استفز العنوان اطرافا معينة فأجرت اتصالاتها التي نجم عنها صدور مقال في الصحيفة التونسية نفسها يزعم ان ايام قرطاج السينمائية لن يكون مجالا لعرض الافلام المتصهينة في اشارة الى فيلم اميرلاي ثم علمنا ان الاطراف المعنية نفسها اتصلت بوزارتي الثقافة والخارجية التونسيتين الامر الذي نجم عنه وعد بسحب الفيلم ليسقط من المسابقة الرسمية بل من الايام كلها لكن صدى مقال الصحيفة التونسية ذي اللغة الخشبية ادى الى ضغوط على ادارة المهرجان منها تهديد يوسف شاهين وشركات انتاج سينمائية فرنسية بالانسحاب من المهرجان فعادوا عن قرار المنع واستبدلوه بادراج فيلم خاص يوم 8و 10- 2004 على الثالثة ظهرا في دار الثقافة المغاربية- ابن خلدون- المختصة بعرض افلام الفيديو! \r\n \r\n حينها علمنا ان هذه الضجة قامت على شريط فيديو والاطراف التي شاركت فيها لم تشاهده! \r\n \r\n وفي الندوة الصحفية التي انعقدت في الوكالة التونسية للاتصال الخارجي علمنا ان عنوان الفيلم هو «طوفان في بلاد البعث» وليس «سوريا بعد حزب البعث» وانبرى «الصحفي المعاصر» الذي كان وراء تغيير عنوان الفيلم يقول دون ان يرف له جفن انه يعترف بانه اخطأ في نقل عنوان الفيلم لكنه برر ذلك متذرعا بانه لا وقت عنده للتدقيق في معلومة كهذه!‚ \r\n \r\n ولكن سرعان ماتأكد الحضور من ان «نزاهة» هذا الصحفي وكفاءته المهنية لا تقف عند هذا الحد فقد تحدث ثانية ليتهم مديرة الايام السيدة «نادية عطية» بانها صرحت لوكالة الانباء الفرنسية قائلة ان ايام قرطاج السينمائية لن تكون منبرا للافكار والافلام المتصهينة الامر الذي صعق السيدة عطية التي كانت قالت ان عمر اميرلاي لارتباطات خاصة اعلن انه لن يتمكن من الحضور مع فيلمه الى تونس والدفاع عن مضمونه في حلقات النقاش امام الجمهور ولهذا السبب ثم سحبه من المسابقة الرسمية لافلام الفيديو ليعرض خارجها‚ \r\n \r\n ومن محاسن الصدف ان السيدة «نجاح مولّهي» محررة الشؤون الثقافية في مكتب وكالة الانباء الفرنسية كانت موجودة لتنفي ما زعمه زميلها الصحفي التونسي وتؤكد ان نادية عطية قالت الكلام نفسه الذي صدر عنها في الندوة الصحفية وان فرانس برس كخلفية للخبر اشارت الى ما كانت الصحيفة التونسية قد نشرته في حق الفيلم والمفارقة هنا ان هذا الصحفي النزيه والكفؤ قد صعد قبل ايام من انعقاد الندوة الى منصب في الهيئة المديرة لجمعية الصحفيين التونسيين خلال مؤتمر الجمعية الأخير‚ \r\n \r\n \r\n نزاهة الصحفي \r\n \r\n اللافت ان الواقع الصحفي يتدهور ليس فقط لدرجة التزام بعض الصحفيين بنشر اخبار عن مؤسسات ثقافية بعينها مقابل تقاضي رواتب شهرية وسرية منها بل وصل حد ان الصحفي ليس فقط لا يتكبد «عناء» التأكد من معلومة بل هو لا يجيد قراءة خبر وارد في وكالة انباء‚ ثم أليس لافتا ايضا ان يتجاوز هذا الصحفي الافلام السينمائية السورية الطويلة والقصيرة ناهيك عن افلام الفيديو ليحصر في «سبقه» اللاصحفي المشاركة السورية في فيلم فيديو غير متأكد من عنوانه؟! \r\n \r\n \r\n ثقافة المنع \r\n \r\n واللافت أيضا هذا التسرع من اطراف معينة في تحركها من اجل منع فيلم لا يتفق مع «اقتناعاتها» السياسية لدرجة توزيع بيانات شديدة اللهجة قبل عرضه على الجمهور بدقائق وواقع الامر ان عرضا لفيلم فيديو في ايام قرطاج السينمائية التي اقيمت من 1 الى 9-10 -2004 بمشاركة حوالي 250 فيلما بينها من نال جوائز كبرى ومعظمها طويل وقصير ويعرض في اهم قاعات العرض التونسية لن يترك جمهورا لفيلم فيديو يعرض في دار ثقافة لكن الضجة التي اثيرت خلقت فضولا عند الجمهور الذي غصت به صالة العرض لاول مرة منذ بدء المهرجان! \r\n \r\n انني من حيث المبدأ غير القابل للمساومة ضد منع اي عمل ابداعي تحت اي ذريعة بما في ذلك فيلم «فيضان في بلاد البعث» للمخرج السوري اميرلاي‚ الذي اسفت اكثر بعد مشاهدته لمحاولات منعه من المشاركة في ايام قرطاج‚ واسفي المتزايد لكون الذي حصل يندرج- ولكن هذه المرة عن غير قصد- في الترويج لاعمال رديئة تحت ذريعة تعرضها للمنع او لمحاولات المنع‚ \r\n \r\n وهكذا تكون الاطراف المعنية قد اضرت بالقضايا التي تنافح عنها فصدق فيها القول «ان طريق جهنم معبد بالنوايا الحسنة»‚‚ فانعدام التروي والتفكر والحماسة في وقت يتطلب البحث عن سبل النجاعة اولا افضي الى هذا الارباك بينما كان يمكن ترك الفيلم يعرض ومن ثم يدحض بمناقشة هادئة او بتجاهل ما دام الجمهور لم يأبه له! ليكون في المحصلة «طوفانا في فنجان» على حد تعبير السيد احمد بهاء الدين عطية عرّاب هذه الدورة بامتياز! فهل كان « طوفان في بلاد البعث» فيلما رديئا؟ \r\n \r\n \r\n نزاهة السينما التسجيلية \r\n \r\n اول ملاحظة ان هذا الفيلم تسجيلي وثائقي وكما قال الناقد السينمائي التونسي الصديقي خميس الخياطي «القدس العربي عدد 1 ‚ 10‚ 2004» فان فيلم عمر اميرلاي هذا جاء كصدى لفيلم اخر انجزه المخرج منذ ثلاث وثلاثين سنة بعنوان الفرات والذي يبين فيه احدى انجازات حزب البعث السوري‚‚ يعود المخرج الى ذات المكان «قرية الماشي شمال شرق سوريا» ويترك للمتدخلين التحدث بكل حرية وايجابية مفرطة عن الانجازات البعثية‚‚ وللمشاهد ان يستنتج ‚ \r\n \r\n ولكن ما لم يذكره الصديق الخياطي ان «المخرج الذي يشهد له حنكته في نوعية الافلام الوثائقية» التي تقوم على النزاهة في نقل الواقع استغفل المواطنين البسطاء وسخر منهم عندما كان يظهر وجوههم في لقطات مضحكة مستخدما حيل التقنية في التصوير وهم يشيدون بانجازات البعث والرئيس حافظ الاسد وقد استغربت كثيرا التهكم من نص عن الحرية واخر عن نهر الفرات في مناهج الصفوف الابتدائية المدرسية في حين يعدان من الناحية البيداغوجية ناهيك عن جماليتها العالية اكثر من جيدين! \r\n \r\n وخلافا لما زعمه الناقد الخياطي فقد تدخل المخرج كثيرا في التعليق على المشاهد وبدا بعضها مسرحيا مستغلا سذاجة اهل قرية الماشي الفخورين باجهزة الكمبيوتر التي وصلت مدرسة قريتهم النائبة وليس خافيا ان فكرة «الفيلم» الاساس فكرة رجعية تؤكد على ان سد الفرات كان انجازا غير صائب لانه حول النهر الى بحر وقامت بحيرته على مكان فيه آثار‚ ثم يقول انه غمر بيت طفولته وذكرياته الطيني‚ الم يبن السد العالي على منطقة اثرية وتم اطلاع اليونسكو على ذلك حينها؟ ثم اذا كانت منطقة دير الزور بأسرها منطقة اثرية فهل ذلك يصلح ذريعة لعدم بناء سد الفرات وواقع الحال ان معظم البلدان الان- خصوصا في الشرق الاوسط- تقيس تقدمها وتطورها بمقاييس منها بناء السدود ‚ ألسنا مقبلين على حرب مياه ايضا وبالتالي يكون بناء سد الفرات انجازا على هذا الصعيد؟! \r\n \r\n ان هذه النستالجيا البائسة لا يمكن ان يبنى عليها عمل فني تسجيلي يدعو في نهايته من خلال رمزي ديني «المئذنة التي يصدح منها اذان الفجر» الى اطاحة نظام البعث واذا اضفنا الى ذلك ان الفيلم انتاج فرنسي- الماني «اي غربي» فان الفيلم يتضمن خطابا مملي من الخارج كونه الجهة المنتجة وموجه الى الخارج فلغته العالية فرنسية والمفارقة انه حين سمع الجمهور التونسي مدير مدرسة الماشي يأمل بن يعود حزب البعث الى العراق ضجت القاعة بالتصفيق‚ على عكس ما كان يأمل المخرج والمنتج من جمهور اخر‚ هو الجمهور الغربي الذي يتطير من ذكر حزب البعث تحت تأثير آلة الاعلام الغربي والصهيوني والذي اليه يوجه هذا الفيلم في لحظة تاريخية تتعرض فيها سوريا الى ضغوط صهيو- اميركي تشارك فرنسا فيها بِسُعار‚ \r\n \r\n ان عنوان الفيلم يوحي بعمل كبير وبخطاب عميق فهو يعيدنا الى عمق اسطوري: طوفان نوح ويوم البعث ولكن كما يقول المثل التونسي «حل الصرة تلقى خيطا» وهو للاسف خيط رديء تردى في الاستجابة لاغراض سياسية لا يمكن الا ان نعدها مشبوهة لان عمر اميرلاي امتدح هذا الانجاز في السبعينيات وكان يعلم انه يقوم على منطقة اثار وسيغيب ذكريات طفولته لانه سيتقدم بالمنطقة على مستوى الري وتأمين الكهرباء على الاقل‚ \r\n \r\n وليس من المقبول ان يكون بناء سد الفرات ذريعة ندعو من خلالها الى اطاحة النظام الوطني في سوريا علما ان الخطاب السوري الرسمي نفسه صار يدعو الى اعادة النظر في الاسس الفكرية التي قام عليها حزب البعث واول الذين كتبوا باسهاب في هذا المجال وزير الاعلام السوري الحالي عندما كان رئيسا لجريدة البعث! \r\n \r\n اريد ان اقول ان الخطاب الرسمي السوري نفسه متقدم على خطاب عمر اميرلاي في فيلمه «طوفان في بلاد البعث» الذي املته عليه ظروف الاقامة والانتاج والذي يتعارض مع الموقف الوطني المفترض ان يتبناه كمواطن وكمبدع ومثقف سوري وفي الوقت نفسه فان الخطاب الثقافي الرسمي السوري يتعارض ايضا مع محاولات منع فيلم عمر اميرلاي واثارة ضجة مجانية حوله‚ فمؤسسة السينما السورية والتقاليد الثقافية السورية كانت ولا تزال تؤمن هامشا واسعا للخطاب النقدي حتى كجهة منتجة والصورة التي اعطتها اطراف معينة عن الخطاب الثقافي الرسمي السوري غير دقيقة ومضللة بغض النظر عن النوايا‚ \r\n