على رغم كل ما أحاط بهذا المسعى من تعقيد، في بلد ظل يرزح تحت نير الديكتاتورية والاستبداد لبضعة قرون. هذا على صعيد السياسة الداخلية. أما في سياسته الخارجية، فقد واصل خاتمي دعوته إلى \"حوار الحضارات\" وهي الرسالة التي لم تتلقها الولاياتالمتحدة الأميركية إلا بأذن صماء، غير راغبة ولا متحمسة لسماعها. ومع أنه لم يمض خطوات تذكر للأمام في تحقيق أي من سياستيه الداخلية والخارجية، إلا أن تراث خاتمي سيبقى على نبل طموحه، وسيحفظ له شرف المحاولة والمبادرة على أقل تقدير. في تصريح له قال خاتمي إنه وعندما يغادر منصبه الرسمي رئيساً لبلاده، فإنه سيعمل على خدمة دعوته الخاصة ب\"حوار الحضارات\" عبر منظمة غير حكومية، لم يسمها بعد. كما تحدث محمد خاتمي عن مشروع يشارك من خلاله في تدريب الكوادر الشابة من النخبة الإيرانية، بحسبان أن ذلك هو الطريق الوحيد، المفضي إلى تطبيق أفكاره الإصلاحية على حد شعوره. غني عن القول إن كلا هذين المشروعين، يعبر عن طموحات وأهداف بعيدة المدى، طالما أن المؤكد أن الرئيس الإيراني القادم سيكون من بين المحافظين. وتبقى الأيام وحدها هي الحكم الفصل فيما إذا كان الرئيس المقبل سيكون متشدداً أم معتدلاً متفتح الذهن. \r\n \r\n في الأسبوع الماضي، أنهى الرئيس محمد خاتمي جولته الأوروبية، التي يعتقد الكثيرون أنها ستكون الجولة الختامية الأخيرة له في منصبه الحالي. وكان خاتمي قد زار كلاً من النمسا وفرنسا، ثم الفاتيكان لحضور مراسم تشييع البابا يوحنا بولس الثاني. وفي أثناء التزاحم والتدافع الكثيف الذي أحاط بمراسم تشييع البابا، وربما أيضاً بعامل المصادفة البحتة، صافح خاتمي، الرئيس الإسرائيلي موشي كاتساف –الإيراني المولد- وتبادل معه بضع كلمات باللغة الفارسية. ولكن أنكر خاتمي أن يكون أمراً كهذا قد حدث بالفعل. أما في إيران نفسها، فقد بدأت سلفاً الحملة الانتخابية السياسية الخاصة بمن سيخلفه في المنصب. ففي يمين السياسة الإيرانية هناك عشرة مرشحين يتنافسون على المنصب الرئاسي، أبرزهم علي أكبر ولاياتي وزير الخارجية السابق، ثم محمد أحمدي نيجاد، عمدة مدينة طهران. أما اليميني الثالث فهو محسن رضائي، قائد قوات الحرس الثوري السابق. أما في اليسار، فإن أبرز المرشحين هما مصطفى معين، وزير التعليم العالي السابق، ومهدي خروبي الناطق الرسمي باسم البرلمان الإيراني. إلى ذلك فإن هناك عاملاَ رئيسياَ لم يكشف عنه بعد، يتمثل فيما إذا كان علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني السابق الذي تولى هذا المنصب لدورتين سابقتين، امتدتا بين الأعوام 1989-1997 سيرشح نفسه من جديد للمنصب ذاته أم لا؟ ولا يزال عليه الكشف عن نواياه الانتخابية. فبحكم رئاسته ل\"مجلس تشخيص مصلحة النظام\" وتوليه منصب نائب رئيس \"جمعية الخبراء\"، لابد أن يكون رفسنجاني، الرجل الثاني مباشرة بعد القائد الأعلى آية الله علي الخامنئي. \r\n \r\n هذا ويختص \"مجلس تشخيص مصلحة النظام\" بالتحكيم في المنازعات التي تنشأ بين مجلس الشورى أو البرلمان، و\"مجلس الحرس الثوري\". وفي حين يستطيع الأخير قطع الطريق أمام التشريع، فإنه يخول ل\"جمعية الخبراء\" اختيار القائد الأعلى. والمعلوم عن هاشمي رفسنجاني، ثراؤه وقوة نفوذه. فضلاً عن ذلك فهو محافظ معتدل. وفيما لو قرر المشاركة في الانتخابات المقبلة، فإن الفوز سيكون من نصيبه حتماً. وفي الحقيقة فإن من شأن انتخابه أن يعزز مواقع القوى الدينية الحاكمة في إيران، لفترة طويلة قادمة. وفي هذا ما يحذر كافة القوى الأخرى التي تحلم بحدوث تغيير جذري راديكالي في السياسات الإيرانية، باتجاه إيران إلى نظام الحكم الديمقراطي العلماني. ومما يشيع تداوله من شائعات في إيران، أنه وخلال مدة رئاسته للبلاد، سعى رفسنجاني إلى عقد صفقة مشتركة مع الولاياتالمتحدة الأميركية، يتبادل فيها الطرفان الاعتراف بكليهما. غير أن آية الله الخامنئي -القائد الأعلى للثورة الإسلامية- مارس حق النقض \"الفيتو\" على تلك الصفقة فأجهضها قبل اكتمالها، على حد ما تروج الشائعات. \r\n \r\n وعلى صعيد آخر، تخيم مسألة السلاح النووي، على انتخابات هذا الصيف في إيران، وتلقي بظلالها الكثيفة عليها. والمعلوم أن طهران لا تزال تتمسك بعزمها على تطوير قدراتها في مجال استخدام اليورانيوم لأغراض الطاقة السلمية، تمشياً مع ما هو مصرح لها في نصوص معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية. غير أن واشنطن وتل أبيب تشتركان في اعتقادهما بأن لطهران برنامجاً نووياً سرياً موازياً لبرامجها السلمية المعلنة، تعمل من خلاله على تطوير أسلحتها النووية. يشار إلى أن الدول الأوروبية، تشاطر واشنطن وتل أبيب الاعتقاد نفسه. \r\n \r\n ولكن الدكتور محمد البرادعي – مديرالوكالة الدولية للطاقة الذرية- أكد من جانبه أنه لم تتوفر أية أدلة حتى الآن، على سعي إيران لتطوير أسلحة أو برامج نووية، مع العلم بأن فريقاًَ من المفتشين الدوليين التابعين للوكالة، قد زار المنشآت النووية الإيرانية، ووقف على الحقائق الميدانية هناك. أما استجابة واشنطن لهذه المعلومات المطمئنة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فكانت بالسعي للإطاحة بالدكتور البرادعي من رئاسة الوكالة. ذلك أن ما تريده أميركا هو إرغام إيران على التفكيك الكامل لبرامجها وأنشطتها ذات الصلة بإنتاج المواد الإنشطارية. ولا يزال الجدل يحتدم ويتصاعد حول البرامج النووية الإيرانية المزعومة. فهناك الكثير من المفكرين الاستراتيجيين، ممن يعتقد أن لإيران أكثر من دافع ودافع، يحملها على التفكير جدياً في تطوير الأسلحة النووية. من بين تلك الدوافع مثلاًَ أنها محاطة بعدة دول نووية مثل باكستان وإسرائيل والهند. كما ترزح إيران تحت تهديد أميركي دائم، يعلن خلاله صقور المحافظين الجدد في واشنطن عن رغبتهم صراحة، في أن تخطو واشنطن خطوة جادة نحو \"تغيير النظام\" في طهران. \r\n \r\n بل هناك من المراقبين من مضى خطوة أبعد من ذلك، بالزعم أن إيران قد بلغت سلفاً \"نقطة اللاعودة\" فيما يتصل ببرامجها النووية، وأن أميركا تواصل تخطيطها لتوجيه ضربة استباقية لها، تستهدف تدمير كافة منشآتها وبرامجها النووية، سواء تم ذلك بالتنسيق مع حليفتها إسرائيل أم على نحو منفرد. إلى ذلك يعتقد الخبير سكوت ريتر الذي سبق له أن تولى قيادة فريق مفتشي الأممالمتحدة في العراق، طوال السنوات الممتدة بين 1991-1998 أن ضربة كهذه ستتم في وقت مبكر وقريب، لا يستبعد لها أن تصادف مطلع شهر يونيو المقبل. وفي الاتجاه ذاته، أكد جون بولتون وهو أحد صقور واشنطن، وسفير أميركا الحالي لدى الأممالمتحدة، أنه ليس ثمة أدنى شك في أن لإيران برامج أسلحة نووية سرية. أما شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي، فقال من ناحيته إنه ليس في وسع بلاده – بأي حال من الأحوال- احتمال حصول إيران على أسلحة نووية. وفيما يبدو من نذر الإرهاصات هذه، فإن الشرق الأوسط على موعد مع موسم صيف قائظ وحار هذا العام.