة والمعاقبة \r\n \r\n عليه". \r\n \r\n ولكن الصحيفة اليومية "بليك" ذكرت أن أغلبية الأحزاب في البرلمان لم ترفض المصادقة على المسودة فحسب بل حتى إنها أبت أن تناقشه. \r\n \r\n وعلى صربيا أن تكف عن وضع معاناتها في زمن الحرب والخراب الذي ألحقته بالآخرين في كفة واحدة. \r\n \r\n وكان اعتماد إعلان صريح عن سربرنيتشا ليعد خطوة أولى مهمة وجب على البرلمان الصربي اتخاذها. \r\n \r\n استمرار الشعب الصربي بإنكار أي تورط له في جرائم الحرب يقوض من آمال إحلال العدالة ويحرم البلاد من مستقبل أفضل. وإن تمكنت أموال الإعانات الغربية التي تدفقت على صربيا من إعادة إعمار البنية التحتية، فلن تساهم قدر ذرة في استئصال الورم الخبيث المتمكن من قلب البلاد. \r\n \r\n وتتطلع الحكومات الغربية بقلق إلى إرساء مصالحة في البلقان تضمن من خلالها استقرار المنطقة مستقبليا. \r\n \r\n كما أنها لا تألو جهدا بغية اعتقال أشخاص مثل رادوفان كارادزيش، العقل المدبر للمجزرة وراتكو ملاديش، منفذها. وأشادت الحكومات بسرعة اعتقال الحكومة الصربية المشتبه في كونهم القتلة الذين يظهرون في الشريط. غير أن الاعتقالات هذه لا تكاد تفي بالمطلوب. \r\n \r\n فليس هؤلاء باستثناء، كما أنهم لم يعملوا من تلقاء أنفسهم وعلى صربيا الاعتراف بهذه الحقيقة بدل إنكارها أو التقليل من شأنها، مما يعني تسليم كل المشتبه في ضلوعهم في جرائم الحرب إلى محكمة لاهاي ودفع التعويضات لضحايا الحرب. وعلى الغرب أن يضمن هذه المسائل في شروطه عند النظر في طلبات الإعانة الصربية. \r\n \r\n \r\n \r\n