\r\n اولا كان الفلسطينيون, ثم العراقيون الذين تمكنوا من اختيار زعمائهم بفضل التدخل الغربي, واخيرا ها هم اللبنانيون يتطلقون الى الشوارع للاحتجاج على الوجود السوري والتنديد بالحكومة اللبنانية الموالية لدمشق. \r\n \r\n انها »ثورة الارز« الديمقراطية التي تضاهي »الثورة البرتقالية« المدعومة من قبل امريكا في اوكرانيا, واستعراض ملون يخطف الابصار يؤيد ادعاء جورج بوش بان المنطقة تناصره. \r\n \r\n سوف تنتصر الحرية في لبنان هكذا خاطب الرئيس الامريكي جورج بوش المتظاهرين اللبنانيين ضد الوجود السوري واعدا اياهم بان الولاياتالمتحدة »ستكون بجانبكم«. \r\n \r\n وقد جاء الاول على هذه الحكاية المفبركة يوم الثلاثاء الماضي حين تظاهر اكثر من نصف مليون شخص في بيروت لاعلان تضامنهم مع سوريا ورفضهم للتدخل الامريكي والاوروبي في لبنان. \r\n \r\n وقد تجاوزت الاعداد التي حشدها حزب الله للتظاهرة المذكورة الجمهور الذي تظاهر في سوريا نفسها بنسبة تزيد على 10 اضعاف, وفي حين كانت الشبيبة البيروتية التي لفتت اليها الانظار في تظاهراتها المحدودة في ساحة الشهداء تنتمي الى الاوساط اللبنانية المترفة, جاءت حشود يوم الثلاثاء من الاكواخ الشيعية ومدن الجنوب الفقيرة, وقد اختار بوش ان يتجاهل التظاهرة الاخيرة تجاهلا تاما فهم في نظره الاشخاص الخطأ بغض النظر عن اعدادهم والرسالة التي يحملونها. \r\n \r\n ان ما جاءت به تظاهرة حزب الله قد تجاوز تكذيب الادعاءات القائلة بان الشعب اللبناني بكامل وحدته الوطنية يؤيد المطالبة بالانسحاب الفوري للسوريين فقد كشفت هذه التظاهرة عن مظاهرة العنف الكامن في قلب الحركة التي تسمى نفسها بالحركة المناصرة للديمقراطية في لبنان. فالاحتجاجات المعادية لسوريا والتي تهيمن عليها الدوائر الدرزية والمسيحية في لبنان لا تدعو في حقيقة الامر, الى ديمقراطية اصيلة, انما الى انتخابات في ظل محاصصة فاسدة قديمة العهد تمنح الشريحة المسيحية المتنفذة في البلاد نصف مقاعد البرلمان وتحرم على اي مسلم الوصول الى منصب رئاسة الجمهورية من بين السياسيين الذي يتزعمون حركة الاحتجاج ضد سوريا الزعيم اليمني بيير الجميل من قيادة حزب الكتائب المسيحي الذي ارتكب مقاتلوه مجزرة صبرا وشاتيلا سيئة الصيت عام 1982 تحت اشراف الاسرائيليون وإستحسانهم, هذا الزعيم اعلن مؤخرا اعتقاده بان التصويت ليس مسألة اغلبية فحسب, انما يجب ان يكون خاضعا ايضا لنوعية الناخبين, وجدير بالذكر ان الجميل واصدقاءه يمكن ان يتعرضوا للازاحة التامة على يد حكومة يقودها حزب الله لو قدر للبنان ان يشهد انتخابات ديمقراطية حقة. \r\n \r\n ان احد الاهداف الرئيسية التي ترمي اليها الولاياتالمتحدة من وراء تنظيم هذه الحملة الموجهة لاخراج سوريا من لبنان هو تحييد حزب الله الذي منحه نجاحه في طرد الاسرائيليين من لبنان في عام 2000 مكانة رفيعة على امتداد العالم العربي, بالنسبة للولايات المتحدة يعتبر حزب الله, اوسع الاحزاب في البرلمان اللبناني والقوة القيادية في صفوف الشيعة ثاني الجماعات الدينية في لبنان, منظمة ارهابية, ولا يستند هذا التصنيف الامريكي الى اية حجة مقنعة لكن الضغط على سوريا ينطلق, ايضا من دوافع اخرى الى جانب الرغبة في تحييد تحزب الله, من بين تلك الدوافع ان الانسحاب السوري سوف يضعف اخر الانظمة المستقلة في العالم العربي, ويفتح الطريق الى انتشار النفوذ الامريكي والاسرائيلي في لبنان ويضعف قدرة ايران على الضغط. \r\n \r\n ومن المفارقات التاريخية ان يكون التدخل السوري في لبنان ايام الحرب الاهلية عام 1976 قد تم بتشجيع امريكي وكان من بين الاهداف التي دفعت الولاياتالمتحدة الى ذلك التشجيع الحيلولة دون دمقرطة البلاد على حساب نفوذ الاقلية المسيحية, لقد كان الوجود السوري في لبنان والنفوذ الذي تمتعت به سوريا هناك مصدرا لتذمر اللبنانيين حتى الذين لا ينظرون الى ذلك الوجود بصفته احتلالا اجنبياً, لكن الانسحاب السوري سيخلق فراغاً يهدد السلام اللبناني الهش بالكثير من المخاطر المحتملة. \r\n \r\n ان اخر ما تهدف اليه الحملة الامريكية هو نشر الديمقراطية سواء في لبنان او سوريا حيث يمثل الاسلاميون الراديكاليون البديل المحتمل لنظام الاسد. وفي تصريح تحدى به الذاكرة القريبة, قال بوش ان على سوريا ان تنسحب من لبنان قبل موعد الانتخابات المقررة في شهر ايار »من اجل ان تكون تلك الانتخابات حرة وعادلة« وترك للمستمعين عبر العالم ان يتساءلوا عن السبب الذي يحول دون تطبيق المبدأ نفسه على العراق حيث يوجد 140 الف جندي امريكي يطوفون الشوارع والمدن مقابل 14 الف جندي سوري فقط في لبنان, او على فلسطين الخاضعة بكاملها للاحتلال الاسرائيلي الذين يقيم الحواجز وينسف البيوت, ولماذا ينبغي لقرار مجلس الامن الدولي الداعي الى انسحاب سوريا من لبنان ان يطبق على الفور في حين يمكن تجاهل كل القرارات الداعية الى انسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية والسورية مدة 38 عاما دون ان يتعرض احد للوم او العقاب???!!. \r\n \r\n ان الادعاء بان الديمقراطية تتقدم في الشرق الاوسط ادعاء باطل. فهذه ليست ديمقراطية انما هو الجيش الامريكي الذي يتقدم, ان الانتخابات الفلسطينية التي جرت في كانون الثاني الماضي ما كانت لتجري لولا وفاة ياسر عرفات. فقد كان من المقرر لها ان تجري ابكر من ذلك بكثير لو كان لامريكا واسرائيل ان تضمنا عدم فوز عرفات بها. والانتخابات العراقية بدت جيدة في الصور التلفزيونية واتاحت للاحزاب الكردية والشيعية ان تحسن مواقعها التفاوضية, لكن ملايين العراقيين لم يقدروا او لم يرغبوا بالمشاركة في تلك الانتخابات التي استبعدت عنها قوى سياسية مهمة. اضافة الى ذلك ان قلة فقط خارج العراق يعلمون بان اسماء المرشحين كانت سرية, وان الاتهامات بالتزوير كانت عديدة. وان العملية كلها قد صممت لادامة السيطرة الامريكية وتجريد العراقيين من القدرة على التصويت لانهاء الاحتلال. ان هذه الانتخابات لم تجلب للعراق من الديمقراطية اكثر مما جلبته الانتخابات التي اجريت في فيتنام من ستينات وسبعينات القرن الماضي. اما عمليات التجميل التي تجري من قبل انظمة الدول العربية الاخرى فانها لن تقود الى انتخابات حرة يمكن ان تأتي الى السلطة بحكومات معادية للغرب. \r\n \r\n ان ما تم على ارض الواقع منذ احداث 11 ايلول وحرب العراق هو التوسع الدائب للهيمنة الامريكية على الشرق الاوسط والتي تشكل التهديدات الموجهة لسوريا جزءاً منها. فالامريكيون اليوم موجودون عسكرياً في السعودية, والعراق, والامارات العربية, والكويت, والبحرين, وعمان, وقطر, هم لم يحضروا الى اي من هذه الدول بدعوة من حكومة محلية منتخبة. ان الشعوب العربية تريد نهاية للانظمة المستبدة. لكن تلك الانظمة باقية في السلطة بتخويل من الولاياتالمتحدة. والانتخابات المسيرة هي الالية الجديدة المستخدمة في الدول العربية للمحافظة على الانظمة الموالية للغرب وليس لنشر الديمقراطية. \r\n \r\n ان الاوضاع الراهنة في الشرق الاوسط لا تبشر بمستقبل سعيد للمنطقة. والبرنامج الحقيقي الذي يؤمن الحرية والديمقراطية في الشرق الاوسط يقوم على السماح لاجهزة الاعلام المحلية المستقلة بالعمل, وانهاء الدعم العسكري والمالي المقدم للانظمة المستبدة. وسحب جميع القوات الاجنبية من المنطقة. ذلك, وذلك فقط, هو ما يمكن ان يبشر بفجر حقيقي للحرية. \r\n \r\n عن »الغارديان« البريطانية \r\n \r\n