\r\n \r\n في حين أبدت إسرائيل استعدادها، مقابل بعض الضمانات الأمنية، لتسليمهم السيطرة، بشكل مشترك، مع المصريين، الأمر الذي كان لا مناص منه سواء من وجهة النظر الاقتصادية أو السياسية. \r\n \r\n فبالإضافة إلى المعبر الحر بين غزة ومصر، فإن حرية التنقل بين غزة والضفة الغربية لابد وان تعود إلى ما كانت عليه سابقاً، لسبب بسيط هو أنه من الضروري أن يتمكن الفلسطينيون من التواصل بشكل حر. \r\n \r\n ويواجه محمود عباس تحدياً جوهره هو أنه يتعين عليه ان يظهر للفلسطينيين أن إنهاء الانتفاضة المسلحة يصب في قناة تحسين أوضاعهم، سامحاً بذلك بتقريب آفاق حقيقية فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، فحتى عندما تصبح حياة الفلسطينيين اليومية أقل صعوبة بتقليص عدد نقاط التفتيش، فإن تلك النقاط ستبقى قائمة، ولا يزال من غير الواضح توقيت وإمكانية التنقلات اليومية إلى الضفة الغربية. \r\n \r\n لقد بات المجتمعان الفلسطيني والإسرائيلي، في الوقت الحالي، منهكين ومنقسمين داخلياً بصورة عميقة ويتطلعان إلى السلام، لكن كليهما يخشى من ألا يشكل كل هذا إلا تنازلاً مؤلماً. \r\n \r\n صحيح ان أنصار السلام يشكلون الغالبية بين صفوف كلا الشعبين، لكن حتى يستمروا كذلك، فإنه من الضروري ان يتمكنوا من إظهار ان هذه العملية مجدية بشكل حقيقي على المديين القصير والبعيد. \r\n \r\n ومن دون أفق اقتصادي وسياسي، فإن حماس ستتقدم بين صفوف الشعب الفلسطيني، مما سيعزز في إسرائيل، كنتيجة لذلك، قوة من يعارضون الحوار مع الفلسطينيين. أما في الجانب الفلسطيني، فإننا نستطيع التحقق من هوية معسكرين، الأول يناصر السلام، لكنه ثانوي والآخر يعارض السلام وهو متشدد. \r\n \r\n ولنتذكر ان انتخابات السابع عشر من يوليو قد أرجئت خوفاً من ان تفوز حماس فيها، الأمر الذي كان من الممكن ان يدفع إسرائيل إلى إلغاء عملية إخلاء غزة. لكن لا يمكن تأجيل المواعيد الانتخابية بشكل أبدي خوفاً من فوز حماس فيها، ذلك ان هذا سيسير ضد العملية الديمقراطية وقد يأتي بعكس المراد منه من وجهة نظر سياسية. \r\n \r\n أما في إسرائيل، فإن الخطر يأتي من حركة المستوطنين، الذين أدركوا أنهم لا يستطيعون الحيلولة دون الانسحاب من غزة وبالتالي، فإن نيتهم قد اتجهت إلى زعزعة استقرار المجتمع وتجريد عملية الانسحاب من أي دعم تداركاً لعدم المساس بالضفة الغربية. \r\n \r\n ومع الأخذ بعين الاعتبار ان المستوطنين يتمتعون حالياً بتأثير أكبر، على الجيش، وكما حدث في عام 1967 حين اقتصر اهتمام المتدينين على القضايا الإدارية، فإنهم يشكلون اليوم بين 25% و30% من القوات الخاصة ومنذ ذلك الحين وهم ينخرطون في صفوف الجيش بهدف منع الانسحاب من الأراضي المحتلة. \r\n \r\n وبما أن اغتيال رابين تسبب بحالة من الجمود، فإن الكثير من الإسرائيليين يخشون من عودة المستوطنين إلى هدر الدم اليهودي مع الأمل بشل العملية الجارية الآن. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تجعلهم يبقون منعزلين سياسياً مع إسرائيل، حتى لو تخلل المناخ الحالي اعتداءات إرهابية جديدة تؤدي إلى تعزيز الدعم المقدم للمستوطنين. \r\n \r\n تتطلع الولاياتالمتحدة، التي تتبنى حركة الاستيطان، لكن من دون ان يكون ذلك صادراً عن قناعة راسخة، وأوروبا المتحفظة ولاعبون دوليون آخرون غائبون أو مغيبون، إلى أمل رئيسي يكمن في معسكر السلام في إسرائيل ومن المؤسف ان المجتمع الدولي لم يعطه القيمة التي يستحقها. \r\n \r\n وفي نهاية المطاف، ثمة طلاق يتأكد بين العلمانيين المتطرفين قومياً مثل شارون والمتدينين، حيث يدرك الأولون أنه لابد من تقديم تنازلات، حتى لو كانت لأسباب جغرافية، خصوصاً وان الانسحاب من غزة كان يعني التخلص من 4,1 مليون فلسطيني، بينما يعتبر الآخرون انه لا يمكن السيطرة على الفلسطينيين حتى لو كانوا أقل عدداً. \r\n \r\n هل يجب فهم هذا الانسحاب كخطوة أولى على طريق حل دائم وعادل للنزاع أم كوسيلة للحفاظ بسهولة أكبر على السيطرة على جزء من الضفة الغربيةوالقدسالشرقية؟ \r\n \r\n وفي الواقع، فإن غزة تمثل فقط جزءاً من المشكلة فهي لم تكن تضم سوى مابين 2000 الى 3000 وحدة سكنية، لكن المشكلة تتمثل أيضا في ان الإسرائيليين يبنون المزيد من المستوطنات بمقدار الضعفين في الضفة الغربية. كما ان إسرائيل ماضية قدماً في بناء الجدار الذي يتداخل مساره والى حد كبير مع الخط الأخضر، بينما تمعن إسرائيل في الطرد التدريجي للفلسطينيين من القدسالشرقية. \r\n \r\n ان بناء جدار عازل وفصل شعبين هو أمر مؤسف، لكنه اذا كان شرطاً للسلام، فإنه رغم كل شييء أفضل من بقاء المواجهة غير المتكافئة. لكن مشكلة الجدار تكمن في مساره المتداخل أكثر بكثير مما تكمن في المبدأ الذي يقوم عليه، لأنه يشكل عملياً حدوداً. \r\n \r\n وبالتالي منظوراً لدولة للفلسطينيين. لكن ان استمرت الأمور على هذا النحو، فإنه سيكون هناك في النهاية اتفاق سلام أقل تجاوباً مع الفلسطينيين حتى من الاقتراحات السخية بشكل مزيف التي قدمها باراك في «كامب ديفيد». فهذا العرض يكمن في إعادة غزة وتسع أو عشر الضفة العربية ولن يتضمن القدس. فهل سيقبل الفلسطينيون بهذا العرض مكرهين؟ \r\n \r\n الإسرائيليون متأكدون من أنهم ليسوا مهيئين للعودة الى تحمل ماكانوا قد عاشوه طوال السنوات الأربع الأخيرة. لكن ذلك الكره حقيقي، في هذه المنطقة، التي لم تعني فيها أبداً أحداث من هذا النوع بادرة تنم عن حكمة وتبصر. مما يعني ان وضعاً مماثلاً سينشأ عنه بلا ريب إعادة تجديد للعنف الفلسطيني. \r\n \r\n من جانب آخر، فإن القدس ليست قضية فلسطينية وإنما إسلامية وضم القدس من جانب إسرائيل سيبدو نهائياً اذا ما قامت بموازاتها دولة فلسطينية محدودة. لكن هل يحتمل النزاع تغييراً كارثياً بهذا الحجم؟ لقد انتقل النزاع من كونه نزاعاً عربياً إسرائيلياً الى نزاع فلسطيني إسرائيلي. \r\n \r\n ومع ذلك، فإن التقليل من قيمة البعد الجغرافي له ترافق مع تصعيد استراتيجي. وان فكرة عدم تقاسم القدس ستحوّل النزاع الى نزاع إسلامي إسرائيلي. وهذا سيكون له عواقب كارثية على مجمل الكرة الأرضية. \r\n \r\n