وهو على حاله وفقاً للمتطلبات التي تقتضيها تحقيقات الأممالمتحدة في الجريمة. فالحفرة الهائلة التي سببها انفجار طن التي ان تي وحطام الأبنية المتناثرة تمثل دلالة محزنة على ان الجريمة هي طريقة مقبولة للقيام الاعمال السياسية، وهذه هي الفكرة التي يتوجب على المجتمع الدولي أن يزيلها الى الأبد. \r\n \r\n فريق تحقيق الأممالمتحدة الذي تم تشكيله في نيسان وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1595 وترأسه مدعي برلين ذو الكفاءة العالية ديتليف ميليز، يعمل قدماً بهدوء ومنهجية في عمليات الاستجواب وعمله الشرعي في بيروت. ومن المقرر أن يتم تقديم التقرير لمجلس الأمن في أواسط شهر أيلول والسيد ميليز متفائل بأنه لن يكون هناك حاجة للتمديد. \r\n \r\n في الوقت الراهن ما تزال عمليات التفجير والاجرام مستمرة في بيروت. فمنذ مقتل الحريري وحتى الأن تم اسكات صوتين من الأصوات المنتقدة لسوريا، وبيروت مغمورة بالشائعات التي تدور حول وجود لائحة اغتيالات سورية. \r\n \r\n يعتقد العديد بأن النظام السوري ينوي الانتقام للانسحاب العسكري الذليل الذي تم في نيسان تحت ضغط من المجتمع الدولي والذي رحب غالبية الشعب اللبناني به. ليس هناك من أحد يشك بمقدرات سوريا الراسخة في لبنان، وذلك من خلال عناصرها الاستخباراتية وعملائها المحليين المختلفين. \r\n \r\n ولكن الأحداث أخذت منحاً جديداً اثر الاعتداء التفجيري الذي حدث في 12 تموز والذي استهدف الوزير الدفاع الياس المر وهو صهر الرئيس اميل لحود ويملك علاقات جيدة مع سوريا. السيد ميليز تحدث بشكل غير مباشر مع السيد المر، الذي كان يملك معلومات هامة لديه وذلك قبل محاولة الجريمة. من الواضح أن النظام السوري له مصلحة في منع \"الموالين له\" من التردد الذين يتحكمون في تدفق المعلومات على لجنة تحقيق الأممالمتحدة، وفي خلق ارباكات حول الجرائم المرتكبة. \r\n \r\n في خضم الوصول الى حصيلة التحقيقات، يبدو تشتت المعارضة واستغلال الرئيس لحود، بدعم من سوريا، لسلطته في تحقيق حكومة جديدة قد خففت من تأثير انتصار المعارضة على الانتخابات البرلمانية المتوقعة في الربيع. أولاً، رضخ رئيس الوزراء السني الجديد فؤاد السنيورة لنفوذ السيد لحود القوي والمستمر على الأجهزة الأمنية والقضائية. ثانياً، الجنرال ميشيل عون الذي يرى في نفسه الخصم اللدود للهيمنة السورية والذي أثبت نفسه كقائد مسيحي رئيسي في الانتخابات، انفصل عن المعارضة الجديدة التي يقودها زعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط وآل الحريري المسلمين السنة. \r\n \r\n بعد عودته الى بيروت في نيسان 2005 من منفاه في باريس شعر الجنرال ميشيل عون بتراجع من قبل أقرانه في المعارضة. ومؤخراً عبر لي عن غضبه من اتفاق هيئة حزب الله الانتخابية مع جنبلاط لابعاده، خاصة التوصيات الدينية التي تم فرضها على الشيعة للتصويت ضد قائمة مرشحي الجنرال عون. وهو يصر على أن يتخلى حزب الله عن اسلحته للجيش والدولة اللبنانية. الجنرال عون مستعد للتصالح مع سعد الحريري الذي يترأس أكبر كتلة في البرلمان الجديد تعمل على تحقيق برنامج قوي ضد الفساد، ولكنه اليوم خارج الحكومة الجديدة. من جانبه حزب الله يلوح مهدداً بأسلحته وقوته القائدة للطائفة الشيعية التي تشكل ثلث التعداد السكاني في لبنان وذلك لاكراه رئيس الوزراء السني السنيورة على القبول بأن جناح حزب الله العسكري فوق ووراء سلطة الدولة. \r\n \r\n هناك تباعد مقلق بين الشيعة وبين باقي اللبنانيين، فالشيعة يخافون من انطفاء جذوتهم والعودة للعيش في ظل اسرائيل والطوائف اللبنانية الأخرى. وعلى نحو مواز، أصبح الجنرال عون الذي أكد بشدة على أوراق اعتماده الوطنية المتخطية لجميع الطوائف، اصبح الممثل الأكثر شعبية للطائفة المسيحية، الذين يشكلون حوال 35 % من اللبنانيين والتي ترى بأن درجتها السياسية قد خفضت. ان كلا الحالتين توضحان التكتلات اللبنانية الطائفية المتمردة، التي جعلت البلاد ضعيفة جداً امام مناورات البعثيين السوريين. \r\n \r\n وليس كثيراً اذا قلنا بأن مصداقية المجتمع الدولي، مصير سوريا ولبنان، ومستقبل الشرق الأوسط ككل متوقفة على نتائج تحقيقات الأممالمتحدة المتعلقة بمقتل الحريري. فهذه القضية تعتبر أهم بكثير من الانسحاب الإسرائيلي المنتظر من قطاع غزة، لأن نتيجة تحقيق بيروت سيتوقف عليها موت أو حياة النظام، أما انسحاب غزة فلن يترتب عليه سوى تعديل هامشي على الترتيبات الإسرائيلية الفلسطينية. \r\n \r\n إذا عجز تقرير ميليز عن تحديد الرأس المدبر للاغتيال، أو في حال حصر نشاطه ضمن نطاق مسؤولي الأمن من المستويات الدنيا، أو انجرف وراء خيالات القاعدة، فإن العواقب ستكون وخيمة. سوف يحصل وقتها النظام السوري على فرصة جديدة للحياة ضمن اللعبة الإقليمية وسوف يعمل على تنشيط تعاونه مع المتطرفين الفلسطينيين ومع حزب الله. وإذا بقي لبنان بدون نظام جديد مستقر حتى نهاية فترة الانتظار، وهذا ما تريده دمشق، فإنه سيكون معرضاً بشكل مرعب للعودة إلى الهيمنة السورية. من ناحية أخرى فإن سوريا البعثية سوف تستمر في التدخل في العراق بنشاط أكبر، وسوف تشعر الولاياتالمتحدة بعواقب ذلك. \r\n \r\n وفي هذه البيئة الإقليمية المضطربة فإن إسرائيل بالتأكيد سوف توقف أي تسويات جدية بالنسبة للضفة الغربية. إلى جانب ذلك فإن توصل التحقيق إلى نتائج غير مرضية سوف يؤدي أيضاً إلى تدمير سمعة الأممالمتحدة باعتبار أنه تم بموجب قرار من مجلس الأمن، مما سيؤدي إلى إضعاف دور المجتمع الدولي في القضية الإسرائيلية الفلسطينية. \r\n \r\n بالمقابل فإنه في حال وجه تقرير ميليز إصبع الاتهام إلى مسؤولين كبار في النظام السوري على سبيل المثال فسوف تفتح آفاق جديدة بالنسبة للشرق الأوسط. وقتها سوف تواجه سوريا عقوبات مجلس الأمن ومطالبه بتسليم شخصيات من النظام إلى العدالة الدولية. القيادة السورية الحالية، بما فيها بشار الأسد، لن تتمكن على الأرجح من تجاوز مثل هذه التطورات، ولهذا السبب فإن المجازفات التي تواجهها بيروت خلال الشهرين القادمين ستكون كبيرة. \r\n \r\n يراهن النظام السوري على ورقة الخوف من أن انهياره سوف يؤدي إلى تحول سوريا إلى \"ثقب أسود\" في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه -وعلى النقيض من ذلك- يتصور نفسه باقياً في السلطة. كلا هذين التصورين عبارة عن أوهام ذاتية ويجب ألا يخدعا أحداً، إذ ليس هناك سبب للاعتقاد باستحالة حصول تحول نحو الديمقراطية في دمشق نتيجة اجتماع عناصر من النظام مع البرجوازية السياسية الجديدة. \r\n \r\n على أية حال فإن النظام الحالي أثبت أنه أكثر جوراً وظلماً لشعبه وللدول المحيطة به من أي انهيار. وعلاوة على ذلك فإن هناك احتمالاً كبيراً بأن انتهاء الدكتاتورية البعثية في سوريا سوف يؤدي إلى الاستقرار في كل من لبنان، العراق، الأردن، وسوف يفسح المجال أمام حصول تقدم في التسويات العربية الإسرائيلية. \r\n \r\n \r\n