\r\n كان الخطاب لافتاً للأنظار كذلك بسبب المكان الذي ألقى فيه وسط بيروت ولغياب الستارة الخلفية المميزة لحزب الله، وهي عبارة عن راية خضراء وصفراء، عليها قبضة ترفع بندقية الكلاشينكوف. واختتم تلفزيون المنار، وهو القناة الفضائية التابعة للحزب، تغطيته الاحتفالية إلى حد ما بصورة عن قرب للشيخ نصرالله واقفاً على شرفة مبنى حجري أبيض وأمام علم لبناني. وعلّق المذيع قائلاً: «اليوم أصبح السيّد نصرالله زعيماً وطنياً». \r\n \r\n \r\n باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير الماضي، فقد لبنان رجلاً نادراً نجح في الوصول إلى قلوب الناس إلى حد ما عبر مزيج من الطوائف المتصارعة في الغالب والتي تتنافس على الغنائم في هذا البلد الجبلي الصغير. والسؤال هو ما إذا كان أحد يستطيع أن يملأ الفراغ الذي تركه باعتباره وسيطاً وطنياً. وكانت المظاهرة الحاشدة التي نظمت أخيراً بمثابة المزايدة المفتوحة للشيخ نصرالله لشغل هذه الوظيفة. \r\n \r\n \r\n تقول أمل سعد غريب، وهي أستاذة في الجامعة الأميركية اللبنانية ومؤلفة كتاب حول السياسة والدين عند حزب الله: «هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها نصرالله دور رجل الدولة، فنحن لم نره أبداً، كزعيم لبناني. وقد يبرز حزب الله باعتباره وسيط السلطة الجديد في لبنان خارج سوريا». \r\n \r\n \r\n يعتبر مسعى الشيخ نصرالله مقامرة كبيرة. فقد ظل إلى حد ما، فوق الخصومات المتشاحنة بلا نهاية في السياسة اللبنانية. واكتسب مكانة وطنية بتوجيهه قوة النار الهائلة لحزب الله والألوف من رجاله المسلحين ضد الجيش الاسرائيلي، ونال الاعجاب عبرالعالم الغربي لإنهائه 22 عاماً من الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان في عام 2000. \r\n \r\n \r\n غير أنه حالما ينغمس بشكل كامل في الساحة السياسية، فانه سيصبح أقل من مستوى شخصية عربية قومية واسلامية، وقد يعتبر مجرد زعيم حي لبناني آخر، وإن كان يمثل الكتلة الشيعية الأكبر. ومن المشكوك فيه أيضاً هو كيف سيبدو عليه دعمه لسوريا خطابه الأخير حفل باشارات متقدّة إلى عائلة الأسد في سوريا، واختتم بعبارة «عاشت سوريا» في بلد سئم الكثيرون فيه مما يعتبرونه جارهم الاستغلالي. \r\n \r\n \r\n لكن اكتساب «صبغة لبنانية اكثر» قد يبرهن الوقت على ضرورته فمع المغادرة المتوقعة للسوريين، سيكون من الأصعب على الحزب ان يواصل تأكيده على ابقاء لبنان ساحة حرب لصالح القضية الفلسطينية. وفقط من خلال استعراض عضلات المجتمع الشيعي يستطيع الشيخ نصر الله ان يضمن احتفاظ حزب اللّه بصوت في نظام سياسي تبقى الأهمية المطلقة فيه للهوية الدينية. \r\n \r\n \r\n في ظل التقسيمات اللبنانية المتصلبة، فان ارفع منصب سياسي يمكن للشيعة ان يطمحوا اليه هو رئيس مجلس النواب. \r\n \r\n \r\n وفي أقل تقدير، فإن نطاق المظاهرة الأخيرة من المؤكد تقريباً أن يؤدي إلى وقف المحاولة التي تقودها أميركا لنزع سلاح حزب الله، الذي صنفته واشنطن كمنظمة «ارهابية». \r\n \r\n \r\n هاني حمود، أحد أقرب المستشارين للحريري، لخص تحرك الشيخ نصر الله بتنظيمه المظاهرة الاستثنائية بهذه الطريقة: «قبل ان ينظم المظاهرة، وعندما قال الاميركيون والفرنسيون والامم المتحدة انزعوا سلاح حزب الله، كان لديك 50 في المئة على الاقل من اللبنانيين قالو لا، هذه ليست ميليشيا، هذه ليست حركة ارهابية، وهذا ليس الزرقاوي، وليس بن لادن، هذه حركة مقاومة وطنية، الحركة الوحيدة على الاطلاق التي حررت أي أرض عربية». \r\n \r\n \r\n المرحلة التالية قد تكون مختلفة بشكل واضح. \r\n \r\n \r\n وخلص حمود الى القول: «لكن اذا حول نفسه الى لاعب سياسي محلي وواصل تكرار عبارة «نريد سوريا»، فإنك سرعان ما ستجد ليس فقط 50 في المئة من اللبنانيين، وانما حتى 50 في المئة من الشيعة قد بدأوا يتساءلون: لماذا لاتزال تلك الميليشيا تحتفظ بأسلحتها؟ هذه هي المخاطرة». \r\n \r\n \r\n من نواح معينة، فإن الصراع حول لبنان ما بعد الحريري أحيا المعركة الطويلة حول رؤية اللبنانيين لأنفسهم، الحريري كان سنياً آمن بالقضايا العربية، ولكنه ايضاً كان يخاطب الكثير من اللبنانيين، وبخاصة المسيحيين. كان الحريري مليارديراً عصامياً، يرتدي الملابس الانيقة، ويدخن السيجار الثمين، ويتكلم ثلاث لغات بطلاقة، ويتناول الغداء مع اصدقاء مثل الرئيس الفرنسي جاك شيراك. \r\n \r\n \r\n كان يعيد بناء وسط بيروت ليصبح المقصد المالي والسياحي الذي كان عليه قبل الحرب الأهلية. \r\n \r\n \r\n لقد رفع الدين اللبناني الى حوالي 35 مليار دولار. ولكن اللبنانيين يعيشون بحكم العادة على ما يتجاوز دخلهم. \r\n \r\n \r\n الكثير من اللبنانيين لاحظوا أن الشيخ نصر الله، بعمامته السوداء، تحدث من شرفة تقع مباشرة فوق محل «بوذابار» الفخم ومن على بعد بضع بنايات عن شارع البنوك، الذي تصطف على جانبيه أبرز المؤسسات المالية في البلاد، والتي تحتفظ مجتمعة بما يقدر بين 65 ملياراً و 85 مليار دولار. \r\n \r\n \r\n انه ليس المكان الذي يزار باستمرار من قبل غالبية الشيعة الذين ينتمون الى الطبقة العاملة في الضواحي الجنوبية المهملة للعاصمة اللبنانية، والذين يشكلون العمود الفقري لحزب الله. وفي الواقع ان بروز الحزب خلال الحرب الأهلية هو الذي أعطى تلك الفئة المسحوقة صوتها المسموع لأول مرة. \r\n \r\n \r\n لقد أكدت المظاهرة على أن المضطهدين لن يتخلوا عن الساحة للتحالف الذي يغلب عليه الطابع العلماني والغربي الذين ينظمون مظاهرات أسبوعياً منذ مقتل الحريري. ولقد كانت قوة الاستعراض الشيعي مفاجئة للكثير من اللبنانيين. يقول غسان تويني، عميد المحللين السياسيين اللبنانيين: «هناك جيل كامل يضع نوعاً من الستارة أمام عينيه، ولا يدرك أن هذا البلد ليس له وحده». \r\n \r\n \r\n إن التركيبة السكانية في لبنان تعني عدم وجود طائفة كبيرة بما فيه الكفاية كي تهيمن على غيرها. والشيخ نصر الله نفسه يقول انه لم يحاول قط ان يوجه مناشدته نحو الشيعة فقط. وقال الشيخ نصر الله في مقابلة سابقة مع «نيويورك تايمز» في نوفمبر 2002: «نحن لا نفكر بطريقة طائفية. صحيح أنني شيعي، ولكن عندما أفكر بفلسطين أو العراق أو أي بلد آخر، فإنني لا أحصر تفكيري ضمن حدود أبناء طائفتي». \r\n \r\n \r\n جانب من الجاذبية التي يتمتع بها الشيخ حسن نصر الله متجذر في قصة حياته. فقد ولد في بيروت، وكان والده صاحب محل بقالة، والتحق بالمدارس الحكومية إلى أن غادر في الخامسة عشرة من عمره إلى النجف في العراق، حيث تعلم في إحدى الحسينيات هناك. \r\n \r\n \r\n هرب من هناك في عام 1978 عندما قامت حكومة صدام حسين بجمع رجال الدين اللبنانيين، وخلال العقد التالي، كانت دراساته تقاطع بشكل متكرر بفعل تقلبات الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت من 1975 إلى 1990. وفي 1989، قام بمهمة قصيرة في قم، المدينة الإيرانية الأكثر أهمية عند الشيعة. \r\n \r\n \r\n وعندما أقدمت اسرائيل على اغتيال الشيخ عباس موسوي، معلمه الروحي وزعيم حزب الله في 1992، تولى قيادة التنظيم، وهو في الثانية والثلاثين من عمره. ومن بين العشرات من مقاتلي حزب الله الذين قضوا في مقارعة الجيش الاسرائيلي ابنه «هادي»، أكبر أبنائه الخمسة، الذي قتل في سبتمبر 1997. \r\n \r\n \r\n إن وجود زعيم عانى أبناؤه من أجل قضيته هو أمر نادر عملياً في العالم العربي. وهذا الأمر إلى جانب نمط حياته المتواضع يعطي الشيخ نصرالله وسياسيي حزب الله الآخرين سمعة طيبة، لكونهم بعيدين عن الفساد، وهذا امر نادر في الساحة السياسية اللبنانية. \r\n \r\n \r\n ولحزب الله 13 عضواً في البرلمان، ويمكنه ان يضاعف هذا الرقم، عندما لا يعود السوريون في الجوار لحمله على اقامة تحالف انتخابي مع حركة امل المنافسة. ويذهب البعض الى القول انه يتعين على حزب الله ان يوفق بين موقفه الذي يحمله منذ امد بعيد كممثل للغرباء المضطهدين وتطلعه لمكانة اكبر قبل ان يحاول قيادة الأمة. \r\n \r\n \r\n ويقول وضاح شرارة، استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، ان القضايا تبدأ بمسائل رمزية صغيرة، مثل حقيقة ان معظم السكان في الاحياء التابعة لحزب الله يرفضون دفع فواتير الكهرباء المترتبة عليهم، ولكن لا يتم قطع الكهرباء عنهم ابداً. \r\n \r\n \r\n ويذهب شرارة الى القول ان قدرة لبنان، على نطاق اوسع، ستشل ما دام بقي حزب الله مصدرا محتملا لعدم الاستقرار. \r\n \r\n \r\n ويضيف: «الحريري دفع ثمن جميع النوافذ التي حطمتها سوريا وايران عبر حزب الله، ولكنه حتى هو ادرك ان ذلك لا يمكن ان يستمر. فالشيخ نصرالله يحمل برنامجاً سياسيا لمجتمع لا لدولة. وفي نهاية المطاف، سيؤدي ذلك الى عصر لبنان اقتصادياً وسياسياً. \r\n \r\n