هذه أهداف نبيلة بالتأكيد ولكن ماذا عن مليارات الدولارات التي تتدفق بصورة غير مشروعة بالاتجاه المعاكس من البلدان الفقيرة الى البلدان الغنية؟ \r\n \r\n لقد شاهدنا امثلة مذهلة على هذه الظاهرة مؤخرا‚ فقد تم اقتطاع جزء كبير من مليارات الدولارات من برنامج الاممالمتحدة «النفط مقابل الغذاء» تدفقت الى خارج العراق بمساعدة شركات خارجية وبقول بعض المراسلين بمساعدة حتى بعض مسؤولي الاممالمتحدة‚ فقد كان بنك «ريغز» الوطني في واشنطن يتعامل بمبالغ مالية ضخمة تتدفق من التشيلي وغينيا الاستوائية وتبين الدراسات البحثية من قبل مركز السياسات الدولية ومنظمات اخرى الى ان تدفق «الاموال القذرة» من البلدان الفقيرة يفوق كثيرا حجم تدفق اموال المساعدات الخارجية‚ ولذلك فان منع تدفق الاموال من البلدان الفقيرة سيعطي للغرب وسيلة لمساعدة اقتصادات الدول النامية حتى من دون ان تضطر لزيادة مساعداتها الخارجية‚ \r\n \r\n هناك ثلاثة مصادر لعبور «الاموال القذرة» للحدود: اموال الفساد واموال الجريمة والاموال التجارية‚ فأموال الفساد القذرة تتدفق من مسؤولين حكوميين يسيئون استعمال سلطاتهم ويمدون اياديهم في الخزينة ومن ثم يخبئون اموالهم المسروقة خارج بلدانهم‚ \r\n \r\n هذا الجانب يحظى بأكثر عناوين الاخبار ولكنه لا يمثل الا الجزء الاصغر من مشكلة «الاموال القذرة» ولا يتجاوز ال 5% من مجموعها‚ فأموال الجريمة القذرة تشتمل على عائدات تجارة المخدرات وتهريب البشر عبر الحدود وابتزاز الاموال بأوراق مالية مزورة‚‚ الخ‚ \r\n \r\n اما الاموال القذرة التجارية فهي التي يتم تجاهلها بسهولة‚ فالشركات تحاول اخفاء عائداتها عن مفتشي الضرائب في بلدانها وذلك من خلال توجيه المشترين بتحويل الاموال وايداعها في حسابات بالبنوك الاجنبية‚ وقدرت الدراسات الخاصة حجم الاموال القذرة من هذه الممارسات بنسبة 5% الى 7% او بأكثر من 200 مليار دولار سنويا يتم تحويلها للخارج بصورة غير مشروعة‚ \r\n \r\n حتى لو تمت مضاعفة اموال المساعدات الخارجية كما توحي الاممالمتحدة ولجنة بلير فان حجم تدفق الاموال القذرة ما زال اكبر بكثير‚ فمجموع اموال المساعدات الخارجية السنوية تبلغ حوالي 50 مليار دولار في حين ان حجم الاموال القذرة يصل الى تريليون دولار سنويا ويمر نصفها من البلدان النامية والاقتصادات الانتقالية الى البلدان الغربية فبمجرد ان تغادر هذه الاموال بلدانها نادرا ما تعود اليها‚ \r\n \r\n ماذا يمكن لهذه الاموال ان تفعله لو بقيت في البلدان الفقيرة؟ يمكن ان يتم انفاقها في الاستهلاك وتطلق تأثيرا لمضاعفتها من خلال اطلاقها للعمل في الاقتصادات المحلية‚ كما يمكن ان تدخل في الاستثمارات المحلية وبالتالي تزيد من توليد الوظائف ويمكن ايداعها في البنوك المحلية وتشكل قاعدة لتقديم قروض مماثلة لأية قروض خارجية‚ \r\n \r\n فتخيل مئات المليارات من الدولارات تستقر سنويا في البلدان الفقيرة وتوفر رؤوس الاموال لتحسين الصحة والتعليم والاستثمار والتوظيف وكل الاشياء التي يتحدث عنها تقرير مشروع الالفية للامم المتحدة‚ واغلاق الباب الخلفي للغرب امام الاموال القذرة سوف يقوي البلدان الاكثر فقرا ويحسن من قدراتها لتوفير احتياجاتها بدلا من الاعتماد على صدقات الدول الغنية والقوية‚ \r\n \r\n حتى لو قامت البلدان الغربية بما هو اكثر من مضاعفة مساعداتها الخارجية فانها تستطيع ان تحصل على عائدات افضل على اموالها من خلال كبح جماح سوء الاستعمال المالي من خلال تقديمها للمساعدات بلا طائل فيمكنها ان تضع حدا لوجود بنية متكاملة للسرية المالية التي تحمي الاموال القذرة من المساءلة: فهناك اكثر من 60 ملاذا آمنا من الضرائب ومليون شركة وهمية 8 ترليون دولار مودعة في نظام «الافشور» خارج السلطة القضائية وقوانين مثقوبة لمحاربة غسيل الاموال في اميركا وأوروبا بالاضافة الى تشكيلة واسعة من البنوك والمؤسسات الاستشارية المستعدة لتقديم استراتيجيات شائكة تحمي الارباح من ان تطالها يد مفتشي الضرائب للحكومات المحلية‚ \r\n \r\n تستطيع الولاياتالمتحدة وحلفاؤها ان تبدأ في القضاء على هذه الاساءات بضربة قلم تشريعي والخطوة الاولى تتمثل بتوسيع عدد الجرائم التي تستحق ممارستها توجيه تهمة غسيل الاموال بحقها‚ والشيء الذي لا يصدق انه من المشروع في الولاياتالمتحدة التعامل مع الاموال العائدة من وراء الجريمة المرتكبة في الخارج بما فيها ابتزاز الاوراق المالية المزورة وتزوير الوثائق المالية والاتجار بتهريب البشر عبر الحدود وتجارة الرقيق والدعارة والتهرب من دفع الضرائب‚ \r\n \r\n ان تأثير اموال المساعدات الخارجية يتبخر عندما يظل الباب الخلفي مفتوحا لتدفع الاموال غير المشروعة من البلدان النامية والاقتصادات الانتقالية الى خزائن الغرب الذي يرحب بها‚ فالوضع بجلاء هو اعطاء مساعدات سخية بيد وأخذ الاموال القذرة باليد الاخرى وهذا ما ينسف افضل الجهود التي يمكن ان تبذل لمساعدة الفقراء‚ \r\n