\r\n ان الانتظار مدة قرنين للخروج برأي عن امر ما مدة طويلة جداً يضاف الى ذلك ان بوسع اي كان ان يرى ان ثمة ما يشبه »موجة التغيير« التي تحدث عنها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الشرق الاوسط. وقد اتخذ آخرون التشبيه بالريح او العاصفة على غرار ما لجأ اليه رئيس الوزراء البريطاني الاسبق هارولد ماكميلان حين كان يتحدث عن انهاء الاستعمار في افريقيا. يومها قال ماكميلان ان كل الرياح التي كانت تهب على افريقيا كانت تحمل الحرية. \r\n \r\n لقد قلبت الاطاحة بالنظام البعثي الاحوال في العراق, في حين جاءت الانتخابات الفلسطينية بزعامة جديدة. وها هي التظاهرات المناوئة لسوريا تهز لبنان, ويظهر في مصر والمملكة العربية السعودية تململ باتجاه الاصلاح. \r\n \r\n يشعر انصار الحرب على العراق, وفي مقدمتهم المحافظون الجدد وصناع القرار في الولاياتالمتحدة, بأن هذا التحول في الاحداث الذي اطلق عليه بوش »الكتلة الحاسمة من التغيير« قد عزز موقعهم السابق. لكن بوش نفسه, الذي يحلو له ان يتحدث متباهياً »بمسيرة الحريات« لا يتوانى عن اطلاق نبرات التحذير التي تتردد في اصداء خطاباته. فقد حذر بوش من ان الديمقراطية لا يمن ان تفرض من الخارج. ومع تشعب الاحداث في الشرق الاوسط ووجود العديد من المهام التي تنتظر الانجاز هناك, فان من الحكمة ان لا يظهر الرئيس الامريكي منذ الآن بمظهر المنتصر او مظهر من نفد صبره. \r\n \r\n في الوقت نفسه, هناك اختلاف في وجهات النظر حول ما اذا كانت حرب العراق هي التي اطلقت هذه التغييرات (رغم ان تغييرات ديمقراطية كانت قد ظهرت في كل من المغرب وقطر قبل وقوع تلك الحرب) ام ان هذه التغييرات مرتبطة بآلية دومنيو ديمقراطية عكسية. كما يختلف المحللون حول مضمون هذه التغييرات ومدلولاتها. \r\n \r\n اولاً, لا بد من الاشارة الى ان المتاعب في العراق لم تنته بعد وهي ابعد ما تكون عن التصفية. وهذا الرأي موضع اتفاق الجميع ولا يقتصر على اولئك الذين ما زال الغضب يتملكهم من جراء ذلك العمل الطائش الذي استند في تبريره على علاقة زائفة باحداث 11 ايلول, وهي البحث عن اسلحة الدمار الشامل, والذي سبب المعاناة المريرة للشعب العراقي وفتح صفحة دموية جديدة للنشاط الجهادي ضد الغرب. \r\n \r\n ويكفي ان نستشهد بالعملية الانتحارية التي وقعت في مدينة الحلة قبل ايام والتي تسببت في مقتل اكثر من 120 عراقيا لكي نثبت ان التمرد في العراق لم ينته بعد. ففي العراق يعتبر اغتيال المسؤولين ورجال الشرطة امرًا روتينياً. وما زال الطريق طويلاً امام انجاز مهمة تشكيل حكومة جديدة وكتاب دستور دائم للبلاد. \r\n \r\n ان العراق في حالة فوضى كاملة وهي فوضى مشحونة بالاخطار. ولم ينجح احد لحد الآن في تحديد كيفية التعامل مع جارة العراق ايران وطموحاتها النووية. وحتى في حالة نجاح الدبلوماسية الاوروبية في تضييع فرصة شن حرب جديدة وتغيير نظام آخر في الشرق الاوسط على الادارة الامريكية, فان صورة التحرك القادم ما تزال غير واضحة لدى الجميع. \r\n \r\n من جانب آخر, جاءت الانتخابات الفلسطينية التي سبقت الانتخابات العراقية بنتائج مشجعة لا يعود الفضل فيها الى البيت الابيض الامريكي بقدر ما يعود الى وفاة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات الا ان التقدم في هذه النقطة الى اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة كشرط اساسي للتوصل الى تسوية سلمية مقبولة امر يتوقف على الضغط الذي ستمارسه واشنطن على اريئيل شارون اكثر من توقفه على اية حصلية انتخابية للديمقراطية العربية. \r\n \r\n في لبنان, تبدو »ثورة الارز« التي تعيد الى الاذهان »الثورات المخملية« التي حدثت في اوروبا الوسطى عام 1989 و»الثورة البرتقالية« الاقرب عهداً في اوكرانيا, حدثاً مثيراً, او على الاقل انها بدت كذلك من خلال عدسات التلفزة التي نقلت الى ملايين المشاهدين العرب والمسلمين »قوة الشعب« وهي تتحرك ردا على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. \r\n \r\n ولكن سرعان ما ظهر للجميع ان الرغبة في مغادرة السوريين لم تمثل ارادة كل اللبنانيين. فحزب الله الذي يتمتع بشعبية واسعة في لبنان اهله لها نجاحه في طرد الاسرائيليين من البلاد يريد من سوريا ان تواصل رعاية جارها الاصغر. \r\n \r\n وقد نجح الحزب في تحريك الحشود الهائلة لاثبات هذه الحقيقة كما ان الحزب اعلن اعتراضه على دعوة تجريده من السلاح والقبول بالنفوذ الامريكي المكروه. وقد رددت المنطقة بكاملها الصحيات الهادرة التي تستنكر عزل سوريا واضعافها. \r\n \r\n لا شك ان اللبنانيين قد تأثروا بما جرى في العراق واعجبهم التلويح بالاصابع الملونة بالحبر في وجه الطغيان. لكن ما يجري اليوم في بيروت يتعلق بالوطنية اكثر من علاقته بالديمقراطية. فالاجندة اللبنانية الراهنة هي اجندة مناوئة لسوريا وهي مدفوعة بالانقسامات الطائفية التقليدية. ومن المرجح ان تبرهن الانتخابات المقررة في ايار القادم على صحة هذا الرأي اذا كان لها ان تجرى بحرية وبغياب تام للجنود السوريين ورجال الامن السريين. \r\n \r\n ومما يثير الاهتمام حقاً ان دولاً عديدة في الشرق الاوسط لم تتعرض »لرياح التغيير« لسبب رئيسي هو كونها مدعومة تقليدياً من قبل واشنطن او لكونها انضمت مؤخراً الى دائرة الحلفاء المفيدين في »الحرب ضد الارهاب«. ومن المثير, نظرياً, التفكير بما يمكن ان يكون عليه رد واشنطن لو ان »قوة الشعب« تحركت ضد الحكومات الحليفة في تلك الدول. \r\n \r\n الا ان المهم في الامر هو الدرس المهم الذي قدمته الاحداث في كل من العراق وافغانستان وفلسطين. فقد اظهر الشعب في هذه الدول خطأ المبدأ الذي جاء به دعاة نظرية »صدام الحضارات«والقاتل بأن الاسلام والديقراطية ضدان لا يجتمعان. \r\n \r\n اما الدرس الآخر الذي يجب ان يتوقف عنده اولئك الاوروبيين الذين يدعون لانفسهم حيازة الفهم »الحقيقي« للدول العربية والاسلامية التي سبق ان استعمروها فهو خطورة دعم الاستقرار والنفط الرخيص على حساب الاعتبارات الديمقراطية. \r\n \r\n ان على الغرب ان يفكر بطرق اكثر فاعلية لاحداث التغيير الايجابي في المجتمعات العربية ومن بينها دعم مؤسسات المجتمع المدني, والدفاع عن حقوق المرأة, وضمان حرية الصحافة. ولا شك ان النمو الاقتصادي هو خير ما يدعم هذه المبادرات. ولعل افضل ما يستطيع الغرب تقدميه هو اتفاق اوروبا وامريكا على العمل معاً في المنطقة وليس بالضد من احداها الاخرى. لقد تجاوزت فرنسا مرارتها الشديدة بشأن الحرب على العراق لكي تشارك بقوة في اصدار قرار مجلس الامن الذي يطالب سوريا بمغادرة لبنان. فلو تمكنت القارتان القديمة والجديدة من التعاون بنفس المستوى فيما يخص اسرائيل والفلسطينيين فانهما ستحققان تقدماً كبيراً نحو اقامة شرق اوسط جديد حقاً.0 \r\n \r\n عن »الغارديان البريطانية« \r\n \r\n