وإذا كان الرئيس الأب لجأ الى هجوم ثلاثيني فحصار شامل لا يقل وحشية فإن الابن غزا العراق واحتله واطلق العنان لكل الفيروسات السياسية والاجتماعية والمذهبية والعرقية كي تبلغ ذرى نشاطها من أجل نخر هذا الكيان العريق وتحويله الى ركام‚ \r\n \r\n وقد تضافرت الجهود الأميركية البريطانية الصهيونية مع الجهود الايرانية لطحن الذات الوطنية العراقية بين حجري رحى الصراع الطائفي العرقي لتفتيت الذات الوطنية الى «ذويتات» مجهرية طائفية وعرقية وعشائرية وحزبية‚ فالمطل على المشهد العراقي الآن لا يفوته ان يلاحظ كيف يمزق «العراقيون» الوطن العراقي بمخالب ونيوب نبتت لهم في ظل الاحتلال بعد ان كانوا حريصين على تقليمها ذاتيا في ظل نظام الرئيس صدام حسين‚ أعني المخالب الطائفية والعرقية والعشائرية‚ والمؤكد ان الاحتلال يهدف أصلا إلى الوصول الى كيان عراقي متداع لتعزيز أمن الكيان الصهيوني الذي هز نظام صدام حسين أركانه أكثر من مرة‚ \r\n \r\n أدوار الجلبي \r\n \r\n لقد تم استنفاد العنصر الكردي بوصول الطالباني الى «رئاسة الجمهورية العراقية» وهو الذي لا يؤمن أصلا بوحدة العراق ويدعو الى استقلال شماله الكردي‚ وقد أشارت الأحداث الأخيرة الى ان الأكراد البرزانيين «نفوا» الطالباني الى بغداد ليستفردوا بالتحكم في مصير كردستان‚ \r\n \r\n كما تم استنفاد «المعارضة» التي تم صنعها في واشنطن بزعامة احمد الجلبي‚ لكن الأخير سرعان ما انقلب على صانعيه ليتنصل من «ليبراليته» وينكفىء الى مرجعيته المذهبية موهما من معه في «المؤتمر الوطني» الذي كان منذ تأسيسه «تآمرا على الوطن» بان انضواءه خطوة تكتيكية في مواجهة خصمه إياد علاوي «وكلاهما حملتهما الدبابة الأميركية الى العراق»‚ إلا ان مجريات الأحداث بعد «الانتخابات» المزعومة تحت الاحتلال دفعت «رفاق» الجلبي في المؤتمر التآمري الى الابتعاد عن الموقع الشيعي الذي جرهم اليه «وهم ينتمون الى طوائف أخرى» فرفعوا بعد ان ضمنوا مقعدا برلمانيا‚ شعاراتهم «الليبرالية» مجددا كما هو حال «مضر شوكت» بحيث صار المرء يتساءل عن الدور الذي يلعبه الجلبي في كل مرحلة من مراحل احتلال العراق وتفكيكه‚ \r\n \r\n فبتعيين الجلبي نائبا لرئيس الوزراء في حكومة الجعفري ووزيرا مؤقتا للنفط‚ وهو اللص الشهير لدرجة تعليق صحيفة أميركية بأن تعيينه وزيرا للنفط كمن يوكل حراسة قن الدجاج الى ثعلب‚ تبرز أكثر خطورة صَلْب العراق مرارا على أكثر من قاسم مشترك أميركي إيراني‚ \r\n \r\n لقد صار جليا ان الجلبي هو عين وذراع اميركية في صلب القوة الشيعية التي تدعمها ايران «في البيت الشيعي‚ وفي البرلمان‚ وفي الحكومة» وليس غريبا انه يدفع الآن «رفاقه» للعب الدور نفسه في الوسط السني من خلال الاستقالة اولا من الائتلاف الشيعي وادعاء خلاف مع الجلبي ومن ثم التسلل الى صلب القوة السنية كما هو حال «مضر شوكت»‚ \r\n \r\n تنافس الجلبي علاوي \r\n \r\n والواضح ان الاحتلال الأميركي يستخدم الجلبي وعلاوي وخلافهما‚ الذي هو تنافس في خدمة الولاياتالمتحدة من أجل الحاق أكبر أذى ممكن بالكيان العراقي‚ فالجلبي صاحب «نظرية» اجتثاث البعث على أيدي قوى شيعية مدعومة من ايران ومأخوذة حتى النخاع بنزعة الانتقام للإمام الخميني الذي تجرع سم الهزيمة سنة 1989 بعد حرب ثماني سنوات خاضها ضد نظام الرئيس صدام حسين‚ يقابله علاوي الذي يوظف ماضيه البعثي لاستقطاب ما أمكن من البعثيين السابقين والتسلل من خلالهم ان امكن الى أسرار المقاومة وربما مقاتلها‚ كلاهما يبحث عن مستقبل سياسي اعتمادا على جمهور مستعار‚ فالذين صوتوا للجلبي هم جماهير «المجلس الأعلى» و«الدعوة» والمرجعية الشيعية‚ كما ان الذين صوتوا لعلاوي هم المتخوفون من المد الشيعي الكردي الانتقامي وذوو النزعات العلمانية والليبرالية الذين يرون فيه أخف الشرور وهكذا يكون العراق ووحدة شعبه وأراضيه وهويته العربية الإسلامية الضحية الأولى لتنافس القادمين على دبابات الاحتلال! \r\n \r\n في هذا الواقع الأكثر رداءة مما كان عليه الواقع العراقي في نهايات الدولة العباسية يلعب الاحتلال بأوراقه الأخيرة المتمثلة في دفع العراقيين الى حرب طائفية‚ الهدف الذي بات معلنا منها هو اجتياح ما يسمى المناطق السنية لتصفية المقاومة واجتثاث البعث‚ كشعار مشترك أميركي شيعي‚ ذلك ان الخطاب الشيعي العراقي الآن والذي يطلقه «حزب الدعوة» الحاكم هو ان المقاومة العراقية ليس هدفها طرد الاحتلال واستقلال العراق واستعادة سيادته بل هدفها «إعادة الرئيس صدام حسين ونظامه الى الحكم»‚ \r\n \r\n وقد رد الكبيسي من «هيئة علماء المسلمين» على هذا الخطاب الديماغوجي المبتذل بالقول: حسنا فلتعطوا انتم المثل وتقودوا مقاومة صحيحة ضد الاحتلال! اي لا يكون هدفها اعادة نظام صدام حسين الى الحكم‚ بل طرد الاحتلال واعادة استقلال العراق! \r\n \r\n وفي هذا الاتجاه الخطير تشيع حكومة الجعفري ان المرجعية الشيعية علي السيستاني «لم يعد قادرا على الاستمرار مدة أطول في تهدئة الخواطر ومنع اندلاع شرارة حرب طائفية»‚ وتشيع وزارة الخارجية التي يرأسها الكردي زيباري انه باتت لدى الحكومة العراقية الحالية بأطيافها الطائفية والعرقية «اقتناعات راسخة بانه لا الانتخابات البرلمانية ولا الانتخابات الرئاسية ولا تشكيل الحكومة سوف تكون قادرة على وضع الأسس الجديدة لنظام ائتلافي عراقي موحد في ظل تصاعد العمليات «الارهابية»‚ لذلك «يجدر بالنظام الجديد (الذي تسيطر عليه الأغلبية الشيعية والأكراد) ان يقوم بنفسه بمبادرة سريعة وبكل ما يمتلك من امكانات للقضاء على بؤر (الارهاب) السني»‚ وتضاف الى هذه الأكذوبة مزاعم طموحات سورية وأردنية لرؤية العراق مقسما الى دويلات تكون لدمشق وعمان فيه حصتان! \r\n \r\n هكذا يعاد المجتمع العراقي الى مكوناته البدائية بعد غياب نظام الرئيس صدام حسين الذي كان يمثل اللحمة بين هذه المكونات والذي كان من أخطائه التي دفع ثمنها غاليا انه ابقى على هذه المكونات بينما كان يتوجب عليه صهرها وتذويبها في هوية وطنية واحدة عوضا من القفز بها دون تغيير الى شعارات قومية‚ فكل عمل قومي حقيقي يتطلب ثورة اجتماعية تجعل الطائفة والعشيرة من ذكريات الماضي لا من مخلفاته الكامنة لتبرز في المستقبل بوحشية انتقامية‚ \r\n \r\n إدارة الفوضى \r\n \r\n إذن في هذه الفوضى التي يديرها الاحتلال الأميركي بخبث عساه يصل الى اخماد المقاومة الباسلة التي تقض مضاجعه وتجبره تحت ضغط المجتمع الأميركي الذي صار يئن تحت ضغط خسائر احتلال العراق بشريا واقتصاديا‚ على إعلان امكانية بدء انسحابه من العراق منتصف العام القادم 2006‚ يسعى في وقت واحد الى دفع الشيعة والأكراد لاجتياح المناطق السنية‚ ومحاولة استصدار فتاوى دينية سنية وشيعية ضد المقاومة العراقية‚ ليبرز الأميركان في وقت لاحق منقذين للسنة العرب من حرب ابادة شيعية كردية ضدهم‚ \r\n \r\n إزاء ذلك ليس أمام المقاومة غير اليقظة والضرب بقوة مستهدفة القوات الأميركية خاصة لأن الجانب الإعلامي من هذه الحرب يركز على السيارات المفخخة التي صحيح انها تستهدف قوات حكومة تمثل درعا بشريا للاحتلال‚ لكن الذي يقرب المقاومة من هدفها النبيل ويعمق مأزق الإدارة الأميركية هو سقوط المزيد من الجنود والضباط الأميركيين على أرض العراق‚ \r\n