ومع ذلك، فإن المناسبة تعتبر حدثاً كبيراً في حد ذاتها. فهي أول انتخابات ديمقراطية بحق يشهدها العالم العربي على الإطلاق. ذلك أنها المرة الأولى التي يتم فيها انتخاب قائد عربي، ليس لكونه أحد أفراد أسرة حاكمة، كما لم يتم انتخابه عبر استفتاء شعبي، يكون فيه هو المرشح الوحيد كما جرت العادة. فالمرشح في هذه الانتخابات يخوض غمار المنافسة عبر حملة انتخابية حية، مع مرشحين آخرين، ويدافع عن برنامجه ومنبره حتى نهاية المعركة الانتخابية. \r\n \r\n ويعد \"أبو مازن\" الخلف الطبيعي المتوقع لياسر عرفات. فبصفته عضواً مؤسساً لمنظمة التحرير الفلسطينية في عقد الستينيات، ظل \"أبو مازن\" الرجل الثاني بعد عرفات، لسنين عديدة. وكان \"أبو مازن\" هو من قاد مفاوضات اتفاقات أوسلو في الجانب الفلسطيني، وهو الذي وقعها في فناء البيت الأبيض في الثالث عشر من سبتمبر من عام 1993. ومع ذلك فإنه من الصعب جداً أن تجد من يختلف مع عرفات أكثر منه. فهو لا يتمتع بأي درجة من درجات الجاذبية القيادية، كما أنه ليس قائداً حماسياً ولا منفعلا، علاوة على أنه لا يسعى للظهور بالمظهر العسكري المميز للقائد الكوبي فيدل كاسترو، ولا يجاريه في خطاباته المطولة. كما كان أول فلسطيني يعلي صوته مؤخراً ضد الانتفاضة المسلحة، التي أسهم في إشعالها في بدايات عام 2000. وكنت قد عرفت \"أبو مازن\" وتفاوضت معه كصديق منذ مطالع عقد التسعينيات، ووجدت فيه شخصاً هادئاً ومتواضعاً، لا يلهث وراء السلطة، وقادراً على الاستماع للآخرين والاقتناع بما يقولونه. \r\n \r\n وقد تعرض \"أبو مازن\" للهجوم والعديد من الانتقادات، بما فيها انتقاده على رسالة دكتوراه أعدها قبل نحو 25 عاماً، قلل فيها كثيراً من جرائم محارق وإبادة اليهود على يد النازية. لكنه تخلى عن ذلك الموقف، وفي رأيي الشخصي أن علينا أن نترك ذلك الآن كجزء من مخلفات الماضي، ونفتح معه صفحة جديدة – تماماً مثلما تخلت إسرائيل وصفحت للرئيس المصري الأسبق أنور السادات، عن تأييده للنازية الألمانية-. وعلى رغم افتقاره للجاذبية القيادية، يستطيع \"أبو مازن\" الوصول إلى المنصب الأعلى في قيادة السلطة الفلسطينية، مستصحباً معه كل ما يتمتع به من شرعية، بصفته أحد الآباء المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية. وفوق ذلك فهو يحظى باحترام المسؤولين الأميركيين وحبهم، فضلا عن رغبة الكثير من الأوروبيين في مد يد العون له، في حين ينظر إليه القادة الإسرائيليون على أنه شخصية يمكنهم التفاوض معها. وهكذا فإنه لم يسبق مطلقاً للفلسطينيين أن كان لهم قائد بكل هذه العلاقات –حتى ولا في أيام المفتي الحاج أمين الحسيني، الذي وحد جهوده وأهدافه مع جهود وأهداف أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية- بل ولا حتى في أيام أحمد الشقيري القائد الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا طوال السنوات التي قضاها ياسر عرفات في قيادة كل من السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. \r\n \r\n وبعد فهل تستثمر هذه الفرصة النادرة لإحلال السلام، وتتم ترجمتها إلى واقع؟ إنه لمن الصعوبة بمكان أن نقرر ذلك الآن. فالمتوقع أن يعتلى \"أبو مازن\" نظاماً فلسطينياً ضعيفاً ومهلهلا، تكاد بنيته التحتية تكون قد دمرت تماماً خلال السنوات الأربع الماضية. وسيكون مطلوباً منه أن يعيد بناء وتأهيل ما جرى هدمه وتدميره، فضلا عن توحيد قوات الأمن الفلسطينية، إلى جانب التوصل إلى طريقة ما لوقف أعمال العنف التي تمارسها كل من حركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي. وفي حال عدم وضع حد للعنف، فإنه سوف يتعذر جداً على \"أبو مازن\" أن يواصل قيادة شعبه، على الرغم من صعوبة وتعقيد الوضع الذي سيجد فيه نفسه، أثناء سعيه لوضع حد لأعمال العنف. وربما كان ممكناً تنفيذ وقف لإطلاق النار إما عن طريق مكافحة العناصر الإسلامية المتطرفة، أو عبر التفاوض معها. وبالطبع فإن في وسع الدخول في مواجهات عسكرية مسلحة مع هذه العناصر أن يكلفه جزءا من شعبيته في أوساط الفلسطينيين، الذين لا ينظرون بالضرورة إلى هذه الجماعات والعناصر على أنها متطرفة أو لا معنى لوجودها. وأكثر من ذلك، فمن المحتمل أن تكون المواجهة المسلحة أمراً بالغ الخطورة والصعوبة، في ظل الحظر الذي تفرضه إسرائيل على قوات الشرطة الفلسطينية فيما يتعلق باستخدام السلاح. أضف إلى ذلك أنه ما من أحد يستطيع أن يجزم بأن قوات الشرطة، ستطيع أوامر القائد الجديد، وتخضع له. ويبقى إذن احتمال التوصل لاتفاق مع هذه الجماعات المتطرفة. ولكن ما أكبر تكلفة هذا الحل، لكونه يتطلب مشاركة واقتساماً للسلطة معها. \r\n \r\n على المدى القريب، سوف يتعين على \"أبو مازن\" أن يمشي هذا الطريق الشائك الخطير، بين سعيه لعقد صفقة اتفاق مع هذه العناصر، ربما لا يرى تكلفته كبيرة بذاك الحجم، انطلاقاً من موقفه الخاص، وبين استمرار العنف والقتال الدموي. كما سيكون لزاماً عليه أن يؤكد مدى جدارته بصفته قائداً مناضلا من أجل حقوق وطموحات شعبه. ويتضمن هذا الواجب الأخير، تبديد المخاوف والشكوك التي تساور الفلسطينيين، حول كونه معتدلا أكثر مما يلزم، إلى درجة أنه يعجز عن القيام بالواجب المنوط بكل قائد فلسطيني، أياً كان. ومن هنا تأتي الأهمية الحاسمة لدور القوى الخارجية. فكلما ازدادت قناعة الفلسطينيين بأنهم يتمتعون بحياة أفضل في ظل السلام، وبأن اقتصادهم ينمو ويزدهر، وأن لديهم ما سيخسرونه عند تفريطهم في السلام، كلما أدركوا أن خطة الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، لن تمثل سوى بداية الطريق أو العملية التي ستفضي في نهاية الأمر، إلى إبرام اتفاق بشأن الوضع الدائم، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية. وبذلك تكون هذه العملية قد تساوقت مع خطة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، ورؤية الرئيس الحالي جورج بوش، فضلا عن تساوقها مع مقررات اتفاقية جنيف. \r\n \r\n \r\n يوسي بيلين \r\n \r\n \r\n عضو الكنيست الإسرائيلي ووزير سابق على التوالي في حكومات كل من رابين وبيريز وباراك. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n