من الناحية النظرية‚ يعتبر بدء تركيا لجولاتها التفاوضية مع الاتحاد - المقررة ان تبدأ في اكتوبر هذا العام - من الاخبار السارة للباحثين الاتراك الذين خاطروا بالتعرض للمحاكمة بسبب تحديهم الخط الرسمي الذي يتمسك بالقول ان عمليات الطرد الجماعية للارمن في عام 1915 لم ترق إلى مؤامرة لقتلهم وفي وقت سابق من هذا العام كانت هناك بعض الاشارات الجيدة‚ على الابتعاد عن هذا الخط‚ فبعد عقود من الانكار التام لعمليات القتل - التي يصفها الارمن في جميع انحاء العالم بانها مذابح جماعية دعت تركيا الباحثين الدوليين في شهر ابريل الماضي لكي يقرروا دفعة واحدة وإلى الأبد حقيقة ما جرى الضبط‚ وقالت ان الباحثين سيكونون احرارا في التدقيق بوثائق الارشيف العثماني وقد لقيت هذه الدعوة من رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي‚ ترحيبا وثناء من قبل حكومات الاتحاد الأوروبي‚ ولكن القلة الشجاعة من الباحثين الذين اخذوا كلام اردوغان على محمل الجد لم يجدوا المشاكل منذ ذلك التاريخ‚ \r\n \r\n ففي مايو الماضي‚ اصيبت مجموعة الباحثين الاتراك بنكسة حادة‚ واضطروا لالغاء مؤتمر كان مقررا لمناقشة المأساة الأرمنية‚ بعد ان اتهمهم وزير العدل التركي جميل جيجيك «بطعن تركيا في ظهرها» ويذكر ان معظم هؤلاء الباحثين يرفضون وجهة النظر الرسمية القائلة ان السبب الرئيسي لوفاة اعداد كبيرة من الأرمن المبعدين كان تعرضهم للأمراض والاحوال الجوية السيئة‚‚وهناك اشارة سيئة اخرى تتمثل في أن هرانت دينك صاحب مجلة «أغوس» الأرمنية الاسبوعية في استنبول يواجه عقوبة السجن ثلاث سنوات لانه ابلغ جمهورا في عام 2002 بانه «ليس تركيا» وانما «ارمني من تركيا» وفي قضية اخرى ضده هذا العام يواجه عقوبة السجن ست سنوات لحثه الأرمن والاتراك على التوقف عن كره بعضهم البعض‚ \r\n \r\n وفي كلتا الحالتين‚ قيل ان دينك قد «أهان الدولة التركية»‚ \r\n \r\n كيف يمكن فهم هذه المحاكمات في ظل الرغبة المعلنة لأرودغان لنزع فتيل الحساسية في العلاقات التركية الأرمنية بالسماح باجراء بعض الابحاث النزيهة؟ يقول السيد دينك «الأمر في غاية السهولة‚ فهناك قوى في هذه البلاد تعمل ليلا ونهارا لمنع تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي ومن ضمن هذه الأعمال اسكان الناس من امثالي»‚ \r\n \r\n لكن هذه الأيام ليست جميع الاسباب التي يعاني منها الباحثون الاتراك - انصار المصالحة التركية الأرمنية - نابعة من بلدهم‚ ولنأخذ قضية بكتان تركيا لماظ‚ الباحث التركي المشهور دوليا الذي تم اعتقاله في ارمينيا يوم 17 يونيو بتهمة محاولة تهريب مخطوطات إلى خارج البلاد‚ ويذكر ان تركيا لماظ يجيد اللغة الارمنية وهو من بين القلائل في تركيا الذين يقولون ان السياسة العثمانية عام 1915 بلغت فعليا إلى حد القتل المتعمد‚ وكان اول أكاديمي تركي يمنح حق الدخول والاطلاع على الارشيف القومي لارمينيا‚ ولكنه معتقل حاليا وموضوع تحت الحراسة المشددة القصوى في ياريغان وسيواجه المحكمة الشهر القادم بتهمة انتهاك المادة 215 من القانون الجنائي الارمني الذي يساوي تهريب المخطوطات بتهريب اسلحة دمار شامل والتي تصل عقوبتها حتى 8 سنوات ولكن السيد تركيا لماظ يصر على القول بأنه لم يكن يعرف بهذا القانون وان التجار الذين باعوه حوالي «100» مجلد لم يقولوا له أبدا انه سيحتاج إلى ترخيص رسمي لاخذ هذه المجلدات معه إلى خارج ارمينيا‚ وفي رسالة مفتوحة وجهت إلى الرئيس الارمني روبرت كوتشاريان‚ من اكثر من 200 اكاديمي يطالبونه بالافراج عن المؤرخ وقالوا ان اعتقاله سوف «يثير شكوكا خطيرة حول ما اذا كانت ارمينيا تشجع الابحاث العلمية المستقلة حول تاريخها»‚ \r\n \r\n أدهم جابر - تعيينات لبنانية‚‚ على السكين! \r\n \r\n لا هي بطيخ على السكين وشمام وليست «سنيورة»‚ كما ادعى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في إشارة الى قضية التعيينات التي تشغل بال الساسة اللبنانيين في الوقت الحالي‚ لأنه لا بد من اتفاق على التقسيم او «التحزيز» وفق المصطلح اللبناني للتقطيع‚ ذلك ان مطلق تعيين في لبنان لا بد له ان يمر في مفرمة «المحاصصة» والتناسب الطائفيين إضافة الى المحسوبيات السياسية ومنطق «الاستزلام» حيث ان هناك لكل زعيم سياسي في لبنان رجاله الجاهزين لتولي المناصب في فئات التوظيف الاولى والادارة‚ وفي ضوء تلك الآلية لا شك ان هناك خلافات جديدة ستلقي بظلالها على مسألة التعيينات في الايام المقبلة حتى لو نفى رئيس الحكومة ذلك وحتى لو تكتم رئيس الجمهورية العماد لحود على الموضوع لأن الخلاف واقع لا محالة‚ هذا الا اذا كان الجميع قد اتفقوا و«تصافقوا» فيما بينهم فعندها سيكون الحل والتهدئة في توترات رئاسات لبنان وطبيعي مع تلك التطورات ان هؤلاء سيكونون على رأس قائمة الفائزين في حين ان الخسارة ستلحق بمبدأ تكافؤ الفرص واصحاب الكفاءة ممن يتوجب ان يتولوا الادارات الاولى»‚ \r\n \r\n الكل يتمنى عدم الخلاف بين رؤوساء لبنان وتحديدا حول «القشور» لكن اذا كان لا بد من خلافات بين ساسة لبنان على اعتبار ان ذلك ما يميز الديمقراطية اللبنانية فإن الاولى ان تكون تلك الخلافات حول امور «سمينة» او «محرزة» باللبناني لا حول امور اشبه «بكعك الهواء» استحقاق «التعيينات» اذا استطعنا ان نسميه كذلك لن تكون المشكلة الأولى ولا الاخيرة التي قد تواجه حكام لبنان‚ وبالتأكيد أن الحل لا يملكه القيمون على القرار السياسي في بيروت ما داموا يسيرون على نفس الخطأ السائد منذ ما بعد الاستقلال الأول وما قبل الحرب اللبنانية وصولاً الى المراحل الحالية‚ \r\n \r\n تجاوز مسألة التعيينات يجب ان يتم وفق آلية جديدة معاصرة قائمة على اساس وضع «الرجل المناسب» في « المكان المناسب» واعتماد الكفاءة كوسيلة للاختيار بعيداً عن المنطق الطائفي ومفهوم المحسوبية‚ وبعيداً عن «الاستزلام» الذي يسوق به اهل الحكم في لبنان‚ واستناداً لا بد لرؤساء لبنان ان يبحثوا عن خلاف كبير حول إعادة النظر في هيكلية النظام السياسي من اساسه‚ لكن تبقى المشكلة هنا ان الطبقة السياسية الموجودة حاليا في لبنان لا يمكن ان تحقق إنجازات تاريخية في ذلك الاتجاه‚ وحيث ان «القناعة كنز لا يفنى» فإن معاناة اللبنانيين ستبقى مع امتلاكهم لذلك الكنز الى ان تحدث «المعجزة»‚ \r\n