\r\n كان الامتعاض الشعبي واضحا منذ ايلول الماضي عندما مدد تعديل للدستور املته سوريا ولاية الرئيس اميل لحود. انضم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الى جماعات المعارضة المسيحية مشكلا تحالفا درزيا, مسيحيا بوجه الهيمنة السورية على لبنان. وكان من المعلوم ان الزعيم السني القوي رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري يؤيد ضمنا تلك المعارضة. \r\n \r\n لذا, فان اغتيال الحريري الشهر الماضي تحول الى مناسبة درامية للاستقطاب وشكل حافزا لاندلاع انتفاضة شعبية ضد القوات السورية. بعد مضي اسبوعين على حادثة الاغتيال, وبتحريض من اللوبيات المالية في بيروت, دعت المعارضة الى تجمع استجاب له الاف الشبان اللبنانيين متحدين حظرا فرضته الحكومة ومندفعين الى الشوارع. استقالت الحكومة وكان يوما مشهودا في الصحافة العالمية. وقيل ان رياح التغيير والامل القادمة من العراق وفلسطين باتت تهب على لبنان. \r\n \r\n ان هذه الصورة الوردية لا تأخذ بنظر الاعتبار البنى السياسية الاجتماعية للمجتمع اللبناني. فالحكم في لبنان يقوم على نظام طائفي اقطاعي مبني على التوافق. وتتكون البنية الاساسية لهذا النظام من عدد من جماعات الأقليات الدينية التي تلتف حول الزعماء الاقطاعيين المحليين في عملية تبادل للخدمات. وتحصل كل طائفة على نصيبها المحدد والواضح من النفوذ. فرئيس الجمهورية يجب ان يكون مارونيا مسيحيا. بينما ينبغي لرئيس الوزراء ان يكون سنيا مسلما في حين يتولى رئاسة البرلمان مسلم شيعي. ويميل الحكم الى اعتماد مبدأ التوافق بين الاطراف المختلفة, وهو التوافق الذي لا يترك مجالا للمساءلة او السياسة المبرمجة. وعندما تظهر خلافات كبرى بين الطوائف, تجد البلاد نفسها بمواجهة ازمة. اما حين يتدخل اللاعبون الخارجيون فإن الازمة تصبح قابلة للتحول الى حرب اهلية. كان هذا ما حصل عام 1952 ثم عام 1958 وبعده عام 1969 ليتفاقم الامر وتندلع الحرب الاهلية التي دامت 15 عاما ما بين 1975 و .1990 \r\n \r\n ولعل الموقف الراهن لا يختلف عن المواقف الماضية, فالاحتكاك بين الاحزاب اخذ بالتزايد نتيجة تفاقم المشاكل الاقتصادية. وكان من آثار الزلزال السياسي, الجغرافي الذي حصل في العراق تضييق الحبل الامني على رقبة لبنان. وقد بدا ان زعماء المعارضة الذين تبنوا الاثر التوحيدي الذي تركته وفاة الحريري على الجماهير الواسعة يمثلون حركة باتجاه الحرية وما تدعوه الولاياتالمتحدة بمشروع الشرق الاوسط الكبير. \r\n \r\n الا ان ثمة عوامل داخلية اربعة لا بد ان تؤخذ بالحسبان اولها المسلمون الشيعة الذين يمثلون واحدة من الشرائح الكبرى في المجتمع اللبناني والذين لم ينضموا الى المعارضة. وعلى الرغم من وجود امتعاض من الهيمنة السورية, فإن لبنان ليس موحدا وراء التطورات الراهنة. \r\n \r\n ثانيا: ان بعض زعماء هذه »الانتفاضة« هم لاعبو قوى لم يتضرروا من هيمنة سوريا ولا يحملون ضغينة ضدها. فالعديد من الذين يشجعون الانتفاضة الحرة والديمقراطية هم من امراء الحرب الذين مزقوا البلاد بأيديهم قبل خمسة عشر عاما وانهمكوا منذ ذلك الحين في تنافس غير ديمقراطي على السلطة. \r\n \r\n ثالثا: ان المعارضة لم تقدم اي برنامج لاصلاح المؤسسات الفاسدة او اية خطة لبداية جديدة. \r\n \r\n رابعا: ان حرية التعبير والممارسات الديمقراطية لم تولدا فجأة مع اغتيال الحريري. فالاعلام في لبنان يعتبر الاكثر حرية في المنطقة, اما نظام الحكم الديمقراطي القائم على التوافق فهو موجود منذ قرون عدة. \r\n \r\n واذا كان للانتخابات ان تجرى في شهرايار القادم, فان من المرجح ان يتشكل البرلمان الجديد من نفس الوجوه القديمة, وما ذلك الا لان التوزيع الطائفي الاجتماعي والسياسي الذي يميز البلاد لن يختفي على حين غرة. كما ان من المرجح ان تظل الهياكل الفاسدة القائمة على المحسوبية والمفتقرة الى الشفافية قائمة على حالها خصوصا بعد اعادة توزيع الاحتكارات السورية لتشمل النفوذ الامريكي والفرنسي ايضا. وما لم تظهر قوة سياسية مدنية مستندة الى مبدأ المواطنة لتتحدى التقسيم والتفكير الطائفي الاقطاعي, فان كل ما سيشهده لبنان لن يتعدى التحول في حصص النفوذ بين هذا الطرف او ذاك. \r\n \r\n لقد احدث اغتيال الحريري والاحداث الراهنة في لبنان شرخا في بنية الهيمنة السورية. وها هي فرنسا تسعى جاهدة لاستعادة موطئ قدمها في المنطقة, وتجد دول عربية في مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية في الاوضاع اللبنانية الراهنة فرصة لتعزيز دورها الاقليمي على حساب سوريا. وترى الولاياتالمتحدة في الاحداث اللبنانية الجارية فرصة لزيادة ضغوطها على سوريا كيما تحملها على التعاون معها في مسعاها لتهدئة الاحوال في العراق. \r\n \r\n ان الولاياتالمتحدة المتورطة بشدة في العراق لا تبدو في الوقت الحاضر راغبة في تغيير النظام في سوريا, فمصلحة الولاياتالمتحدة تكمن في وجود نظام مطيع في سوريا, وحتى يحين الوقت المناسب, فان الولاياتالمتحدة ستعمل على احتواء النفوذ السوري وابعاده عن الاجندة العربية - الاسرائيلية - الفلسطينية, واذا كان المحافظون الجدد في الادارة الامريكية يخططون لمهاجمة ايران فان ضمان امن الحدود الشمالية لاسرائيل عن طريق تحييد حزب الله سيكون امرا ضروريا. \r\n \r\n للحساسيات العربية دورها هي الاخرى, فمع وجود اقلية علوية تهيمن على الاغلبية السنية في سوريا, يرى الكثيرون في اغتيال الحريري جزءا من مؤامرة تهدف الى تقليص التأثيرات السنية في المنطقة ابتداء من العراق الى سوريا ثم لبنان. \r\n \r\n ان اساءة التعامل مع الملف اللبناني من قبل السوريين قد راكم كما هائلا من المرارة الجاهزة للانفجار, وقد توفرت لها الشرارة المناسبة في عملية اغتيال الحريري, فلا الانتخابات العراقية ولا اصرار بوش على ما يسميه بالحرية هما اللذان قادا الى الاحداث الراهنة في لبنان. فالاغتيال لم يوفر الشرارة وحدها انما جاء ايضا بالماكنة التي ادارت التظاهرات. وينبغي النظر الى التطورات الراهنة في لبنان على ضوء الاستغلال الانتهازي من جانب اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين بدلا من النظر اليها على انها »ثورة ديمقراطية«. \r\n \r\n ان التظاهرة المضادة التي قام بها الموالون للحكومة وفي مقدمتهم حزب الله يجب ان تعمل ككابح للنشوة الدولية, اذ لم يسبق لبيروت ان شهدت حشدا بهذه الضخامة, وقد القى السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله ذو الشعبية الكارزماتية خطابا قال فيه للمحتشدين المليون ان »لبنان ليس اوكرانيا« ان الاحداث الاخيرة تنعش الامل, بحدوث تغيير ايجابي غير عنفي, ولكن ادا كان اللاعبون المحليون والاقليميون يرغبون حقا برؤية لبنان مستمتعا »بالسيادة والحرية والاستغلال«. فان عليهم ان يأخذوا تعقيدات الحقائق الاجتماعية بنظر الاعتبار. \r\n \r\n عن »الغارديان« البريطانية \r\n \r\n