يمثل فوز نجاد تصويتاً احتجاجياً واضحاً، ولكنه ليس ذلك النوع من الاحتجاجات التصويتية التي يتوقعها الخبراء الغربيون، الذين أخفقوا جميعاً في توقع النصر الكبير الذي حققه الرئيس المنتخب. ففي البداية، توقع كثير من الخبراء انتصاراً هيناً لرفسنجاني، وذلك لأن رفسنجاني قدم نفسه للناخبين ك\"محافظ مطلع\"، يستطيع أن يحقق نجاحاً فيما فشل فيه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، عبر برنامج مكثف للإصلاحات الداخلية. ومع اقتراب موعد الجولة الانتخابية الأولى، بدأ كثير من الخبراء يتكهنون بأن مصطفى معين، وزير الثقافة والتعليم العالي السابق، المقرب من خاتمي، والذي بدا قوياً، ربما يكون المرشح الأقوى الذي يستطيع منافسة رفسنجاني، فيما كان يرجح أن يكون جولة انتخابية واحدة. وقد ساد اعتقاد بأن الأصوليين الثلاثة؛ علي لاريجاني، ومحمد قاليباف، ونجادي سيتقاسمون أصوات المحافظين، مما يتسبب في إضعافهم وسقوطهم جميعاً. \r\n \r\n ولكن أياً كان الأمر، برز أحمدي نجاد قوياً في الجولة الأولى، وحقق نجاحاً كبيراً بتقديم نفسه للناخبين كمرشح مناهض ل \" المؤسسة\"، غير آبه بزخرف السلطة، منشغل بهموم الفقراء، وملتزم بالعمل على استعادة \"نقاء الثورة\" التي أسسها الزعيم الراحل الخميني. \r\n \r\n وبالإضافة إلى ذلك، فقد جاءت هذه الانتخابات ك \"صوت احتجاج\" أطلقه الفقراء، البعيدون عن مراكز القوة والنفوذ، ضد الأثرياء المستفيدين من تلك المراكز، الذين ازدهروا في ظل اقتصاد إيراني قائم على العلاقات الشخصية والاحتكارات التي أوجدتها منظمات شبة حكومية، في ظل قوانين غامضة مبهمة صيغت لحماية مصالح طبقة التجار. \r\n \r\n ربما تشير تقلبات الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2005 إلى أن السياسة الإيرانية أكثر حيوية وأقل جموداً مما كان يظنه بعض الخبراء ومسؤولي \"الإدارة\" في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن جهة أخرى، كانت الانتقادات التي وجهتها إدارة الرئيس بوش بخصوص التأثير القوي لمجلس صيانة الدستور في اختيار المرشحين واستبعاد النساء المرشحات، في محلها. \r\n \r\n وبصرف النظر عن أسباب الفوز غير المتوقع لأحمدي نجاد، تركزت أنظار الولاياتالمتحدة وحلفائها في الخليج على انعكاسات رئاسته على سياسات إيران الخارجية. ومع أنه يبدو جلياً أن الناخبين الإيرانيين لم يصوتوا لصالحه بسبب مواقفه في السياسة الخارجية، فإن فوزه الآن يؤكد هيمنة الأصولية على المؤسسات الرئيسة جميعها؛ وهي القيادة العليا، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، والآن رئاسة الجمهورية والوزارات. وهكذا يغلق الطريق نهائياً أمام الإصلاحيين. وبالإضافة إلى ذلك، أحاط نجاد نفسه بشخصيات مماثلة له، ممن عملوا في صفوف الحرس الثوري ومليشيات \"الباسيج\"، وهؤلاء يشاطرونه الرأي في عدم الوثوق بالولاياتالمتحدة وأوروبا. ومن جهة ثانية، يرى نجاد وأعوانه أن حكومات دول الخليج العربية منحازة بقوة إلى جانب الولاياتالمتحدة، وذلك خلافاً لنظرة محمد خاتمي، الذي كان يرى في تلك الحكومات حلفاء محتملين يمكن انتزاعهم من فلك الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n أياً كان الأمر، فلا أحد الآن يتكهن بعودة أحمدي نجاد إلى ممارسة السياسات الإقليمية الإيرانية التي كانت تحاول زعزعة استقرار دول الخليج في فترة ما قبل خاتمي. ولكن يمكن القول إن الرئيس الجديد عرضة للإذعان لمثل ذلك المسار السياسي، وأنه محاط بمستشارين يعتقدون بحكمة هذه السياسات. وإذا أراد نجاد أن يتخذ موقفاً أكثر تشدداً إزاء دول الخليج، فمن المحتمل ألا يواجه سوى معارضة ضئيلة من المرشد الأعلى ومن منافسه في الانتخابات هاشمي رفسنجاني، الذي لم يحل تعرضه للهزيمة في الانتخابات الرئاسية دون أن يظل رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام القوي، والذي ربما يحاول منع نجاد من اتخاذ أي إجراءات متشددة إزاء دول الخليج. \r\n \r\n هذه الدوافع نفسها هي التي يمكن أن تحث إيران على مضاعفة جهودها لإفشال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتثبيط أي محاولة لنزع السلاح من \"حزب الله\" اللبناني الذي يمثل الذراع الخارجية الوحيدة للثورة الإيرانية الإسلامية. \r\n \r\n ومن جهة أخرى، فإن نجاد والمحيطين به يلتزمون المبادئ الأصيلة للثورة التي أرسى دعائمها الإمام الراحل الخميني نفسه؛ ومنها أن \"تصدير الثورة\" رسالة للحكومة الثورية الإسلامية، وأنه من الضروري العمل على إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية والإسلامية. وبمقتضى هذا المنطق، يرجح بدرجة كبيرة أن إيران في عهد نجاد ستحاول مساعدة حركة \"حماس\" في السيطرة على قطاع غزة عقب الانسحاب الإسرائيلي في أغسطس/آب 2005. وكذلك يحتمل أن يقوم نجاد بتسخير الموارد الإيرانية للعمل على تقوية الأحزاب الإسلامية الشيعية الموالية لإيران التي تسيطر الآن على الحكومة العراقية الجديدة. ومن هذه الأحزاب \"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق\"، و\"حزب الدعوة\". ويحتفظ \"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق\" بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري ومليشياته، التي لعبت أدواراً أساسية في تشكيل \"فيلق بدر\"، الذراع العسكرية ل \"المجلس\". \r\n \r\n ربما يكون من الصعب التكهن بالتغيرات المحتملة في استراتيجية المساومات التي ستنتهجها طهران في مفاوضات الملف النووي مع مجموعة الثلاث (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا). لكن نجاد كان انتقد، خلال حملته الانتخابية للجولة الثانية، مفاوضي وزارة الخارجية الإيرانية، حين اعتبر أنهم \"على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة في سبيل التوصل إلى اتفاق مع مجموعة الثلاث الأوروبية\"، مما حدا بوزارة الخارجية نفسها إلى الرد على تلك الانتقادات. \r\n وفي الوقت نفسه، أوضح نجاد للشعب الإيراني أن إيران تريد الاحتفاظ بقدرتها على تخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية البحتة. وهو الأمر الذي يتناقض مع الصورة التي كان سيبدو عليها الأمر في حال فوز رفسنجاني، الذي كانت التكهنات تفيد بقدرته على التوصل إلى \"صفقة كبرى\" مع مجموعة الثلاث والولاياتالمتحدة، وقد تكون تلك الصفقة تعليق برنامج إيران النووي مقابل توسع كبير في التجارة وإتاحة التواصل مع الأسرة الدولية. بيد أن هذه المكاسب لم تغر نجاد، وذلك لاعتقاده أن الانفراج في العلاقات مع الغرب لن يكون بالضرورة ذا عائد لقاعدته الانتخابية المشكلة من الفقراء والطبقة المتوسطة الدنيا. \r\n \r\n كيفما كان الأمر، فالرهان كبير في مسألة المفاوضات النووية، ولكنه ليس بأقل من الرهان على صورة إيران ومكانتها في الأسرة الدولية. فالمرشد الأعلى، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، والمجلس الأعلى للأمن القومي استطاعوا إلى حد كبير التوصل إلى ما سيكون عليه موقف إيران في المفاوضات، وما تستطيع، وما لا تستطيع قبوله. وليس من المحتمل أن يتمكن نجاد وحده من فرض آرائه الشخصية حول الكيفية التي تخوض بها إيران المفاوضات. \r\n \r\n وبما أن إيران تصر على الاحتفاظ بحقها في تخصيب اليورانيوم، وبما أن إدارة بوش تعارض بعناد أي اتفاق يسمح بالتخصيب، فإن الاحتمالات بعيدة المدى لاستمرار المفاوضات تظل ضعيفة. فالمحادث التي تستمر بلا حدود ربما تقوي الإيرانيين، من أمثال نجاد، الذين يعتقدون أن على إيران مواصلة برنامجها النووي بالطريقة التي تراها مناسبة، وذلك، في اعتقادي، يعني مباشرة مواصلة برنامجها للوصول إلى امتلاك سلاح نووي. وعندها سيجد نجاد نفسه مضطراً لمواجهة حسابات تتعلق بمدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بإيران لإرغامها على العودة لطاولة المفاوضات أو تعليق برنامجها النووي. ومن المحتمل أن تكون هذه الاحتمالات موضوعاً للنقاش بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين. \r\n \r\n