وتعتمد هذه الحجة على مفهوم دارج يقول إن الضربات العسكرية الأجنبية, والاعتداءات المسلحة على الدول, عادة ما تعزز مكانة الأنظمة والحكومات –حتى البغيضة والباطشة منها- بسبب ردة الفعل الشعبية على العدوان, التي غالباً ما تدفع الشعوب إلى الالتفاف حول قادتها مهما يكن سوء أولئك القادة والحكام. وعلى رغم الصحة النظرية العامة لهذه الحجة, من الواجب القول هنا, إنها لا تنطبق على الحالة الإيرانية بتاتاً. وليس ثمة جدال في أن تعزز مثل هذه الضربات والاعتداءات الأجنبية, مشاعر الوحدة الوطنية بين الشعوب, وتدفعها باتجاه تناسي خلافاتها الداخلية, حين يكون الوطن بأسره عرضة للهجمات والاعتداءات الأجنبية. \r\n ومهما يكن فإن إيران ليست \"دولة أمة\" واحدة متجانسة, بقدر ما هي إمبراطورية واسعة متعددة الأعراق, يهيمن عليها الفرس, بقدر ما هيمن الروس على الاتحاد السوفييتي السابق عبر الحقب والسنوات المتتالية التي ساد فيها نمط الحكم السوفييتي. وإذا ما صحت المقارنة, فالذي يلاحظ على إيران, أن الفرس لا يمثلون فيها سوى ما يزيد بقليل على نصف السكان, مما يعني أنهم يمثلون نسبة ضئيلة, قياساً إلى ارتفاع نسبة الروس في الاتحاد السوفييتي السابق. وعلى الرغم من أنه ليس في مقدور باحث أو عالم أياً كان, أن ينكر مدى قوة الشعور والاعتزاز القومي بالهوية الفارسية بين المواطنين الفرس والدوائر الحاكمة الفارسية على حد سواء, فإنه لا يمكن إنكار الحقيقة النقيض في ذات الوقت, ألا وهي ضعف الشعور بالمشاركة لدى المجموعات العرقية والثقافية غير الفارسية. ولا يعني هذا الشعور شيئاً آخر عدا أن الاعتداد بالفارسية ليس قاسماً مشتركاً بين جميع الإيرانيين. \r\n كما تختلف إيران كثيراً عن دولة مجاورة هي لبنان, حيث تكثر المواجهات والاشتباكات بين الطوائف والمجموعات الدينية والاجتماعية والسياسية المتباينة فيها. ففي إيران تعمل الأقليات العرقية غير الفارسية على مقاومة الحكومة المركزية التي يسيطر عليها الفرس في طهران. \r\n ففي شهر يناير الماضي, قامت عصابات بلوشية باختطاف عدد من الجنود بجنوب شرقي إيران, في حين أقدمت المجموعات العربية المقيمة في محافظة \"خوزستان\" القريبة من العراق, على تفجير سلسلة من القنابل والمتفجرات في مدينة الأهواز. وفي الاتجاه ذاته, دخلت المجموعات الكردية في مواجهات واشتباكات مع قوات الشرطة الإيرانية. وبسبب هذه التباينات والاختلافات الكبيرة في الهوية والانتماء, وبدافع معارضة هذه المجموعات للسلطة المركزية الفارسية في طهران, فإن على الأرجح أن ترحب المجموعات المعارضة بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية, بدلاً من أن تلتف حول حكومتها المركزية كما يتخوف البعض. \r\n ولكن ما هو واقع التباين والتناحر العرقي الثقافي في إيران على وجه التحديد؟ للإجابة على هذا السؤال نقول إن الأكراد يمثلون حوالى 9 في المئة من مجموع السكان, وإن مطالبهم بالاستقلال الذاتي تتصاعد يوماً بعد يوم –إلى ما يشبه التمرد العسكري- وربما يكونون مدفوعين في ذلك بإيحاء وإلهام تجربة الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراقي. ولهذا السبب فإنه ليس متوقعاً أن يلتف عدد كبير من الأكراد حول حكومتهم المركزية, فيما لو تعرضت بلادهم إلى ضربة عسكرية خارجية. وإلى جانب الأكراد هناك مجموعات أقلية صغيرة, من بينها العرب الذين يمثلون نسبة 3 في المئة والبلوش البالغة نسبتهم 2 في المئة من مجموع السكان. أما عن التركمان واللور الذين يمثلون نسبة 2 في المئة لكل منهم, وكذلك الجيلاكي والمزاندراني –تبلغ نسبتهم معاً نحو 8 في المئة- فيكاد لا يعرف شيء عن حقيقة مشاعرهم الوطنية, بسبب ما تعرضوا له من استلاب لغوي ثقافي, وأصبحوا جميعهم يتحدثون لهجات مختلفة من اللغة الفارسية. \r\n ولكن الصورة العامة تقول إن هذه الأقليات الصغيرة مجتمعة, تشكل مع الأكراد نسبة 25 في المئة من إجمالي السكان. غير أن هناك الأذريين الذين يمثلون لوحدهم نسبة 24 في المئة. وعلى الرغم من أنه قد جرى استلاب معظم الآذريين المقيمين في العاصمة طهران, فإن العدد الأكبر منهم المقيم في أقصى شمال البلاد, لم يتعرض لأي شكل من أشكال الاستلاب الثقافي أو اللغوي من قبل الفرس. ليس ذلك فحسب, بل سادت في أوساط هؤلاء مشاعر الانفصال والتنافس مع الفرس أكثر من أي وقت مضى. \r\n وإذا ما أضفنا لهذا كله عامل التطرف الديني من قبل الحكومة المركزية, وهو تطرف لا يميز ضد المجموعات غير المسلمة كما هو حال البهائيين والمسيحيين واليهود والزرادشتيين -وهؤلاء جميعاً يمثلون نسبة 2 في المئة من السكان- فحسب, وإنما يميز ضد المسلمين السنة البالغة نسبتهم 9 في المئة من إجمالي السكان. وعلى رغم إقامة مليون مسلم سني في العاصمة طهران, فإنهم يحرمون من حق بناء مسجد مستقل لهم فيها! وكل هذا لا يعني سوى ضآلة احتمال التفاف نصف السكان الإيرانيين حول حكومتهم المركزية, في حال تعرضها لاعتداء أجنبي. \r\n إدوارد إن. لوتواك \r\n \r\n زميل رئيسي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"