كانت أمامي مئات من الشاحنات المضروبة بالأسلحة الأوتوماتيكية موضوعة في هذه الزاوية التابعة للقاعدة العسكرية الأميركية تذكارا مرتجلا لكل أولئك الذين قتلوا أو جرحوا في جزء من العراق.. إنهم أولئك المدنيون الذين ينقلون مواد عادية مثل الثلج والرسائل وماء الشرب والطعام وقطع الغيار للقوة المتعدد الجنسيات داخل العراق. كانت تلك الساحة مخصصة أساسا للمتعاقدين كي يتسلموا العربات المعطوبة التي تم استرجاعها ضمن العملية الهادفة إلى إبقاء الطرق خالية من الإعاقات داخل العراق، لكنها الآن أصبحت مكانا لتلك الشاحنات التي تعرضت لدمار كبير وتقف هنا مصطفة في خط أشعث. فوق سطوح العربات المعدنية تتضح طبيعة الهجمات حيث تفجرت خزانات الوقود من قنبلة زرعت على الطريق أو ثقوب في الإطارات من أسلحة نارية صغيرة واحتراق دواخلها. تلك المشاهد المريعة تجذب الناس الفضوليين والمتعاطفين إلى المكان المعروف باسم «بون يارد» لدى الأغلبية من الناس. وذلك الفناء له أيضا أمين بالعناية به، وهو سائق شاحنة سابق من ولاية هيوستن اسمه نويل بريدجز الذي كان يعمل في شركة «كيلوغ براون أند روت» التابعة لمجمع «هاليبرتون» الاحتكاري وهي تقوم بعمليات نقل الشاحنات المعطوبة وهي غالبا ما يوجه إليها الانتقاد على عقودها مع الجيش لتزويده بالتجهيزات من كل الأنواع. \r\n وقال بريدجز لاحقا إن الزوار والمتمنين بالخير هم أولئك الذين يستطيعون التفاوض مع المعنيين بالأمن المشدد داخل القاعدة وهم يستمرون بالمجيء. وأضاف «نحن نحاول أن نبعدهم لكن عدد المقبلين يظل ثابتا». \r\n فقدت شركة «كيلوغ براون أند روت» لوحدها 46 عاملا في النزاع وهذا يشمل 16 سائق شاحنة. فخلال يومين فقط من شهر أبريل الماضي تم إلحاق الضرر ب211 شاحنة أو تدميرها بالكامل، وقتل نتيجة ذلك سبعة سائقي شاحنات وما زال اثنان مفقودين حسبما قال كيث ريتشارد الذي يشغل منصب مدير المشروع الإقليمي لمهام الشركة الخاصة بالنقل والذي دافع عن طريقة تنفيذ الشركة لعقدها مع الجيش في مبنى الكونغرس بكابيتول هيل. \r\n وقال ريتشارد وهو يتنقل من هيكل مدمر إلى آخر ووسط صفير العاصفة الناحب «إنهم رجالي». ترقرق صوته تحت وطأة تأثير الريح والمشاعر «إنهم رجالي». \r\n وسط ذلك الفناء المعروف باسم «بون يارد» (الفناء الجيد) كانت هناك بقايا شاحنة حمراء وبيضاء وكانت كابينة السائق مشوهة جدا إلى الحد الذي كان ضروريا شدها بطوق ثقيل برتقالي اللون لمنعها من التساقط. كان سائقها هو الأول من الشركة الذي قتل في العراق في أغسطس 2003. وكان ذلك بسبب انفجار قنبلة موضوعة على حافة الطريق. والآن في صحراء الكويت اختفى الجزء الخاص بالسائق داخل الكابينة، وتظهر الثقوب الكبيرة في السقف أن الشظايا تطايرت مباشرة على الرغم من انهيار الجزء الأكبر من الكابينة على الأرض. \r\n أما السيارة الرياضية التي كانت تصفر أجزاؤها وسط العاصفة الرملية فقط ضربت أولا بقنبلة ثم لحقها رشقات من الأسلحة الأوتوماتيكية حفرت على جسدها 11 حفرة في الغطاء الفوقي مع ثقوب أخرى في السقف. وأدى ذلك إلى مقتل السائق وجرح الراكب. وأكلت النيران كل شيء لم يصنع من المعدن داخل السيارة. وليس كل هذه الخسائر تقع بين الشركات الأميركية فقط، فهناك أسماء عربية محفورة على سطح معدني مثل الشوري و لنابه والغازي. \r\n لكن ريتشارد المتألم أمام كل ذلك الإنتاج الإنساني للموت يقول إنه ليس من المؤيدين لفكرة تحويل «بون يارد» إلى نصب تذكاري دائم. «أنا بالتأكيد لا أحتاج إلى مشاهدة ذلك كل يوم». لكن بريدجز الذي يحتفظ بسجل هنا قال إنه حتى الجمال تأتي من الصحراء لتشم بفضول ما يجمعه فناء «بون يارد» من شاحنات وكأنها هي الأخرى مندهشة من سبب وجودها هناك. وقال إنها ستبقى حتى تقرر الحكومة الأميركية ما يجب عمله معها. وقال «مما شاهدته للطريقة التي تعمل بها الحكومة، فإن ذلك سيستغرق وقتا طويلا». \r\n \r\n *خدمة «نيويورك تايمز»