كما أثار العديد من المخاوف لدى المحللين السياسيين من أن تقود هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الإسرائيلية إلى خفض درجة التعاون بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. \"ادي وولفشفيلد\" أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس عبر عن انزعاجه من مستقبل العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية في ظل غياب محمود عباس على رأس السلطة قائلا:\"إذا أردنا للتعاون أن يستمر بين الطرفين يجب على أبومازن أن يبقى قوياً ويظل مسيطراً على الأوضاع\". \r\n من جهة أخرى تشير آخر استطلاعات الرأي التي أجريت عقب الهجوم على السجن واستسلام ستة من الفلسطينيين نتيجة الحصار العنيف الذي دام عشر ساعات، إلى ترسيخ صورة إيهود أولمرت كأحد \"الصقور\" المدافعين عن أمن إسرائيل في أذهان مواطنيه. وهي نتائج تخالف التقديرات السابقة التي كانت أظهرت تراجعاً في معدلات شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ أن تسلم السلطة بالوكالة على إثر دخول شارون في غيبوبة طويلة في مطلع شهر يناير الماضي. ويذكر أيضا أن نتائج استطلاعات الرأي قبل الهجوم على السجن الفلسطيني كانت تعطي حزب \"كديما\" عددا محدودا من المقاعد لا يتجاوز 40 من أصل 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي. لكن بعد الهجوم انقلبت النتائج حيث أفاد \"معهد علوم الخرائط الجغرافية\" المستقل أن حزب \"كاديما\" سيحرز على 42 إلى 43 مقعدا، وهو ما يشكل ارتفاعاً ملحوظا مقارنة مع تقديرات الأسبوع الذي سبق الهجوم على السجن الفلسطيني، حيث كانت حظوظ الحزب محصورة في 38 مقعدا لا غير. \r\n وعلى صعيد متصل أظهرت استطلاعات رأي أخرى أن حزب \"كديما\" مازال يتقدم بخطوات ثابتة على باقي الأحزاب المنافسة ما يجعله في مقدمة السباق، خصوصا بالمقارنة مع حزب \"الليكود\" الذي يطرح أكبر تحد له، فيما مضى يشكل البيت السياسي لأولمرت وشارون وصار اليوم تحت زعامة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو. وبالرغم من الإيحاءات السياسية الكثيرة التي تنطوي عليها الخطوة الإسرائيلية، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين ينفون أن تكون لعملية اقتحام السجن في أريحا أية دوافع سياسية تهدف إلى تعزيز شعبية إيهود أولمرت. وفي هذا الإطار صرح ناطق باسم الجيش الإسرائيلي بأن الهجوم على السجن إنما كان بسبب انسحاب المراقبين البريطانيين الذين يشرفون على مراقبة أحمد سعدات المتهم بالتورط في اغتيال وزير إسرائيلي سابق للسياحة نظراً لمخاوف أمنية. بالإضافة إلى ما يسوقه الإسرائيليون من أن محمود عباس أوحى مؤخراً باحتمال الإفراج عن أحمد سعدات، وهو ما لا تستطيع إسرائيل القبول به. \r\n إلى ذلك صرح محامي أحمد سعدات يوم الخميس الماضي بأن هذا الأخير ينفي أي دور له في مقتل وزير السياحة الإسرائيلي السابق رحبعام زئيفي الذي حملت تل أبيب مسؤولية اغتياله إلى \"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين\"، ما حدا بإسرائيل إلى التمسك بحق مقاضاته أمام المحاكم الإسرائيلية. ولم تكتف تل أبيب بالهجوم على سجن أريحا، بل واصلت حملتها ضد الفلسطينيين باقتحامها مدينة جنين في الضفة الغربية ومحاصرتها لمنزلين اشتبه في إيوائهما عناصر تنتمي إلى حركة \"الجهاد الإسلامي\". وخلال تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والمسلحين الفلسطينيين قتل جندي إسرائيلي، بينما ألقي القبض على خمسة أعضاء من الحركة. بيد أن المكاسب السياسية التي جناها حزب \"كاديما\" من وراء الهجمة الإسرائيلية على المعتقل الفلسطيني واقتحامها لجنين أحدثت نوعاً من عدم الاستقرار في الساحة السياسية الفلسطينية ظهر جليا في مطالبة العديد من الفلسطينيين الغاضبين باستقالة رئيس السلطة محمود عباس بعدما تجمعوا حوله خلال زيارة قام بها إلى الموقع الذي دمرته إسرائيل في الضفة الغربية. ويؤكد بعض المراقبين أن الخطوة الإسرائيلية جاءت لتصور الرئيس الفلسطيني على أنه ضعيف وغير قادر على مواجهة الإسرائيليين، ما سيفتح المجال واسعا أمام قيادة \"حماس\" الصاعدة. ويذكر أن حركة المقاومة الإسلامية \"حماس\" التي تسيطر على 74 من أصل 132 مقعدا في المجلس التشريعي الفلسطيني دخلت في صراع سياسي حاد مع الرئيس محمود عباس حول طبيعة الحكومة المقبلة التي لم تشكل بعد. الدكتور جرباوي، أستاذ العلوم السياسية لا يخفي انشغاله من التداعيات السلبية التي ستخلفها الهجمة الإسرائيلية غير المسبوقة على معتقل أريحا بعدما أبانت للكثير من الفلسطينيين أن السلطة استنفدت علة وجودها. ويتساءل جرباوي بنبرة ساخرة \"ما الحاجة إلى سلطة فلسطينية في ظل الوضع القائم؟\" مضيفا \"كان يعول على السلطة العمل على إنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية وإحلال السلام. لكن ما جدواها اليوم إذا كان الجيش الإسرائيلي يستطيع الدخول إلى أحد السجون وتجريد الناس من ملابسهم وإذلالهم أمام أنظار العالم؟\". \r\n ويلفت جرباوي النظر إلى أن الهجوم الإسرائيلي يضعف من قدرة محمود عباس على إقناع قادة \"حماس\" بتبني مواقف أكثر اعتدالا حيال إسرائيل. ويقول في هذا الصدد \"لا يستطيع محمود عباس إجبار \"حماس\" على القبول بالاتفاقات السابقة، لأنهم سيقولون له انظر إلى ما يفعله الإسرائيليون باتفاقاتك. لذا تبدو أن الخطوة الإسرائيلية وكأنها جاءت لتسحب البساط من تحت قدمي محمود عباس\". \r\n \r\n يني بروشر \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في القدس \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"