أولها ما حدث من مراجعة جذرية للسياسات تمثل في عدم استخدام حق الفيتو على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بمنح دور إلى محكمة الجنايات الدولية في أحداث دارفور. وهي المرة الأولى منذ أربع سنوات التي تنأى فيها إدارة بوش بنفسها عن معارضة أي قرار يتعلق بمحكمة الجنايات الدولية. ثم جاءت زيارة روبرت زويلك مساعد وزير الخارجية إلى السودان بعد قرار الأممالمتحدة لكي يمارس ضغوطاً على حكومة الخرطوم بشأن أحداث دارفور. وبذلك أصبح زويلك أول مسؤول أميركي يتابع ما طالب به العديد من الشخصيات البارزة بمن فيهم السكرتير العام للمنظمة كوفي عنان بأن حلف الناتو يمكن أن يلعب دوراً مؤثراً في دعم قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي. وتبع ذلك تعيين الرئيس السابق للبنك الدولي جيمس ويلفونسون في منصبه الجديد كمنسق خاص لعملية التنمية في قطاع غزة. وهو اختيار موفق بدون شك على ضوء تجربة ويلفونسون في هذا المجال، وأيضاً بالنسبة للإدارة الأميركية التي طالما عرفت بإخضاع مثل هذه التعيينات لمتطلبات سياسية معينة إذ أن ويلفونسون هو أحد الليبراليين وقد عينه بيل كلينتون في منصب رئيس البنك الدولي. \r\n \r\n بيد أن أحد هذه التغييرات الهامة حدث دون أن يحظى باهتمام كافٍ وهو ذلك الذي يتعلق بكوسوفو. فمنذ حملة القصف الجوي التي شنتها قوات حلف الناتو من أجل تحرير ألبان كوسوفو من قبضة سلوبودان ميلوسوفيتش في عام 1999 ظلت الهيمنة السياسية على كوسوفو تقع في أيدي منظمة الأممالمتحدة بينما تحافظ قوات حلف الناتو على السلام الهش ما بين الأغلبية الألبانية والأقلية الصربية. وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1244 لعام 1999 فإن الوضع النهائي لكوسوفو كان من المفترض أن يتم التوصل إليه عبر المفاوضات بحيث تفضي إما إلى الاستقلال أو التقسيم أو عودة كوسوفو إلى وضعها السابق كجزء من الدولة التي كانت تعرف باسم يوغوسلافيا, وأصبحت الآن صربيا ومونتينجرو. ولكن بدلاً من الشروع في هذه العملية قبل سنوات من الآن آثرت كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي تبني سياسة أطلقوا عليها اسم \"المعايير قبل الوضع النهائي\", وهي جملة تخفي وراءها العديد من السلبيات البيروقراطية المغلفة برداء الدبلوماسية. \r\n \r\n وكنتيجة لذلك لم تحدث أي مفاوضات جدية تبحث عن مستقبل كوسوفو خلال الأربع سنوات الماضية حتى بعد أن ازداد التوتر بين الألبان والصرب، وفي النهاية انطلقت أعمال العنف الدموي في مارس الماضي. وبدا أن المنطقة تتجه إلى اندلاع حرب جديدة أخرى. وظلت الأحوال تنذر بالفوضى والاضطراب منذ ذلك الوقت حيث وقع هجوم بالقنابل قبل يومين على مكاتب أحد أحزاب المعارضة في كوسوفو. \r\n \r\n وفي الشهر الماضي وبعد أن وجه فيليب جولدبرج كبير الدبلوماسيين الأميركيين في كوسوفو تحذيرات بشأن الوضع المتفجر هناك سارعت كوندوليزا رايس إلى إرسال نيوكولاس بيرنز وكيل وزارة الخارجية إلى أوروبا بهدف عقد محادثات مع مجموعة الاتصال (التي تتألف من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وألمانيا). وقد أخطرهم بيرنز بأن الوضع في كوسوفو بات ينذر بالخطر وما لم يتم الإسراع في بذل الجهود الهادفة إلى تحديد الوضع النهائي فإن أعمال العنف سوف تتجه إلى التصاعد في ظل تقييد أيدي قوات حلف الناتو إلى ما لا نهاية. وتحت الضغوط الأميركية, -التي عادة ما تكون ضرورية للتعامل مع البطء والتردد الأوروبي- بدأ العمل في صياغة سياسة جديدة لمجموعة الاتصال. وفي هذا الصيف سوف يقوم ممثل خاص للأمم المتحدة ب\"تحديد\" ما إذا كانت كوسوفو قد نجحت في تطبيق المعايير الضرورية فيما يختص بالحكم الذاتي ومشاكل اللاجئين والعائدين وحرية الحركة... إلخ، أي أنها أصبحت مستعدة لإجراء محادثات الوضع النهائي. \r\n \r\n وعلى الرغم من عدم صدور تصريحات رسمية من واشنطن أو أوروبا فإنني أعتقد أن من الصعب الخروج بنتيجة سوى استقلال كوسوفو وربما على أسس مرحلية في خلال السبع سنوات القادمة. ولكن مثل هذه النتيجة تتطلب وضع ضمانات خاصة للأقلية الصربية التي ظلت تعيش في كوسوفو والتي يتراوح عددها ما بين 100 الى 200 الف نسمة, وهو أمر يحتاج إلى حضور أمني دولي مستمر. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يتعين أيضاً على ألبان كوسفو المنقسمين والذين يواجه آخر رئيس لوزرائهم تهماً بارتكاب جرائم حرب في لاهاي، أن يمارسوا مستوىً عالياً من ضبط النفس والنضوج السياسي. \r\n \r\n ويبقى أن على بلغراد القبول ببعض التضحيات السياسية مثل التخلي عن مطالب الصرب في كوسوفو التي يعتبرونها وطنهم التاريخي. وبات يتعين على الصرب أن يختاروا ما بين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو محاولة استعادة كوسوفو، وإذا ما اختاروا السعي لاستعادة إقليمهم المفقود فإنهم ربما يفشلون في تحقيق أي من الهدفين في نهاية المطاف. ولكنهم إذا ما نظروا إلى المستقبل عوضاً عن الماضي فإن صربيا يمكن أن تتمتع بمستقبل مشرق كعضو في الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"