\r\n ومع ذلك, فهذه الانتخابات ليس المقصود من نتائجها الحصول على مركز وطني, وانما لعضوية قيادة الغرفة التجارية المتنفذة لمدينة يتعارض اداؤها الاقتصادي الرصين مع الاقتصاد الراكد والفوضى العامة للعراق المجاور, وفي الوقت ذاته, وعلى المستوى السياسي, فإن النظام الذي يقف على رأسه الرئيس بشار الاسد يظل وطيد الاركان, وهو وضع يبدو على معظم السوريين انهم سعيدون به. \r\n \r\n وقال لي عدد من الاصدقاء السوريين ذوي الافكار الاصلاحية, ان بعض الاصلاحيين في سوريا كانوا يأملون, مباشرة بعد الغزو الامريكي للعراق, بأن تقنع تلك الصدمة نظام الاسد بالدمقرطة على نحو سريع جداً. وقال احدهم, »لكننا بعد ذلك, لمسنا الفوضى والمعاناة اللتين ادى اليهما »تغيير النظام« في العراق, كما ان سلسلة الحوادث, التي وقعت هنا في سورية, جعلت الناس يقلقون من احتمال ان تقود ليبرالية سريعة جداً الى عدم استقرار مماثل عندنا. فقد وقعت اضطرابات كردية في الشمال, وانتشرت مخاوف كبيرة من تصرفات احد الاشخاص الذي مضى جزافاً يصفع الفتيات السافرات, الامر الذي اقلق الناس من اصولية اسلامية, ثم الانفجار الكبير الذي وقع في ضاحية المزة. وهكذا توصل الناس الى استخلاص ان الاستقرار الذي يوفره لهم النظام له قيمته الخاصة.« \r\n \r\n على ان الوجود الامريكي في العراق, ذي الحدود الطويلة مع سورية, قد خلق بعض المآزق الصعبة لنظام الاسد. ذلك انه كان لهذا النظام علاقة معقدة, وفي اغلبها عدائية, مع صدام حسين. فاغتبط النظام, كما اغتبط معه معظم السوريين, من غيابه, لكنه مذ ذاك, احس السوريون بأنفسهم واقعين بين قوتين جبارتين تنطويان على تهديد خطير لهم, وهما: القوات الامريكية في العراق, والجيش الاسرائيلي الجاثم على بعد خمسين كيلو متراً تقريباً من دمشق. وقد تعامل الاسد مع هذا الوضع بحذر. \r\n \r\n فقدم عدداً من العروض لاستئناف محادثات السلام مع اسرائيل »وجميعها رفضت« وعمل مع الامريكيين بهدوء لتلبية طلباتهم حول امن الحدود. وقال احد الديبلوماسيين الغربيين »ان ما قام به الاسد اكثر قليلاً مما تتوقعين, لكن اقل مما تأملين. انه ذكي تماما«. \r\n \r\n في تشرين الاول الماضي, توصلت سورية الى »اتفاقية شراكة« هامة مع الاتحاد الاوروبي, من شأنها ان تعزز علاقاتها مع اوروبا والاقتصاد العالمي. ومقابل ذلك, على سورية - مثلها في ذلك مثل ايران واسرائيل - ان تلتزم بالاشتراك في حوار مع الاتحاد الاوروبي حول اسلحة الدمار الشامل. وجاءت تلك الاتفاقية لتثلج صدر مجتمع الاعمال المتنفذ في دمشق, والذي حقق مكاسب متواضعة في الفترة الاخيرة. \r\n \r\n ويبدو على التجارة, في متاهات الاسواق المعقدة في المدينة القديمة, انها موفقة. فتجار المنسوجات يتراضون مع صناع الادوات النحاسية التقليدية او المنتجات الخشبية المحفورة المزخرفة; والسائحات الايرانيات الملفعات بالشادرات المنتفخة يفاصلن بدقة في اسعار الملابس; والتجار يقدمون الشاي الساخن لاتمام الاتفاق على صفقات صغيرة. \r\n \r\n وفي الصيف, وفد سورية الاف السائحين الاثرياء من بلدان الخليج بدلاً من التوجه الى اوروبا او الولاياتالمتحدة. وعلى التلال شديدة الانحدار غرب دمشق, شيدت خلال الاشهر القليلة الماضية ضواحي سكنية ذات بنايات متعددة الطوابق, بعضها ارقى من مستوى السوق وحاجاته. وقد تجولت بالسيارة في هذه الضواحي الى ان وصلت الى بناية سكنية جديدة تابعة لوزارة شؤون المغتربين. وقالت لي الوزيرة بثينة شعبان, استاذة الادب الانجليزي سابقاً, وذات الابتسامة الجاهزة, انها لتأمل بأن تتمكن سورية وغيرها من جيران العراق من خلق الاجواء الملائمة لاجراء الانتخابات العراقية في كانون الثاني المقبل, وبأن تغادر القوات الامريكية العراق بسرعة. \r\n \r\n ومهما يكن من امر, فقد وجد السوريون في الاضطراب الحاصل في العراق عامل عدم طمأنينة لهم من عدة نواحٍ. فمواطنو البلدين مرتبطون مع بعضهم بروابط وعلاقات شتى. ووفرت دمشق, على مدى سنوات طويلة, ملاذاً للعراقيين المعارضين لنظام صدام حسين. وما يزال بعض هؤلاء المعارضين مقيماً في سوريا. كما ابلغني بعض اصدقائي السوريين بأن سورية تحوي ايضاً عدداً من اتباع نظام صدام السابقين. \r\n \r\n ويعتبر النهوض الحاصل والانتشار الواسع لاعمال العنف العرقي والطائفي في العراق عامل قلق كبير بالنسبة للسوريين, بل ويتمنى جميعهم تقريباً الا يتسرب ذلك الى مجتمعهم. \r\n \r\n وذهبت لزيارة مؤسسة ابو نور, في بناية ضخمة يتعلم التلامذة فيها تعاليم السنة المعتدلة المتسامحة. وقال رئيس المؤسسة, الشيخ صلاح الدين الكوفتارو, انه يعارض بشدة استخدام العنف في جميع الاحوال, باستئناء الدفاع المباشر عن النفس, وشجب اي لجوء الى اعمال العنف العدوانية التي يزعم انها تقع بوازع من »الدين, سواء قام بها اسامة بن لادن, او الاشخاص الذي يخطفون المدنيين ويقتلونهم في العراق, او اية جهة اخرى«. \r\n \r\n وقال الكوفتارو انه قد يتفق مع الامريكيين في هدفهم بالاطاحة بنظام صدام, لكنه يعارض بشدة العديد من الجوانب والاعمال, التي قامت بها الولاياتالمتحدة في العراق, منذ تلك الاطاحة, وخاصة استعمال الامريكيين للقوة العسكرية المفرطة في الفلوجة وغيرها. \r\n \r\n وعلى الرغم من هذه الاختلافات, ما يزال هذا المفكر الاسلامي المعتدل واحداً من العديدين من الناس, في سورية المزدهرة نسبياً حالياً, الذين يتوجب على الامريكيين فتح حوار عريض معهم حول الدين والديمقراطية ومستقبل الشرق الاوسط. \r\n \r\n كريستيان ساينس مونيتور \r\n