\r\n منذ عام مضي كان المنتقدون لهذه السياسة يرون أنها غير قابلة للاستمرار. ولكن من الواضح أنها كانت قادرة علي الاستمرار لعام واحد آخر علي الأقل. ولكن تظل هناك حقيقة ثابتة، ألا وهي أن كل ما لا يمكن الإبقاء عليه لن يستمر، وهو ما يشكل خطراً كبيراً علي اقتصاد الولاياتالمتحدة والعالم في العام 2006. \r\n أدي وقوع مفاجأتين اقتصاديتين إلي إطالة أمد الأوقات الطيبة التي شهدها عام 2005 كانت الأولي عدم ارتفاع أسعار الفائدة علي القروض طويلة الأجل علي الرغم من استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة علي القروض القصيرة الأجل، الأمر الذي سمح لأسعار المساكن بالاستمرار في الصعود. ولقد كان هذا علي قدر كبير من الأهمية بالنسبة لدعم النمو العالمي، حيث كان أداء أضخم اقتصاد في العالم يعتمد علي العقارات طيلة السنوات الأخيرة، وكان الأفراد يعيدون تمويل رهنهم العقاري وينفقون بعض العائدات، حيث أدت الأسعار المرتفعة إلي المزيد من البناء .\r\n ولكن ليس من المرجح أن يستمر هذا، فقد بات من شبه المؤكد أن تبدأ أسعار الفائدة علي القروض طويلة الأجل في الارتفاع في النهاية ويبدو أن هذه النهاية ستحل علي الأرجح في العام القادم. وإذا حدث ذلك، فإن الأمريكيين سوف يضطرون إلي إنفاق المزيد من الأموال علي فوائد الديون، الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلي تقليص المبالغ التي يستطيعون إنفاقها علي استهلاك السلع والخدمات. فضلاً عن ذلك، فمن المرجح أن تتوقف أسعار العقارات السكنية عن الصعود بل وقد تنحدر أيضاً. ونتيجة لهذا، فسوف تتوقف عملية إعادة تمويل الرهن العقاري، الأمر الذي من شأنه ألا يترك أية أموال يمكن سحبها من العقارات السكنية لدعم العادات الاستهلاكية لدي الأمريكيين. وفي كل من الحالتين، فلسوف ينخفض الطلب الإجمالي .\r\n ولكن هل من المحتمل أن يتمكن القطاع الشركاتي الذي تتوفر لديه ثروة من السيولة النقدية من التعويض عن الركود من خلال زيادة الاستثمار قد تحدث زيادة في الاستثمار الإجمالي، مع استبدال المعدات والبرامج القديمة. ولكن هناك من الأدلة ما يؤكد أن الإبداع أيضاً قد أصيب بنوع من التباطؤ وربما كان السبب وراء ذلك يكمن في تقلص الاستثمار في مجال البحوث خلال الأعوام الخمسة الماضية .\r\n وفي كل الأحوال، حتي لو توفر لدي الشركات ثروة نقدية، فهي عادة لا تميل إلي توسيع استثماراتها أثناء الفترات التي يتباطأ فيها الاستهلاك. ومن المرجح أن تدفع هذه الشكوك بشأن الاقتصاد الشركات إلي توخي الحذر حين تتخذ أي قرار استثماري. باختصار، سوف تؤدي تهدئة الاستثمار علي الأرجح إلي تفاقم التباطؤ الاستهلاكي علي نحو يعجز معه التعجيل بالاستثمار عن التعويض عنه أو معادلته .\r\n لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يؤدي إلي توقعات أكثر تشاؤماً بالنسبة لأمريكا والعالم في العام 2006 فقد تلخصت المفاجأة الثانية التي حملها العام 2005 في أنه علي الرغم من ارتفاع أسعار النفط إلي معدلات أكثر مما كان متوقعاً لها، إلا أن التأثير الاقتصادي الملطف كان غير محسوس تقريباً في أغلب الأماكن، حتي القسم الأخير من هذا العام علي الأقل. فبسبب ارتفاع أسعار النفط، علي سبيل المثال، ارتفع إنفاق أمريكا علي واردات النفط بمعدل خمسين مليار دولار أمريكي سنوياً تقريباً- وهو مبلغ كان القدر الأعظم منه قد ينفق علي شراء سلع صنعت في أمريكا لولا ذلك الارتفاع .\r\n كان الأمريكيون خلال القسم الأعظم من عام 2005 يتصرفون وكأنهم لا يصدقون أن أسعار النفط سوف تظل مرتفعة حقاً، علي الأقل لفترة من الوقت. وهذه الحقيقة أقل إزعاجاً مما قد يبدو: ذلك أن الدراسات الاقتصادية تشير إلي أن الإحساس بالتأثيرات الكاملة المترتبة علي ارتفاع أسعار النفط، يستغرق عاماً أو اثنين. الآن، ومع توقعات أسواق السندات الآجلة بأن تظل أسعار النفط متراوحة ما بين خمسين إلي ستين دولاراً أمريكياً للبرميل طيلة العامين القادمين، فقد تبخر الطلب علي المركبات التي تستهلك الوقود بشراهة، وأطاح ذلك بتوقعات شركات السيارات الأمريكية التي بنت استراتيجياتها الشركاتية علي أساس أسعار نفط منخفضة وعلي عشق الأمريكيين للسيارات الفارهة .\r\n من الطبيعي أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلي تثبيط الأداء الاقتصادي في بقية أنحاء العالم أيضاً، علي الرغم من أن توقعات النمو في العالم تبدو أفضل من نظيراتها في الولاياتالمتحدة. فقد واصل النمو في الصين إذهال العالم؛ والحقيقة أن بيانات الناتج المحلي القومي للصين تشير إلي أن اقتصادها أصبح أضخم مما كان متوقعاً بمعدل 20%. فضلاً عن ذلك فإن هذا النمو العارم سوف يكون له صدي في كافة أنحاء آسيا، بما في ذلك اليابان (ولو بصورة أقل تأثيراً ).\r\n وتظل صورة أوروبا مختلطة مشوشة، مع استمرار البنك المركزي الأوروبي في رفع أسعار الفائدة علي نحو يكاد يكون طائشاً، حتي علي الرغم من أن الاقتصاد الأوروبي يحتاج إلي المزيد من التحفيز لضمان استرداده لعافيته. وكأن كل ذلك لا يكفي، نجد حكومة ألمانيا الجديدة وقد وعدت برفع الضرائب. إن التعقل المالي أمر مطلوب في المكان المناسب وفي الزمان المناسب؛ لكن هذا في الواقع المكان الخطأ والزمان الخطأ ولسوف يؤدي هذا إلي إحباط الاقتصاد الألماني إلي حد يعجز معه عن استرداد عافيته .\r\n ويتلخص الخطر الأساسي خلال عام 2006 في أن المشاكل الأمريكية التي طال اختمارها أصبحت بادية جلية علي مستوي العالم: ذلك أن المستثمرين، بعد أن انتبهوا أخيراً للعجز المالي البنيوي الهائل والفجوة الشاسعة في الميزان التجاري والمستوي المرتفع من المديونية المنزلية، قد يبادرون في غمار هلعهم إلي سحب أموالهم إلي خارج الولاياتالمتحدة. وفي المقابل فإن رفع أسعار الفائدة وانخفاض سوق العقارات السكنية قد يؤدي إلي انخفاض الطلب الاستهلاكي إلي الحد الذي قد يقود الاقتصاد إلي الركود، الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلي تركيز الصادرات في دول أخري تعتمد علي سوق الولاياتالمتحدة .\r\n في أي من الحالتين، فإن حكومة الولاياتالمتحدة التي تكبلها القيود بالفعل بسبب العجز المالي الهائل، قد تشعر بالعجز عن الرد بسياسة مالية ذات دورة مضادة لإحداث التوازن. ومع تدهور الثقة في إدارة بوش الاقتصادية، بقدر تدهور الثقة في إدارته للحرب في العراق، فهناك من الأسباب ما يكفي للانزعاج بشأن احتمالات عجز الإدارة الأمريكية عن التعامل بنجاح مع أي أزمة متوقعة في المستقبل .\r\n لكن عام 2006 سوف يكون في أغلب الظن مجرد عام آخر من التوعك: ذلك أن أهمية الصين علي المستوي الاقتصادي ما زالت ليست بالضخامة الكافية لمعادلة نقاط الضعف في بقية أنحاء العالم. والإدارة الأمريكية أيضاً سوف تتمكن من تدبير أمورها كيفما اتفق مرة أخري مخلفة وراءها مستويات أكبر من الدين للمستقبل .\r\n خلاصة القول أن عام 2006 سوف يتسم بتصاعد الشكوك بشأن توقعات النمو الاقتصادي العالمي، حتي مع أن توزيع ثمار ذلك النمو سوف يظل متوقعاً علي نحو يثير الكآبة وانقباض الصدر. وفي أمريكا علي الأقل سوف يكون العام 2006 مجرد عام آخر حيث تؤدي الأجور الراكدة، إلي تجميد بل وربما انحدار مستويات المعيشة بين أهل الطبقة المتوسطة. ومن المرجح أن يكون هذا العام في كل مكان آخر مجرد عام آخر تتسع فيه الفجوة بين من يملكون وبين من لا يملكون .\r\n