جامعة القاهرة تبدأ فعاليات خطتها لتنفيذ المبادرة الرئاسية «تمكين»    أحمد مالك يكشف حقيقة ارتباطه    غدا.. مؤتمر جماهيري للجبهة الوطنية بالبحيرة    وزيرا الزراعة والتنمية المحلية يتفقدان مشروع الإنتاج الحيواني بالوادي الجديد    استقرار اسعار الأسمنت ومواد البناء اليوم السبت 25اكتوبر 2025 فى المنيا    طرح 1128 قطعة أرض صناعية كاملة المرافق في 16 محافظة    تطوير شبكة الطرق لتحقيق نقلة نوعية في البنية التحتية بالبحيرة    الدفاع الروسية: توجيه ضربة مركّبة لمواقع الطاقة ولوجستيات قوات كييف    الهلال الأحمر المصري يواصل تجهيز مئات الأطنان من المساعدات ل غزة    الرئيس السيسي يبحث مع رئيس أركان الجيش الباكستاني تعزيز التعاون العسكري وجهود دعم الاستقرار الإقليمي    منح الصحفية الشهيدة مريم أبو دقة جائزة أبطال الصحافة لعام 2025    مخططات إسرائيلية للاستيلاء على أراضي في الأغوار ومحيط القدس    تشكيل مانشستر يونايتد أمام برايتون في البريميرليج    ماريسكا يعلن تشكيل تشيلسي أمام سندرلاند في البريميرليج    مواعيد مباريات اليوم السبت في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    نجم بتروجت: أتمنى تتويج بطل جديد بالدوري.. والثلاثي الكبار هم الأقرب للقب    قائمة الدمرداش تكتسح المشهد.. ومشاركة قياسية وتجربة إلكترونية تاريخية في الزهور    تأجيل أولى جلسات محاكمة رمضان صبحي في قضية التزوير لجلسة 22 نوفمبر    حبس عاطل ضبط بحوزته 2 كيلو استروكس وسلاح ناري بالمرج    ضبط المتهم بالتعدي على شخص بالسب ودفع فرد شرطة حاول فض المشاجرة بينهما في المنيا    افتتاح المتحف المصري الكبير أول نوفمبر وفتح أبوابه للجمهور بعد 3 أيام    لهذا السبب.. منة شلبي تتصدر تريند "جوجل"    وزير الإسكان يوجه بتسريع وتيرة العمل في مشروع حدائق تلال الفسطاط    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    «الصحة»: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 138 مليونًا و946 ألف خدمة طبية مجانية    وحدة إذابة الجلطات المخية بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين    جامعةُ المنيا تُنظِّمُ قافلةً طُبِّيَّةً لقريةِ الزُّورة بمغاغه    تحرير محضر ضد مدرس وصاحب عقار استخدما سطح مبنى مركزًا للدروس الخصوصية بالشرقية    محافظ أسوان: حل مشكلة تسجيل وتحديث بيانات مواطنين بأبو سمبل في منظومة التأمين الصحي    طريقة التقديم للحج من خلال الجمعيات الأهلية بالخطوات    شاشات عرض فى الجيزة لنقل فعاليات افتتاح المتحف المصرى.. اعرف الأماكن    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    الرئيس السيسى يبحث مع رئيس أركان القوات البرية الباكستانية تعزيز الأمن والسلم الإقليمى ويعرب عن تقديره للتطور الملحوظ فى العلاقات المصرية الباكستانية خلال المرحلة الراهنة.. إشادة بدور مصر المحورى    فيلم السادة الأفاضل يتخطى 8.5 مليون جنيه خلال 3 أيام عرض بالسينمات    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    تعرف على أسعار تذاكر المتحف المصرى الكبير بعد الافتتاح الرسمى    رئيس الوزراء: 1 نوفمبر إجازة رسمية تزامنا مع افتتاح المتحف المصري الكبير    رئيس اتحاد الإسكواش لليوم السابع: تألق أمينة عرفي دليل تواصل الأجيال    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    وزيرا التنمية المحلية والزراعة والمحافظ يتفقدون محطة التقاوي بالخارجة    بحوث الصحراء يواصل لقاءاته الميدانية مع المزارعين بجنوب سيناء لدعم التنمية الزراعية    13 مصابا فى حادث تصادم ميكروباص وملاكى بكفر الشيخ.. الأسماء    جدول امتحان شهر أكتوبر لطلاب الصف السادس الابتدائى فى الجيزة    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    عشاق الهدوء.. 5 أبراج مش بيحبوا الضوضاء والزحمة    تسليم 14 طفلا لأسر بديلة كافلة في 8 محافظات بحضور وزيرة التضامن    اتهامات تزوير تلاحق رمضان صبحي.. وجنايات الجيزة تؤجل نظر القضية ل22 نوفمبر    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    التضامن: تحسين منظومة الكفالة وتطبيق إجراءات الحوكمة عند تسليم الأطفال    وزير الرى يتابع حالة المنظومة المائية وإجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه بزمام ترع الإسماعيلية والسويس وبورسعيد    الشروط والمستندات.. ما هي وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد؟    المغرب يحقق فوزه الأول في كأس العالم للناشئات تحت 17 سنة    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر.. أميرلاي السينما السورية
نشر في القاهرة يوم 15 - 02 - 2011


في هذه اللحظات المليئة بالأسي، ونحن نودع السينمائي الكبير والمفكر المعارض عمر اميرلاي.. نري الحزن وقد ابتلع خريطة دمشق الفنية والثقافية..نشعر بعظم الخسارة التي تكبدناها والتي لم تجئ إلا تتويجا لزمن الخسارات الذي نعيش فيه..كسا لون الحداد قلوب كل من احبوه.. وشحبت وجوه كل من عرفوه..وهب عمره وحياته لقضية الحرية.. وعاش يغذي شجرة نضالها الشامخ ضد الكبت والقمع وخنق الحريات.. رحل رجل النضال والحلم والمعني..رحل جسده الذي تحمل عبء الارض الثقيل، ولم يستطع اطالة الهدنة التي عقدها مع الموت فلم يتوقع هو نفسه ان يباغته فجأة ليرحل عنا ونرحل عنه..لكنه ترك لنا روحه الحالمة التي مازالت تبحث عن بقايا الحرية المسلوبة..مازالت تعدنا بعودة الحلم وانحسار الظلم واسترداد الحق..بني بداخلنا احلاما نشيد منها قصورا من الحرية والاستقلال..لم تكن اعماله الا سوطا يمزق به السلطة والتخلف والقمع والارهاب. اللقطة الأولي والأخيرة رحيل مفجع وموت مباغت لسينمائي راديكالي لم يساوم أو يهادن علي مشروعه في تحقيق أفلام تسجيلية مثيرة للجدل..المسافة بين اللقطة الأولي التي سجّلها في كاميراه الخاصة لتظاهرات الطلبة في باريس 1968، و«طوفان في بلادالبعث» (2003)، آخر شريط أنجزه، لم تفعل سوي تأكيد بصمته الشخصية. البصمة التي ظلت حاضرة بقوة في خلخلة اليقينيات، وإماطة اللثام عمّا هو مسكوت عنه. حين عاد من باريس إلي دمشق أواخر الستينات، بعد دراسة في معهد IDHEC السينمائي الذي كان معروفاً آنذاك. شقّ أميرلاي طريقاً جديدًا في التأسيس لمدرسة خاصة في الفيلم التسجيلي،كانت أفلام تلك المرحلة أقرب إلي الأفلام السياحية، فقرر أن يذهب إلي الضفة المضادة، مدفوعاً بنظرة طليعية في مقاربة قضايا وطنية ملحة، فذهب إلي الفرات في الشمال الشرقي للبلاد، لتوثيق أولي معجزات النهضةالاشتراكية حينذاك، وعاين عمليات بناء سد الفرات، فكان فيلمه الأول «محاولة عن سد الفرات» (1970). الفيلم الذي منعته الرقابة، لكن محاصرة حلمه الأول دفعته إلي التوغل أبعد، في مراودة قضايا أكثر سخونة مع سعد الله ونّوس، فحطّ الرحال في قرية طينية مهملة تدعي «مويلح» في دير الزور، وعايشا الحياة هناك بكل قسوتها. كانت حصيلتهما شريطاً آسراً بعنوان «الحياة اليومية في قرية سورية» (1974). الوقائع الفانتازية عن حياة بشر مهملين وغارقين في الوحل، تبدو في هذا الشريط كمقطع من مسرح العبث. بالطبع، منعت لجنة الرقابة عرض الفيلم. لكن، هل اعلن اميرلاي توبته؟ بالطبع لا. لكنه التقط مجازاً آخر أكثر عنفاً في فيلمه الثالث «الدجاج» (1977)، من دون أن يفاجأ هذه المرة بالمنع.. في الواقع، مُنعت كل أفلامه اللاحقة من العرض محلياً، إذا استثنينا العروض الخاصة، ليصبح صاحب أكبر قائمة من الأفلام الممنوعة في تاريخ السينما السورية. وفي مطلع الثمانينات هاجر إلي فرنسا علي خطي مخرج تشابه معه إلي حد كبير وهو الروسي أندريه تاركوفسكي الذي عاش ظروفاً مشابهة في بلاده. في باريس، عمل لمصلحة محطات فرنسية، وأنجز أشرطة سجالية عن شخصيات إشكالية مثل بيناظير بوتو، وميشال سورا، ورفيق الحريري. واكمل هذه السلسلة إثر عودته إلي دمشق بمشاركة زميليه محمد ملص وأسامة محمد، فأنجزوا أفلاماً عن فاتح المدرس، ونزيه الشهبندر، وسعد الله ونوس، قبل أن يجهَض المشروع لأسباب كثيرة. رؤية مبدع عمل أميرلاي علي الحدس في التقاط موضوعات أفلامه. لكن حالما تدور الكاميرا يكتشف أنه يخوض في حقل ألغام ورمال متحركة كاميراه تتوغل في المناطق المحرّمة وتشتبك مع الواقع مباشرة واستطاع عبر سينماه مزيجا من الروائي والمسرحي. أبطاله يظهرون من دون أقنعة، فلعل اللغة البصرية الاستثنائية التي كان يستخدمها في نصب الفخاخ أمام واقع ملتبس، أشبعت رغبته في الإخلاص للسينما التسجيلية من دون أن يخوض مغامرة روائية واحدة. ذكر مرة أنه لو فكر في إنجاز فيلم روائي سيختار رواية ماركيز «ليس لدي الكولونيل من يكاتبه» لكنه أهمل الفكرة لينخرط في مشاريع تسجيلية أكثر إلحاحاً علي مخيلته.. هكذا أتي فيلمه الأخير «طوفان في بلاد البعث» مرثية لأحلامه الأولي التي حققها في «محاولة عن سد الفرات». أغلق القوس علي عالم جحيمي تكشّف عن رؤية مغايرة عمّا كان يرجوه قبل أكثر من ثلاثة عقود في محاولة لتصحيح الصورة عبر محاكمة قاسية لا تخلو من نقد صارم لأوهامه القديمة. ناقش بنقدية ساخنة ما آلت إليه أوضاع البلاد وصرخ صرخة تحذير لتصحيح الاوضاع..وقال المخرج يحاكم نفسه علناً هنا، وعليه ان يحاكم فهو شريكا في السلطة.. خيبات متلاحقة الخيبات المتلاحقة التي تعرض لها في مشواره، وضعت صاحب «الحب الموؤود» (1983) أمام خيارات أخري في تفكيك هويته اليسارية، فعاد إلي المربع الأول لفحص علاماته الفارقة، وإزالة الغبش عن الصورة المهتزّة.. فراح ينبش تاريخه الشخصي، وينفض الغبار عن سيرة عائلية ملتبسة في مشروع سينمائي لم ير النور بعنوان «جدي العثماني»..اكتشف أخيراً جذوره الأولي بخليطها التركي والشركسي والعربي عن ذلك الجد الذي انحدر من بلاد الأناضول ليستقر في دمشق ويؤسس سلالة جديدة. مشروعه الأخير «إغراء تتكلم» الذي لم يبصر النور أيضاً، مرثية لحال السينما السورية، من خلال استنطاق ممثلة جريئة غامرت في الظهور عارية في فيلم «الفهد» (1972) مع المخرج نبيل المالح، وكيف تراجعت الذائقة السينمائية لاحقاً، ليمتدّ مقصّ الرقيب، ويمحو المشهد رقم 24 من الشريط، بعد سنوات من عرض الفيلم، بحجّة بند أخلاقي مستعار. الرحيل المباغت ووسط غياب رسمي تام ودعت دمشق عمر اميرلاي (1944-2011) بحضور حشد من المثقفين والسنمائيين السوريين واللبنانيين امثال رياض الترك، ميشال كيلو،اسامة محمد،محمد الملص، فواز طرابلسي ،سمير ذكري،عارف دليلة، أحمد معلا، محمد علي الأتاسي، هالة عبد الله، أسامة غنم، خالد خليفة، موفق نيربية، هالة محمد، سمر يزبك وديما ونّوس، عائلته وزملاؤه ورفاقه بدوا في ذهول عاجزين عن تصديق ما يجري، فيما كان جثمانه يواري في ثري مقبرة الشيخ ابراهيم بالقرب من ضريح الشيخ محيي الدين بن عربي علي تخوم جبل قاسيون. وكان الأصدقاء المفجوعون قد توافدوا إلي منزل السينمائي الراحل، غير مصدّقين أن القدر يمكن أن ينتزعه بهذه السهولة.. وجلسوا في الدار صامتين كما ليحرسوا جسده من العزلة المباغتة. آخر ما فعله أميرلاي كان التوقيع علي بيان تضامني مع «ثورة الغضب» المصرية، ثم سكت قلبه فجأة لتنتهي حياته.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.