فقد أظهرت إيران قدراً كبيراً من البراعة في إخفاء برامجها النووية السرية، والتنصل من التزاماتها وتعهداتها، بينما لم يظهر الأوروبيون، ما يكفي من الجدية والحزم في مواجهة إيران، كلما فعلت ذلك. ولهذا السبب، فإن من الأهمية بمكان أن تلعب الولاياتالمتحدة دوراً قيادياً ورئيسياً في لجم إيران، وصدها عن تطوير الأسلحة النووية. فالمشكلة في الاتفاق الأوروبي الإيراني المشار إليه أعلاه، تكمن في ثلاثة أمور يشوبها الشك. أولها أن إيران وافقت على تجميد أنشطتها الخاصة بتخصيب \"اليورانيوم\"، إلى حين يقدم لها الأوروبيون حزمة من الحوافز الاقتصادية المقررة. وأكد الإيرانيون مراراً، أن هذا التجميد ليس دائماً بأي حال من الأحوال. وما لا نزال نجهله حتى الآن، هو متى ستكتمل هذه المفاوضات بين الجانبين، وما إذا كانت طهران ستقبل بحزمة الحوافز الاقتصادية التي سيعرضها عليها الأوروبيون أم لا؟ \r\n \r\n والأمر الثاني هو: حتى في حال قبول طهران للحوافز الاقتصادية هذه، إلى متى ستلتزم فعلا بتجميد برامجها النووية، وفقاً للاتفاق المبرم بينها وبين الأوروبيين؟ يذكر أن أوروبا كانت قد رأت إعطاء طهران حزمة كبيرة من المحفزات، أملا في أن يدفعها ذلك إلى التخلي عن أنشطتها النووية، والتضحية بها مقابل تلك الإغراءات. إلا أن ذلك الاتجاه لم يكتب له النجاح مطلقاً. والسؤال الآن: ما هو الضمان لأن تلتزم إيران بتجميد أنشطتها النووية، بعد أن تكون قد جنت سلفاً، الفوائد الاقتصادية المعروضة عليها كشرط لوقف تلك البرامج؟ نتساءل هنا عن التزام طهران بتجميد برامجها سراً وعلناً، وفي البال، تقاعس الأوروبيين في السابق، عن تحميل طهران مسؤوليتها إزاء تلك المراوغة والتسويف. \r\n \r\n ثالث الأمور وآخرها، أنه لا يزال مجهولا بعد، كيف ستتم مراقبة تجميد إيران لأنشطتها النووية، وفقاً للاتفاق الأوروبي المبرم معها، وكيف سيتم التحقق من ذلك التجميد. وقد سبق للإيرانيين أن برعوا من قبل في إخفاء جزء كبير من برامجهم وأنشطتهم النووية عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإلى أن كشفت إحدى منظمات المعارضة الإيرانية عن تلك البرامج السرية في عام 2002، لم يكن العالم يدرك شيئاً، عن منشآت إيران الضخمة لتخصيب \"اليورانيوم\" في \"ناتانز\"، أو مصنعها الخاص بفصل \"البلوتونيوم\" في \"أراك\". وفي حادث شبيه، كان العراق قد تمكن خلال عقد الثمانينيات، من إخفاء أربعة مصانع على الأقل، عاملة في مجال الأنشطة النووية، عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى تمكن برنامج أكثر دقة وصرامة من برامج الرقابة النووية، من الكشف عنها، عقب حرب الخليج الأولى عام 1991. وبسبب ضعف كل من السجلين الأوروبي والإيراني في هذا الجانب بالذات، فإنه ينبغي للولايات المتحدة أن تلعب دوراً قيادياً، وأكثر فاعلية في هذا المجال. \r\n \r\n وبالطبع فإنه لا يجوز للولايات المتحدة أن تصادر هذه المفاوضات الجارية بين الطرفين، أو تسعى لإعاقتها، مثلما درجت إدارة بوش على تدخلاتها الفظة في الكثير من الأحيان. ولكن لا شك مطلقاً في أهمية الوجود الأميركي في هذه المعضلة. كما يتعين على واشنطن أن تبدي مرونة في تقديم حوافز اقتصادية لإيران، مقابل الاتفاق معها على وقف برامجها وأنشطتها النووية. في الوقت ذاته، فإنه من الضروري أيضاً، ألا تقف السياسات الأميركية حيال طهران، في الحوافز الإيجابية وحدها، بالنظر إلى سجل إيران في التعامل مع الأوروبيين من قبل، وجني ثمار الفوائد الاقتصادية المقدمة لها من أوروبا، دون الوفاء بوعدها الذي قطعته لهم من قبل. لذا فإن على الولاياتالمتحدة ألا تسقط عصا التهديد الغليظة، وتبقي على عين طهران مفتوحة على العقوبات السياسية والاقتصادية التي تطالها، فيما لو لم تلتزم هذه المرة، بالوعود والتعهدات التي تقطعها على نفسها. ولابد من أن نضع في البال دائماً، أن الحوافز الاقتصادية لن تكون كافية وحدها، للجم طموح إيران ووأد تطلعاتها لتطوير رادعها النووي. فهذه التطلعات، هي التي ستدفع إيران دائماً للنكوث بأية وعود وتعهدات تقطعها على نفسها أمام الأوروبيين أو غيرهم. \r\n \r\n وبالقدر ذاته من الأهمية، يتعين على واشنطن أن تدفع من أجل تطبيق نظام رقابة أكثر صرامة على البرامج النووية الإيرانية، خاصة إثر موافقة طهران على التوقيع على البروتوكولات الإضافية لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وبموجب هذه الخطوة، تستطيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فرض رقابة صارمة وأشد حزماً على كافة المنشآت النووية، بما فيها تلك التي لم تعلن عنها طهران من قبل. وهناك صعوبات عملية بالطبع، في الكشف عن المنشآت السرية، لأن الوكالة لا تقوم بعمليات التفتيش إلا في المنشآت التي تعتقد أنها مثيرة للشبهات. ولكن من كان يدري قبل عام 2002، أن منشآت \"ناتانز\" و\"أراك\"، كانت خطيرة ومثيرة للشبهات؟ \r\n \r\n إن ما نحتاجه في إيران، شبيه جداً بما فعلناه في العراق: نظام تفتيش دولي أكبر حجماً، وأوسع نطاقاً، على أن يكون له حضور ملحوظ، ويمارس نشاطه الرقابي على نحو منتظم ومستمر. ليس القيام بهذا الواجب، سهلا على الإطلاق، بالنظر إلى تردد الأوروبيين في مجرد التفكير في فرض عقوبات على طهران، وبسبب ما نتوقعه من مقاومة إيرانية، لتوسيع نشاط الرقابة والتفتيش على منشآتها المعلنة وغير المعلنة. لكنه وعلى رغم ذلك، ليس بالواجب المستحيل، وربما كان التحدي الأول الذي ستواجهه وزارة الخارجية الأميركية الجديدة، بقيادة \"كوندوليزا رايس\". ففي حفظ التوازن بين العصا والجزرة، لنذكر أن الأوروبيين تمسكوا دائماً بسياسة الجزرة وحدها، وأن تلك السياسة أثبتت فشلا ذريعاً في المحاولات السابقة، بينما ثبت أكثر من مرة، أن إيران تنحني أمام عصا تهديد العقوبات. فعلينا إذن، بسياسة العصا والجزرة معاً. \r\n \r\n \r\n كينيث إم. بولاك \r\n \r\n مدير البحوث في مركز \"سابان\" الخاص بسياسات الشرق الأوسط في مؤسسة \"بروكنجز\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"