\r\n \r\n وهذه القوة الدافعة المتسارعة يجب أن تحثنا نحن الأوروبيين على التأمل. فالقوة الاقتصادية الناشئة في آسيا ليست موجهة ضد أحد، بل على العكس تماماً، إذ أنها تمثل بالنسبة لأمة مصدرة مثل ألمانيا، فرصة يجب أن نعرف كيف نستغلها. لكن لابد وأن نأخذ في الاعتبار بأنه ثمة أمور تحصل هناك سوف تؤثر بشكل عميق على حياتنا، بحيث يدخل التوازن العالمي لمجتمعاتنا في دائرة المحرمات. \r\n \r\n نحن شهود ظواهر اقتصادية وتقنية واجتماعية، ستقلب النظام العالمي الذي نعرفه رأساً على عقب، حيث بدأ يشكل الواقع الذي سيعيش فيه أبناؤنا والذي سيكون ملمحه الرئيسي منافسة شديدة على الأسواق والموارد والتقنيات الجديدة، وهي معركة ستواجه فيها البلدان ذات الأجور العالية، كالبلدان الأوروبية، صعوبات جمة في توليد القيمة الاضافية اللازمة للحفاظ على نظام الضمان الاجتماعي لدينا، فضلاً عن أن مسيرة تطورنا الديمغرافي غير مناسبة. \r\n \r\n فالمجتمعات الغربية وجدت نفسها غارقة في عملية شيخوخة وتناقص سكاني مأساوي. خلال عشر سنوات فقط، على سبيل المثال، سيعيش في شنغهاي وحدها عدد من الأشخاص أكبر من عدد الأشخاص في البلدان الاسكندنافية مجتمعة. \r\n \r\n يتعين علينا مواجهة هذه التحديات بسياسة ذكية. فبفضل الأجندة الخاصة بعام 2010، وضعت ألمانيا حيز التطبيق الاصلاحات اللازمة لضمان قدرة بلدنا على المنافسة ولتزويد نظام الضمان الاجتماعي في ألمانيا ببعض البذور المتينة من أجل المستقبل. \r\n \r\n وأصحاب العمل والعمال الألمان يساهمون بطريقة مثالية في تحديث بلادنا ولقد بدأت تلاحظ أولى النجاحات في هذا الميدان. لكن يتعين علينا اظهار اهتمام أكبر لأن عملية الاصلاحات هذه قادرة على توحيد التنافسية الاقتصادية مع التوازن الاجتماعي، مما يكسبها طابعاً غير قابل للانعكاس. \r\n \r\n في ألمانيا، يجب علينا أن نقدم على الخطوات الحاسمة في هذا الاتجاه بأنفسنا. لكن يجب ألا نقنع، بسبب ذلك، في الاعتقاد الزائف بأن كل شيء بين أيدينا فقط. وعلى ضوء التشنجات التي تلوح في الأفق، فإنه يتعين علينا نحن الأوروبيين العمل سوياً حتى تبقى حية في النظام العالمي للقرن الواحد والعشرين تلك المبادئ التي راحت تراكمها قارتنا منذ أوقات الحركة الإنسانية والتنويرية والتي تجلت باحترام كرامة الفرد والحرية ودولة القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتسامح. \r\n \r\n ولن نتمكن من التصدي لعملية العولمة الجارية الا متحدين، بطريقة تضمن لشركاتنا وعمالنا، أي كل الأوروبيين، مستقبلاً قادراً على الوفاء بمتطلباتهم. ولدينا الكثير من الامكانيات لتحقيق ذلك، حيث يكفي التفكير بأمثلة مثل »ايرباص« أو تمثيلنا المشترك في منظمة التجارة العالمية. \r\n \r\n علينا نحن الألمان أن نتأمل سوياً حول الدور المستقبلي لقارتنا وإعادة توجيه سياستنا كلما كان ذلك ضرورياً. أما الاتحاد الأوروبي، فإنه يقف أمام مفترق طرق ذي أبعاد تاريخية. \r\n \r\n وكان بطل النقاش في الاجتماع الأوروبي الذي عقد بالقرب من لندن أخيراً هو النموذج الاجتماعي الأوروبي، حيث يلاحظ ان مجتمعات قارتنا قائمة على الوفاق وما يبقيها موحدة هو الرغبة في مزاوجة متطلبات الفاعلية الاقتصادية مع سياسة تضمن التماسك الاجتماعي، المجتمع مفتوح على التغييرات شرط أن تتم بالفطرة السليمة ومن دون كسر التوازن الاجتماعي. \r\n \r\n وهذه هي، على سبيل المثال، الرسالة الانتخابية الألمانية في 18 سبتمبر الماضي، أي انه إذا ما سارت العقلانية الاقتصادية والتضامن الداخلي جنباً إلى جنب، فإننا سنتمكن على المدى الطويل من الحفاظ على السلم الاجتماعي، الذي يعد شرطاً لا مناص منه لاقتصاد مزدهر وللتعدية والتسامح في كنف المجتمع المفتوح. \r\n \r\n ذلك هو مفتاح النقاش حول النموذج الاجتماعي الأوروبي. وبالتالي فإن على أوروبا الموحدة أن تسهر على استمرارية التماسك الاجتماعي، وذلك لأنه يحدث في الكثير من الأحيان أن لا يرى المواطنون أنظمة السوق الموحدة كدرع حماية ضد مراهنات العولمة، \r\n \r\n بل على العكس، إذ ينظر إلى السوق الموحدة كخندق أمامي، وحتى كحصان طروادة في بعض الحالات، للمنافسة الدولية المحتدمة وتحت ضغط التكيف مع التطورات الجديدة، تضيع التأكيدات المثبتة وتتفكك الروابط الاجتماعية، التي لا غنى عنها من أجل حالة من التعايش المفيد. \r\n \r\n ومن أجل الحيلولة دون حدوث حالات سوء تفاهم، لابد من إبراز أن المنافسة هي من نافل القول أمر ضروري، وانه يتعين على السياسة بالتالي فرض شروط تتناسب وتلك المنافسة، لكن على أن يتم ذلك دائماً بأسلوب بناء ومسؤول. فالسياسة لا تستطيع النظر إلى جانب آخر، عندما تمارس على سبيل المثال السياسات الاجتماعية الخاطئة أو عندما يتم تجاهل المعايير البيئية. \r\n \r\n تبحث في أوروبا حاليا قضية أساسية، فهناك من يعتقد بضرورة تحويل السوق إلى معيار أخير لكل سلوك سياسي. بينما يؤكد آخرون انه يتعين على الأوروبيين التشبث بقناعتنا القائلة بأن السياسة مجبرة على تشكيل واقعنا الحيوي في إطار المسؤولية الاجتماعية. وفي هذا الشأن لا يمكن أن يكون هناك التباسات. \r\n \r\n الناس مستعدون للمراهنة على المبادرة الخاصة، لكنهم لا يرغبون بتصفية الدولة. ولفهم هذا، يكفي تذكر ما حدث أخيراً في نيوأورليانز. والأوروبيون، بما فيهم البريطانيون، لا يريدون ولا يستطيعون خصخصة الجوانب الحيوية في حياتهم، وما يريدونه هو دولة ترافقهم، لكن لا تأخذهم من يدهم وهذا هو الذي يجب أن يلهم السياسة الأوروبية. \r\n \r\n لكن هذا لا يزال بعيداً عن كونه واقعاً، كما تظهر نتيجة الاستفتاءين الدستوريين الفرنسي والهولندي، التي وضعت الاتحاد الأوروبي في وضع أزمة خطيرة. وفي غمار هذه التطورات، يبدو أنه لا يمكن الصفح عن فشل مفاوضات الميزانية في يونيو الماضي. في قمة بروكسل، تنازلت ألمانيا عن موقفها إلى الحد الأقصى الممكن، بل أكثر بقليل. بينما حافظ آخرون، في المقابل، على مطالبتهم ولم يتزحزحوا قيد أنملة عن مواقفهم. \r\n \r\n وفي نهاية المطاف، كانت البلدان الأعضاء الجديدة من أوروبا الشرقية تحديداً الأكثر فقراً في الاتحاد الأوروبي، هي التي وافقت على الاقتطاعات في مساعداتها. وهذا فصل مشين بالنسبة للبلدان الغنية، لكنه مشجع في الوقت نفسه، لأنه يظهر أن روح التضامن لم تفتر بعد بين الدول الأعضاء. وأنا شخصياً لا أميز، منذ تلك القمة، بين الأعضاء القدامى والجدد في الاتحاد الأوروبي. فلقد أظهر أصدقاؤنا في أوروبا الشرقية أنهم على مستوى مسؤوليتهم الأوروبية. \r\n \r\n اليوم، ثمة محاولة في لقاء »هامبتون كورت« لجس نبض الوضع قبل العودة إلى محاولة التوصل إلى اتفاق ميزانية في ديسمبر المقبل. والظروف تتهيأ، من حيث المبدأ، لذلك التفاهم، ذلك أن رئاسة لوكسمبرغ أعدت اقتراحاً لابد وأن يفضي إلى تسوية شاملة. وستكون دلالة حسنة جداً أن يتم التوصل إلى اتفاق الميزانية في ظل الرئاسة البريطانية وأنا على يقين من أن توني بلير واع للآمال الكبيرة التي يتوقعها المواطن الأوروبي منه. \r\n \r\n لكن اتفاقاً نهائياً حول قضية الميزانية لن يكفي من أجل انتشال الاتحاد الأوروبي من حالة الركود التي يمر بها وقد آن الأوان للدخول في نقاش معمق حول أهداف السياسة الأوروبية ومهامها وبعدها الاجتماعي. ليس ضرورياً إعادة ابتكار الاتحاد الأوروبي. فالمشروع انطلق في خمسينات القرن الماضي بقصد تجاوز تضاد »أستروموجوف« بصورة دائمة بين أمم قلب أوروبا وخصوصاً بين فرنساوألمانيا. \r\n \r\n بالإضافة إلى أنه كان يتوجب على الاتحاد أن يخدم من أجل تسهيل عملية إعادة بناء الاقتصاد في قارة مكتسحة بكوارث الحرب والجوع، ولقد تم تحقيق الأمرين بطريقة مثالية. ومع انضمام عشر دول أعضاء جدد في مايو 2004، تحقق أيضاً وضع النقطة النهائية المنشودة لتاريخ انقسام القارة. \r\n \r\n ومع قرار بدء المفاوضات الخاصة بانضمام تركيا، فإن وعد السلام والاستقرار في المشروع الأوروبي يسير بخطى ثابتة نحو اكتمال البعد الجيوسياسي الحاسم. ولقد حظيت أخيراً في اسطنبول بفرصة التحقق من مدى شعور الأتراك بالتصاقهم بأوروبا وثقافتها وقيمها. لا شيء أعطى القوى الإصلاحية التركية دفعة جديدة أكثر من الأمل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n وذلك البرنامج لن يحدث تغييرات عميقة في تركيا فحسب، وإنما في البلدان المجاورة أيضاً، وسيساعد على وضع قواعد حوار قائم على المبادئ الإنسانية بين الغرب والشرق وبين أوروبا والإسلام. \r\n \r\n