وبقدر ما تشكل الحرب على الإرهاب إحدى أولوياتنا اليوم، فإن إحلال السلام في البلقان كان بالمثل إحدى الأوليات المستعجلة حينها. وقد بذلت في سبيل إحلال ذلك السلام الصعب العديد من الجهود الدبلوماسية قبل أن يتم إرسال قوات أممية إلى البوسنة لتفادي تكرار ما حدث في سربرنيتشا ولمعاقبة الجناة الذين اقترفوا أفظع الجرائم في حق سكان القرى والبلدات البوسنية ذات الغالبية المسلمة. ولشد ما هالنا منظر النازحين وهم يقطعون مسافات طويلة عبر الغابات والمسالك الوعرة هربا من بطش الصرب وطلبا لأماكن أكثر أمنا. ومازالت تكتشف إلى حد الآن مقابر جماعية جديدة تشهد على وحشية الجناة، ولكنها تدلل في نفس الوقت على مدى صوابية التدخل الأميركي بمساعدة أصدقائنا في حلف الناتو لمنع استمرار القتل وتقديم العون للسكان المدنيين. \r\n \r\n وبالرغم من مرور عشر سنوات على انتهاء الحرب في البلقان بفعل تدخل الولاياتالمتحدة وحلف الناتو، إلا أن المنطقة لم تنعم بعد بالأمن والسلام الكفيلين بطي صفحة الماضي المثخن بالآلام، حيث مازال يخيم ذلك الماضي بأشباحه الثقيلة، ومازالت بعض العناصر تدفعها الرغبة في الانتقام لزعزعة استقرار منطقة البلقان وبث الفرقة والشقاق بين أعراقها المختلفة. لذا يتعين على الولاياتالمتحدة أن تنتهز الفرصة السانحة التي تتوفر لها هذه السنة بمناسبة إحياء ذكرى تلك المجزرة الرهيبة, وذلك لدفع شعوب البوسنة وكوسوفو والصرب لاستكمال خطواتها نحو تحقيق سلام كامل يؤسس لمرحلة جديدة خالية من مشاعر الكراهية التي لوثت الماضي وتشج تلك الشعوب على الانفتاح على آفاق رحبة من التعايش المشترك في ظل الاحترام المتبادل والالتزام بسيادة القانون. \r\n \r\n لذا تحتاج تلك الشعوب اليوم إلى المساعي الدبلوماسية الأميركية وقيادتها من أجل بلوغ ذلك الهدف واستتباب الأمن في منطقة تحتل موقعاً حساساً في قلب أوروبا وتتميز بالتعقيد والتشابك. وفي هذا الصدد قامت الولاياتالمتحدة بإرسال وفد رئاسي للمشاركة في الذكرى العاشرة لمجزرة سربينيتساا التي راح ضحيتها حوالي 8 آلاف مسلم على يد القوات الصربية. وعندما طرح السؤال المهم: من سيمثل الصرب؟ جاء الجواب على لسان الرئيس الصربي بوريس تاديك الذي اقترح الحضور شخصياً مع وفد من بلده. وأعتقد أنها خطوة في اتجاه المصالحة بين الأطراف المختلفة في المنطقة، خصوصا إذا كانت مصحوبة بإعراب واضح ومباشر عن الندم والحسرة. \r\n \r\n إلا أن الخطوة الأهم على مسار المصالحة ستكون بلاشك القبض على الجنرال راتكو مالديك الذي أمر بتلك المجزرة وتسليمه إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي. وقد أبلغت من جانبي كلاً من الرئيس الصربي ووزيره الأول في بلغراد مؤخرا أن الولاياتالمتحدة مستعدة لتطوير العلاقات مع صربيا إذا ما ألقوا القبض على الجنرال مالديك. وبالرغم من أنهم أبدوا استعدادهم للتعاون، إلا أنني كنت واضحاً عندما أخبرتهم بأن الولاياتالمتحدة لن تدعمهم للانضمام إلى شراكة الناتو من أجل السلام إلا إذا سلموا الجنرال المذكور إلى محكمة لاهاي. كما لن يرجع الصرب إلى الوضع الطبيعي إلا إذا محوا وصمة سربرنيتشا من على جباههم. \r\n \r\n هذا وستشهد المنطقة في وقت لاحق خلال هذه السنة ذكرى أخرى تتمثل في التوقيع على اتفاقات دايتون في نوفمبر 1995 التي أنهت الحرب في البوسنة. وكل ما نأمله الآن هو أن يخلد البوسنيون تلك الذكرى ببذل المزيد من الجهد لتخطي الخلافات المتبقية وبناء دولة تتمتع بالأمن والسلام. غير أن صرب البوسنة لن ينعموا بحاضر مستقل، ولن يستطيعوا طي صفحة الماضي دون أن يعثروا على مجرم الحرب رادوفان كراديتش الذي ساهم في إذكاء مشاعر الحقد الكراهية وتسليمه إلى محكمة لاهاي. كما يتعين على صرب البوسنة مباشرة الإصلاحات الضرورية في أجهزتهم الأمنية ومؤسساتهم الدفاعية. وبالرغم من أن البوسنة والهرسك أكثر أمناً اليوم مما كانت عليه قبل عشر سنوات، إلا أنها مازالت تحتاج إلى المزيد من التسامح لإنجاح دولتها المتعددة الأعراق. \r\n \r\n ولكي نستفيد من هذه المناسبة يجب ألا تقتصر سنة 2005 على تخليد الماضي وتذكره، بل يجب أن تشكل منطلقاً لإحلال التغيير والتقدم في كوسوفو. فبعد ست سنوات من تدخل الولاياتالمتحدة وحلف الناتو لإنهاء التطهير العرقي الذي ارتكبه سلوبودان ميلوسوفيتش في حق الألبان لم يعد الوضع الحالي مقبولا. لقد حان الوقت لسكان كوسوفو لكي يخرجوا من الوصاية الدولية ويقرروا مصيرهم بأنفسهم. وبالطبع سوف يجدون الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي على أهبة الاستعداد لمد يد العون لهم ومساعدتهم في إقامة حكومة مسؤولة تضمن العيش المشترك لجميع الأقليات ضمن مجتمع متعدد الأعراق. وإذا كانت الولاياتالمتحدة قد تدخلت في 1999 لمنع التطهير العرقي ضد الألبان في كوسوفو، فإنه يجب على هؤلاء أن يبدوا تسامحا أكبر مع الصرب ويساهموا في تعزيز الاستقرار في المنطقة. \r\n \r\n ولعل هذا الاستقرار ما يحاول أن يثبته الرئيس الأميركي جورج بوش وكوندوليزا رايس من خلال عملهما المتواصل مع الحلفاء الأوروبيين لإزالة كافة المعوقات المتبقية وتجاوز كافة العثرات على طريق المصالحة النهائية بين شعوب المنطقة. وتهدف هذه الجهود في المحصلة النهائية إلى تحقيق السلام والديمقراطية في أوروبا ومنع تكرار مجزرة سربرنيتشا التي تعيد بدورها إلى الأذهان أهوال الحروب العالمية التي يفترض أنها أصبحت جزءا من التاريخ البعيد. \r\n \r\n \r\n نيكولاس بورنز \r\n \r\n وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلس تايمز وواشنطن بوست\"