في الآونة الأخيرة وصفت الأممالمتحدة ما يحدث في دارفور بأنه \" أسوأ كارثة إنسانية في العالم\" في حين أن ما يحدث هناك ليس كارثة إنسانية، وإنما هو حرب بمعنى الكلمة. فالمساعدات الإنسانية، دون انغماس سياسي وعسكري حقيقي في الصراع، يمكن أن تؤدي إلى مفاقمته لا إلى حله. إن القيام بإلصاق صفة \"أزمة إنسانية\" بالمشكلة، يريح دول العالم ويعفيها من القيام بفعل سياسي أو عسكري في دارفور. فمن خلال قيامها بتقديم مساعدات إنسانية سخية، تدعي حكومات الدول المختلفة في العالم والأممالمتحدة معها، أنها تقوم باتخاذ إجراء ذي معنى، متناسية أن الإبادة الجماعية لا يمكن حلها من خلال تقديم البطاطين والطعام للضحايا. \r\n والمدخل الإنساني البحت لعلاج المشكلة، يمكن أن يؤدي إلى مفاقمة الحرب القائمة هناك بثلاث طرق: أولا، من خلال التعتيم على الأهمية السياسية والاستراتيجية التي يمثلها ذلك العدد الهائل من اللاجئين، والأعداد الكبيرة من القوات التي تقوم بخلخلة الاستقرار. ثانياً، من خلال حقيقة أن الاستجابة الإنسانية تقوي المليشيات وتؤدي إلى نشأة اقتصاد حرب. ثالثاً، من خلال القيام بإرسال موظفي إغاثة بدلا من الجنود مما يزيد من حجم التهديدات الأمنية التي تواجهها المنظمات الخيرية. \r\n \r\n وأزمة دارفور امتدت في الوقت الراهن إلى خارج حدود السودان، كما أنها تهدد بإشعال فتيل صراع إقليمي. فمما يذكر في هذا السياق، أن هناك 200 ألف لاجئ سوداني، قد هربوا من دارفور عبر الحدود إلى تشاد المجاورة، حيث يعيشون ظروفاً قاسية، ويعانون من الشقاء والتعاسة التي أثارت انزعاج المنظمات الإنسانية وصناع السياسة في العالم. وبالإضافة إلى التعاسة الإنسانية التي يجسدونها، فإن مجرد وجود هذا العدد الهائل من اللاجئين، يهدد بتوسيع دائرة الصراع. فهؤلاء اللاجئون يشكلون عقبة في وجه الحكومة السودانية، كما يمثلون فرصة قابلة للاستغلال بواسطة القوات المتمردة. \r\n \r\n ومجرد وجود هؤلاء اللاجئين يمثل دليل إدانة للنظام السوداني. ففي مواجهة تهديدات محتملة، قامت القوات السودانية بمهاجمة معسكرات اللاجئين والقرى التشادية القريبة منها للرد على الهجمات التي تقوم بها قوات المتمردين عبر الحدود، والتي يمكن أن تجر تشاد إلى دخول حلبة الصراع. وعندما تمتد الحرب خارج النطاق السوداني وتتحول إلى حرب إقليمية، فإن احتمالات حلها ستكون أصعب بكثير من احتمالات حلها وهي مجرد صراع محلي. \r\n \r\n لقد قدمت الأممالمتحدة مناشدات عديدة للدول لتقديم الأموال اللازمة لتوفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ويجب عليها أن تقدم مناشدات مماثلة لتحسين الظروف الأمنية عبر الحدود للحيلولة دون امتداد الحرب. \r\n \r\n والمساعدات الإنسانية تقوي المتحاربين، وخصوصاً عندما يكون هؤلاء المتحاربون هم المتحكمون في توزيع المساعدات. والذي حدث في دارفور هو أن كلاً من الحكومة السودانية والمتمردين، قد قام باستغلال المساعدات الإنسانية كورقة للتفاوض. فالجيش والشرطة السودانية قاما مراراً وتكراراً بمهاجمة معسكرات اللاجئين، ما أدى إلى تعطيل منظمات الإغاثة الإنسانية، ومنعها من تقديم المساعدات، أومن توثيق حالات انتهاك حقوق الإنسان التي يتم ارتكابها خلال تلك الغارات. \r\n \r\n والمجموعات المتمردة في دارفور، تقوم هي الأخرى بالحيلولة بين المنظمات الإنسانية وبين الوصول إلى اللاجئين. وفي بعض الحالات قامت تلك المجموعات باحتجاز موظفي الإغاثة الإنسانية، والاحتفاظ بهم إلى أن تمت الموافقة على شروطها الخاصة بوضع يدها على المزيد من تلك المساعدات. فالتحكم في اللاجئين وفي المساعدات التي تقدم لهم أصبح سلاحاً أساسياً من أسلحة الحرب الدائرة في دارفور. \r\n \r\n وانتهاكات وقف إطلاق النار، جعلت الجزء الأكبر من منطقة دارفور غير آمن بخصوص ما يتعلق بتوصيل المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين. ففي شهر ديسمبر الماضي لقي اثنان من موظفي الإغاثة مصرعهما، عندما قام المتمردون بإطلاق النار عمداً على سيارات قافلة المساعدات الإنسانية التي كانا يستقلانها. كما فقدت منظمة أطباء بلا حدود اثنين من طاقمها خلال أعمال العنف التي اندلعت خلال الشهور الثلاثة الماضية هناك. ونتيجة للتدهور المتزايد في الوضع الأمني، قام عدد من منظمات الإغاثة بالانسحاب من المنطقة الواحدة تلو الأخرى. \r\n \r\n أما الاستجابة الدولية فقد كانت محدودة. فمجلس الأمن الدولي دعا الحكومة السودانية إلى نزع أسلحة المليشيات التابعة لها، وحماية شحنات الإغاثة. ولكن القرار الذي تمت صياغته بعبارات ضعيفة، لم يكن يمتلك آلية للتنفيذ مما أثر على مصداقيته. أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد تملصت بشكل جماعي من المسؤولية من خلال رفض التصويت على إجراء يدين انتهاكات حقوق الإنسان في السودان. علاوة على ذلك نجد أن القوات التابعة للاتحاد الأفريقي والموجودة في دارفور في الوقت الحالي، لا تمتلك التفويض اللازم، الذي يمكنها من استخدام القوة لحماية المدنيين. فهذه القوات تأمل في ردع جرائم الحرب من خلال وجودها هناك. \r\n \r\n وعلى الرغم من حيادها المفترض في الصراع، فإن مجموعات المساعدات الإنسانية، هي التي تضغط حالياً في اتجاه اتخاذ إجراءات عسكرية وسياسية أوسع نطاقاً. فمنظمة \"أوكسفام\" على سبيل المثال انتقدت القرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس الأمن ووصفتها بأنها فاترة. كما قامت منظمة \"انتراكشن\" الأميركية غير الحكومية بتوجيه نداء للرئيس بوش، لتخصيص أموال وإرسال مساعدات، ودعم مهمة الاتحاد الأفريقي. \r\n \r\n والنقطة الوحيدة التي تتفق عليها كل تلك الجماعات، هي أن المدنيين هم الذين يعانون في درافور. ولذلك قام المجتمع الدولي كحل وسط بحشد منظمات الإغاثة العالمية لملء الفراغ السياسي والعسكري في المنطقة. ولكن الشيء الذي يؤسف له هو أن معاملة الحرب على أنها كارثة إنسانية لا يؤدي لشيء سوى إلى تأجيج نيران ا لصراع. \r\n \r\n \r\n سارة كينيون ليشر \r\n \r\n أستاذة نظم الحكم في كلية \"سويت براير\"- فرجينيا \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"