النواب الإسرائيليون يرفضون اقتراح المعارضة لحل الكنيست    بعد 6 أيام من الاحتجاجات.. ترامب يستعد لإرسال قوات لمدن أخرى    كييف تعلن مقتل 3 أشخاص وإصابة 64 آخرين في هجمات روسية جديدة على جميع أنحاء أوكرانيا    رابط نتيجة سنوات النقل في الجيزة رسميًا الآن.. المرحلتين الابتدائية والإعدادية    سعر سبيكة الذهب اليوم الخميس 12-6-2025 بعد الهبوط الجديد    طقس اليوم: شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 36    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    أسعار الفراخ اليوم الخميس 12-6-2025 بعد التراجع الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 12 يوينو 2025    ب"حظاظة غزة" الشهيرة، ريبيرو مدرب الأهلي يدعم القضية الفلسطينية (صور)    كمال الدين رضا يكتب: بطولة المليار دولار    سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الخميس 12-6-2025 بعد هبوطه في 9 بنوك    أعلى مستوى لها.. ارتفاع أسعار النفط وسط مخاوف من التوتر بين أمريكا وإيران    بعد تبرعه بنصف مليون جنيه، نجيب ساويرس يواسي نجل شهيد الشهامة خالد عبد العال (فيديو)    مصرع فني تكييف أثناء عمله في قنا    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..مدحت نافع: 3 أسباب تؤكد إيجابية قرار تخصيص أرض البحر الأحمر لخفض الدين العام .. الشيخ أحمد الصباغ تعليقًا على متصلة: «أنا عاوز أصوت على الهواء»    جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهتان في كأس عاصمة مصر    الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل نفسه.. ونتنياهو يضغط على الحريديم    السيطرة على حريق شب داخل عقار سكني بمصر القديمة    أثار البلبلة بمنشور غامض، أول قرار من الزمالك ضد أحمد حمدي    النجمة المكسيكية لين ماي دمرت حياتها بسبب أختيار خاطئ    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الابتدائية للعام الدراسي 2024/2025    العرب في عصر المعرفة.. مصر (3)    الآن حان دوركم لتدافعوا عن أمريكا حتى أقاصي الأرض، ترامب يقرع طبول الحرب بفيديو للجيش الأمريكي    ننشر أسماء أوائل الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالفيوم    حسن الرداد يرد على سخرية سفره لتشجيع الأهلي في كأس العالم للأندية (فيديو)    مسلم يعلن تعرض زوجته لوعكة صحية ونقلها إلى المستشفى    "عندها 15 سنة".. قرار جديد من النيابة بشأن عروس متلازمة داون بالشرقية    كاميرا وتسلل ذكي و8 ثوان للحارس، تعديلات تحدث ثورة تحكيمية بمونديال الأندية 2025    فيرمينو يتلقى عرضا من الدوري القطري    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    ترامب: لن نتهاون مع الفوضى وسنُعيد قوة الولايات المتحدة سريعًا    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    «الفشة» ليس لها أي أضرار أو تأثيرات سلبية على صحة الدماغ أو القلب    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    خلافات أسرية.. وفاة شخص وإصابة شقيقه في مشاجرة مع صهره بالفيوم    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لجمصة: رفع مستوى الخدمات استعدادًا للصيف    نائب محافظ دمياط تتابع معدلات تنفيذ مشروعات "حياة كريمة"    خاص| الدبيكي: لجنة قطاع العلوم الصحية تبدأ أولى خطواتها لإصلاح تطوير التعليم الصحي في مصر    صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    بعد تعافيه من عملية القلب، صبري عبد المنعم يوجه رسالة لجمهوره    international fashion awards" يُكرم منة فضالي بلقب "ملهمة الموضة fashion muse"    آكسيوس: نتنياهو يطلب وساطة أمريكا للتوصل إلى اتفاق مع سوريا    واشنطن بوست: احتمال انعقاد جولة تفاوض بين واشنطن وطهران مستبعد بشكل متزايد    ملف يلا كورة.. طبيب الأهلي يُطمئن ريبييرو.. عودة ميسي إلى ميامي.. وظهور غير معتاد لأحمد شوبير    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    مرتجي: تمنيت ضم زيزو منذ 3 سنوات.. وهذا ما قاله لي عن جماهير الأهلي    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    الطب البيطري: نجاح عملية ولادة قيصرية لقطة بالغربية -صور    استشاري يحذر من قلة النوم وتأثيره على الصحة العامة    المخرج محمد حمدي ل«البوابة نيوز»: نجوم السوشيال ليسوا بدلاء للممثلين.. والموهبة هي الفيصل    هل لديك نظر حاد؟.. اعثر على حبات جوز الهند الثلاثة في 12 ثانية    وزارة السياحة: تنسيق محكم وخدمات متميزة لضيوف الرحمن    محافظ المنوفية: لا تهاون فى مواجهة مخالفات البناء والتعامل بحسم مع أى تعديات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يستفيد التحول الديمقراطي في الصين من تركته المهملة ؟
نشر في التغيير يوم 13 - 09 - 2004


\r\n
ولكنها أيضا تركت جمهورية الصين الشعبية في حالة من التناقض الحاد بين اقتصاد السوق الذي تبنته حديثا والهيكلية السياسية المستوحاة من روسيا في عهد ستالين، والسؤال الحاسم الذي تواجهه الصين حاليا هو ما اذا كانت تستطيع ان تواصل سيطرتها على الهوة التي تزداد اتساعا بين نظامها الاقتصادي ونظامها السياسي المنسلخ عن عصره، خاصة اذا تحولت فترة الازدهار الاقتصادي الحالية الى أزمة اقتصادية.
\r\n
\r\n
لا احد يعرف الى أين تتوقع الصين ان تمضي، ولكن يصبح من الصعب اكثر فأكثر تخيل قدرتها على مواصلة التحول الى دولة اكثر استقرارا وذات طابع عالمي اكثر، من دون فهم اوضح لوجهتها السياسية النهائية، لقد قام الحزب الشيوعي الصيني حتى الان بمنع ذلك النوع من النقاش العام الموجه الذي يمكن ان يقود الى بلورة مثل هذه الرؤية.
\r\n
\r\n
وكما قال جياو غيوبياو، مؤخرا، فإن المفكرين الصينيين يفترض فيهم ان يتصرفوا مثل الاطفال الذين لا يتحدثون الى ذويهم، ولكن قادة الصين لا يستطيعون ان يحبطوا النقاش الى الأبد.
\r\n
\r\n
وعندما يحين الوقت للنقاش الوطني الصيني في النهاية، ما هي العملية التي قد يستخدمها الشعب الصيني لاختيار كيفية المضي قدما وما سيؤول اليه حاله؟ الى أين يتجه المفكرون والسياسيون والقادة الصينيون المعاصرون لاستقاء الافكار والنماذج الممكنة؟ وباختصار، كيف يتعين على الصين معالجة مهمة اعادة ابتكار نفسها سياسيا؟ ومن حسن الطالع، فإن الصين تستطيع ان تنظر الى ماضيها بحثا عن الافكار، ان لم يكن الحلول.
\r\n
\r\n
لقد أخفقت الكثير من النقاشات حول الديمقراطية في الصين لسبب محدد، وهو ان تلك النقاشات كان ينظر اليها على انها اميركية الطابع او اوروبية الجوهر، وبالتأكيد، فإنه عندما كان يتعلق الامر باحتمال استيراد افكار سياسية مباشرة من الغرب في الماضي القريب، كانت الصين تظهر شيئا أقرب ما يكون الى آلية رفض الجسم لزراعة الانسجة، وهذه الحساسية ازاء «الاستعارة الاجنبية» تعني ان الديمقراطيين الصينيين ينصحون في البداية باستغلال ينابيع المعرفة المحلية الخاصة بالفكر الديمقراطي لكي يكون النجاح حليفهم.
\r\n
\r\n
منذ 1949، كانت جمهورية الصين الشعبية دولة شمولية عملت، باستثناء بعض اللحظات المتقطعة، بصورة نظامية على الحد من النقاش الحر والمفتوح. غير انه من الاهمية بمكان تذكر ان تاريخ الصين الحديث لم يبدأ بانتصار الشيوعية في 1949، ففي الواقع انه في العقود الاولى من القرن العشرين عندما وجد الصينيون انفسهم اخيرا.
\r\n
\r\n
وبعد سقوط السلالة الامبراطورية الاخيرة في 1911، يبحثون عن بداية سياسية جديدة كانت الصين ارضا تختمر بالتفكير الحر والمساءلة السياسية والنقاش المفتوح والنقد الذاتي والبحث والكتابة، وفي ذلك الحين، كما هي الحال الآن، وجدت الصين نفسها في مرحلة من التحول العميق.
\r\n
\r\n
والنقاش الوطني الذي بدأ في السنوات الاخيرة من حكم سلالة كنغ خلال عقد السبعينيات من القرن التاسع عشر واستمر حتى الاحتلال الياباني في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين له علاقة واضحة بالتحديات المتعلقة بحاجة الصين الراهنة لإعادة ابتكار الهوية السياسية الذاتية.
\r\n
\r\n
لقد بدأ «عصر التنوير الصيني» هذا بأمثال كانغ يووي ويان فو وليانغ كيتشاو، وهم ثلاثة باحثين تلقوا تدريبا كلاسيكيا، ففي خضم بحثهم عن طرق لاصلاح انظمة بلادهم الامبراطورية المتعلقة بالتعليم والحكم لاعادة الثروة والقوة الى الصين توجهوا الى الخارج متخليين عن تقليد العزلة الكونفوشي.
\r\n
\r\n
واصبحوا بذلك اول جيل في الصين يتبنى الافكار والمؤسسات الاجنبية بما في ذلك الافكار المتعلقة بالملكية الدستورية والنظام الجمهوري والديمقراطية، التي كانت تعتبر غير تقليدية قلبا وقالبا ومرفوضة من قبل المؤسسة الامبراطورية، كما هي الحال من قبل الحزب الشيوعي حاليا.
\r\n
\r\n
وفي مواجهة افكار جديدة تتحدى الانماط التقليدية الكونفوشية والدعوات المصاحبة لها المطالبة بالاصلاح والثورة، انهارت سلالة كنغ لتغرق الصين في فترة من التغير الفوضوي، وبدأ المفكرون البحث بصورة ملحة عن اجابات ثقافية وسياسية جديدة، مما اوجد بيئة من الاستعلام، وتحطيم المعتقدات التقليدية .
\r\n
\r\n
والنشاط الفكري وبالاستماع الى بعض من هذه الاصوات التي يزيد عمرها عن القرن، يتضح ان الصين لا تملك تراثا من النقاشات الحيوية التي ركزت على اعادة ابتكار نظام حكمها فحسب، وانما ايضا حقيقة ان العديد من القادة والمفكرين الذين قادوا تلك النقاشات كانوا على درجة عالية من الذكاء والتطور، الامر الذي يعتبر ذا صلة كبيرة بالحالة الراهنة للصين.
\r\n
\r\n
وفي اطار انتقاده لسلطة الامبراطور الاحادية في نهاية حكم سلالة كنغ، دعا الاصلاحي كانغ يووي لعملية اصلاح شاملة، فقد كان احد المفكرين الصينيين الاوائل الذين يتمتعون بمنزلة اجتماعية تؤهلهم للقول ان التغيير هو القوة الاساسية والديناميكية في التاريخ وان الصين ستزول اذا لم تجد طريقة للانسلاخ عن التفكير التقليدي الذي يتمسك بالماضي باعتباره النموذج الوحيد للمستقبل، ففي مخاطبته للامبراطور الشاب غوانغ شو في 1898، اعلن كانغ بجرأة قائلا:
\r\n
\r\n
«اليوم، من الواجب حقا ان نقوم بالإصلاح، ولا يرجع هذا الى كوننا لم نتحدث عن الاصلاح، ولكن لانه اصلاح طفيف وليس اصلاحا تاما نحن نغير الشيء الاول ولكن لا نفيد الشيء الثاني ومن ثم تختلط الامور علينا بحيث تتسبب بالفشل وفي النهاية لا يكون هناك نجاح.. ان متطلبات الاصلاح هي ان يتم تغيير جميع القوانين والنظام السياسي والأنظمة الاجتماعية واتخاذ قرار بشأن أنظمة جديدة، قبل أن نسمي ذلك اصلاحاً».
\r\n
\r\n
وأضاف كانغ الذي كان لا يزال يتكلم في حضرة الامبراطور: «معظم الوزراء الكبار طاعنون في السن ومحافظون، وهم لا يفهمون قضايا تتعلق بالدول الاجنبية، وإذا كنتم جلالتكم ترغبون بالاعتماد عليهم في ادخال الاصلاحات، فسيكون الأمر كتسلق شجرة بحثاً عن السمك».
\r\n
\r\n
وعندما تمت الاطاحة بالامبراطور غوانغ شو دفع كانغ ثمن جرأته بأن نفي من البلاد، شأن العديد من المنشقين الصينيين المعاصرين الذين يعيشون في الخارج. إن دفاعه عن الملكية الدستورية شكل تهديداً للنظام الاوتوقراطي برمته الخاص بالحكم الامبراطوري من خلال تحدي فكرة التفويض السماوي، وهي الفكرة القائلة إن الحكم الامبراطوري يحظى بتفويض قوى كونية، تماماً مثلماً يعتقد في السابق أن ملوك أوروبا يحظون ب «الحق الالهي الخاص بالملوك».
\r\n
\r\n
\r\n
إن دعوة كانغ المسموعة لنوع جديد من الحكم كانت مختلفة بصورة جوهرية عن أي شيء سمعه الصينيون منذ ألف سنة، وكانت جريئة كالدعوات المعاصرة المنادية بالديمقراطية في مواجهة النظام السياسي الماركسي اللينيني الصيني. وكتب اصلاحي آخر هو ليانغ كيتشاو بعد لقائه مع كانغ يقول: «كان الأمر كحمام بارد بالنسبة لي، أو كضربة الى الرأس مباشرة بأدوات معلمي (زين)، مما جردني فجأة من دفاعاتي، وتركني مبهوراً لا أدري ماذا أفعل».
\r\n
\r\n
\r\n
وترك كانغ ليانغ وهو يشعر بأنه «مصدوم ومسرور مستشيط غضباً وشاعر بالندم، مرعوب وفي حالة من الشك».
\r\n
\r\n
\r\n
وبدوره فإن ليانغ وهو باحث كلاسيكي أصبح مهتماً بالأفكار الاجنبية اثناء تنقله في اليابان والولايات المتحدة، وسرعان ما بات مقتنعاً بأن علاقة الحكومة الصينية بمواطنيها تحتاج الى عملية إعادة صياغة جوهرية. وكتب بنهج نقدي عن التسلسل الهرمي السياسي الكونفوشي الذي كان يتطلب الطاعة من جانب الأدنى منزلة إلى الأعلى منزلة: عامل الناس كعبيد، واحذر منهم كما تحذر من اللصوص، وسيعتبرون أنفسهم عبيداً ولصوصا».
\r\n
\r\n
\r\n
في البداية، لم تجد هذه الاصوات المنتقدة للتقاليد القديمة آذاناً صاغية، وبخاصة من قبل الجماهير. ولكن مع تنامي هذا الاختمار الفكري، بدأت وسائل الإعلام الصينية أيضاً تخرج عن صمتها. فخلال الأشهر الستة التي اعقبت حركة الرابع من مايو (الحركة الشعبية في 1919 التي كانت تطالب «بالعلم والديمقراطية»)، بدأت حوالي 400 مطبوعة جديدة، بأسماء مثل «الجو الجديد» و«التعلم الجديد» تنشر رسالة الاصلاح.
\r\n
\r\n
\r\n
وكما اشار أندرو ناثان، الباحث في جامعة كولومبيا، فإن «الصحافة السياسية الجديدة سرعان ما تجاوزت الصحافة التجارية من حيث العدد والتوزيع والاثارة» ورحب ليانغ وزملاؤه من الناشطين بهذا التغير وكتب ليانغ يقول ان «الحكومة المؤتمنة من قبل الشعب هي خادمة الشعب وبالتالي، فإن اي صحيفة تنظر الى الحكومة بالطريقة نفسها التي ينظر بها اب أو شقيق أكبر الى إبن او شقيق أصغر، يعلمه عندما لا يفهم ويؤنبه عندما يرتكب خطأ».
\r\n
\r\n
\r\n
وفي محاولته صياغة العلاقة الملائمة بين الصحافة الصينية الوليدة والجديدة وشكل جديد من الحكم، كان ليانغ يحدوه الأمل بأن تكون بداية القرن العشرين هي الوقت المناسب لجلب «اكبر قدر ممكن من المبادئ العالمية» بحرية ال « الصين كوسيلة «لجعلها تسير على نهج الحداثة» وفي مقدمته التي وضعها في 1899 لكتابه «ملاحظات حول الحرية»، اقتبس ليانغ عن جون ستيوارت ميل قائلاً: «في خضم تقدم البشرية، ليس هناك شيء أهم من حرية التفكير والرأي والصحافة».
\r\n
\r\n
\r\n
كان يأمل ليانغ من خلال حرية التعبير، وهي فكرة كانت جديدة على الصين، ان يعلم «مواطنين جدداً» لمستقبل جمهوري جديد للصين وكتب يقول: «ان أي مجتمع حر ودولة جمهورية تحتاج فقط الى ان يكون لدى الفرد صلاحية الاختيار الحر وان يتحمل المسئولية عن أفعاله وسلوكه واذا لم يكن الحال كذلك، فإنه عندها لا يمتلك القدرة على تكوين شخصيته المستقلة واذا كان المجتمع والدولة لا يملكان شخصية مستقلة، فانهما سيكونان مثل الخبز من دون خميرة او الجسم من دون أعصاب.
\r\n
\r\n
ومثل هذا المجتمع ليس له امل اطلاقاً بالتحسن او التقدم» وفي اشارة الى احترامه للثورة الاميركية، فإن ليانغ استهل مقطعاً من احدى مقالاته بعبارة باتريك هنري الشهيرة «أعطني الحرية أو اقتلني!» ومضى يعلن في مكان آخر بأن «الحرية هي مبدأ عالمي وشرط ضروري للحياة وهو قابل للتطبيق في كل مكان».
\r\n
\r\n
ولكن، شأن كانغ والعديد من الباحثين الكلاسيكيين الآخرين الذين اصبحوا مفتونين بالاصلاح، كان ليانغ متخوفاً بشكل عميق ايضاً من التخلي عن المجموعة الكاملة للأفكار والثقافة والمؤسسات السياسية التقليدية، لئلا تفقد الصين اتجاهها وشعورها بالذات وتضيع وتصبح غير مستقرة انها بالتأكيد قصة صينية مألوفة: اصلاحيون يدركون ان المستقبل يتطلب تفكيراً وتحركاً جديداً وجريئاً ولكن التحرك بسرعة يخاطر بايجاد حالة من القلق والفوضى وهكذا، كان هناك ولا يزال خيطاً محافظاً عميقاً في معظم حركات الاصلاح السياسي الصينية.
\r\n
\r\n
ان ما يميز هؤلاء المفكرون الذين ظهروا قبل ظهور النظام الماركسي هو اهتمامهم بمزج الأفكار الاجنبية مع عناصر صينية لتطوير تركيبة جديدة وهم في صميم أنفسهم كانوا براغماتيين وليسوا مثاليين. وعلى الرغم من أنهم كانوا مشدودين للفلاسفة الفرنسيين وللتجربة التي دشنها المؤسسون الأميركيون الا أنهم قرأوا ايضاً اصحاب مبدأ المنفعة الانجليز والاسكتلنديين.
\r\n
\r\n
وقد كافح ليانغ ونظراؤه للتوليف بين هذه الخيوط موجبات الفردية، الحرية والديمقراطية والحاجة الى دولة قوية يمكنها ان تستعيد الوحدة والكرامة الصينية (بالطبع كان هناك توتر مشابه عند تأسيس الولايات المتحدة بين جون أدامز، الفيدرالي، وتوماس جيفرسون الجمهوري المثالي).
\r\n
\r\n
ومع تفكك الصين مع انتهاء عصر الامبراطورية، ركز ليانغ الجانب الأكبر من تفكيره على كيفية انشاء نوع جديد من سلطة الحكم الفعالة من دون تقييدها بالكثير من الديمقراطية وفي نهاية المطاف، وفي ليبرالية التوفيقية، فإن المصالح المتعلقة بالمجتمع والدولة ينتهي بها الحال دائماً تقريباً الى الانتصار على مصالح الفرد، فحقوق الانسان لم يكن ينظر إليها باعتبارها حقوقاً «طبيعية» (وليست «هبة من الله».
\r\n
\r\n
كما اعتقد الفلاسفة وجيفرسون) وانما كشيء ترغب اي حكومة ذكية بمنحه لمواطنيها من اجل تحفيزهم على العمل البنّاء.ان الاطار الفكري لليانغ، وبخاصة كما تطور في سنواته اللاحقة، اصبح يشكل نوعاً من القالب للفكر السياسي «الليبرالي» في الصين، وفي الواقع ان احد اولئك الذين تأثروا بطريقة تفكير ليانغ كان الطبيب الكانتوني صن يات صن، وهو زعيم وطني كرس حياته لعلاج شعور الصين بالمهانة عن طريق تشكيل حكومة جديدة، كانت قوية وجمهورية بالدرجة الأساسية.
\r\n
\r\n
وعلى الرغم من ان صن عاش معظم سنين حياته المؤثرة في الخارج، الا ان افكاره لاعادة صياغة الصين اصبح لها دور مهم في الجدل حول الكيفية التي ستحكم بها الصين من دون امبراطور، وقد قلل من قدر الصين كحكومة من الرمال السائبة «شبه المستعمرة» و«احدى أشد الأمم فقراً في العالم» وتتعرض لخطر «الضياع أو التدمير» على يد الهيمنة الاجنبية، واذا رغب زملاؤه الصينيون «بتجنب هذه الكارثة» فإنه يحثهم بالقول ان عليهم: «ان يتبنوا النزعة الوطنية وان يجعلوا هذه الروح الوطنية تنقذ البلاد».
\r\n
\r\n
وكان صن مناصراً للثورة المباشرة ضد سلالة كنغ، وليس للاصلاح التدريجي الذي يقود الى نظام الملكية الدستورية وقد تصور تطور نظام الحكم الجمهورية الصيني على ثلاث مراحل تقدمية، عن طريق عملية اسماها «الديمقراطية الموجهة»، التي ذكرها في عمله الكلاسيكي «مبادئ الشعب الثلاثة».
\r\n
\r\n
ولكن على الرغم من ان صن كان يؤمن بأن خلاص الصين سيأتي من الديمقراطية الأكبر، الا أنه كان يسعى وراء «حرية الأمة» وليس الحرية الفردية، وقد كان متخوفاً بالتأكيد من ان الافراط في الفردية والديمقراطية لن يؤد إلا إلى مفاقمة البلاء الصيني، ولذا فإنه من غير المفاجيء ان يكون هو الآخر قد دعا ايضا لتشكيل قيادة تنفيذية قوية ودستور مؤقت وتدريب الناس على الحكم الذاتي المحلي خلال فترة «النفوذ» المطلق وشأن ليانغ، كان بالكاد نصيرا للحقوق الفردية غير المقيدة.
\r\n
\r\n
ولقد أراد عملية تقود الى صين قوية تكون قادرة على الدفاع عن نفسها والوقوف في وجه القوى اللصوصية التي تسعى الى تمزيق اوصالها. كان ديمقراطيا ومضى ليصبح رئيساً للجمهورية الصينية التي لم تدم سوى فترة قصيرة، ولكن الديمقراطية، بالنسبة له كانت اداة لمساعدة الصين على التخلص من العلاقات مع الامبريالية الاجنبية وليست هدفاً بحد ذاته.
\r\n
\r\n
اما المفكر الصيني، الذي كان الاكثر تأثرا بمثل عصر التنوير وجيفرسون فهو الباحث هيوشيه الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة. فقد كان يحترم ليانغ وعلى غراره حاول ان يقرر طبيعة جوانب الليبرالية الغربية التي عرفها اثناء دراسية في الولايات المتحدة في الفترة 1910 1917 والتي تنسجم مع العناصر المنقذة في الثقافة الصينية التقليدية. وقد خرج هيو من الثقافة الجديدة وحركات الرابع من مايو متأثراً بكتابات ليانغ وكانغ.
\r\n
\r\n
وكانت هذه الحركات تتغذى بجيشان المشاعر الشعبية ضد الهيمنة الاجنبية التي نجمت عن معاهدة فرساي وولدت في اوساط المفكرين الاعتقاد بأن بقاء الصين كأمة يتطلب عملية اصلاح سياسية وثقافية. ولكن خلال هذه الفترة من تنامي القومية الصينية، ظل هيو مفتونا بصورة عميقة بالتجربة السياسية الاميركية وكان من دعاة افكار الحرية والديمقراطية والعلوم والتقدم وقداسة الحقوق الفردية. والحاجة الى نظام القانون لحماية تلك الحقوق. وكتب يقول بهذا الخصوص:
\r\n
\r\n
«ان حقوق الانسان لا يمكن ضمانها ولا يمكن ارساء نظام القانون من خلال تفويض غامض. فحكم القانون يعني انه لا يجوز لافعال مسئولي الحكومة ان تتجاوز القانون» وحتى بعد ان انهارت التجربة الجمهورية الصينية، وتحولت الى حالة من الانقسام يسيطر عليها زعماء الحرب، حث بلاده على عدم التخلي عن الديمقراطية..
\r\n
\r\n
وبخلاف صن، اعتقد ان الديمقراطية ليست امراً لا يتحقق الا بعد اعداد المواطنين لتقبله في فترة الحكم المطلق، بل انه اعلن ان «الطريقة الوحيدة للوصول الى الديمقراطية هي بالديمقراطية».
\r\n
\r\n
وفي الوقت نفسه رفض هيو بشكل ثابت فكرة الثورة الشاملة التي تبناها اولئك المفتونون بالماركسية واللينينية وبدلا من ذلك ابدى ميله لعملية تدريجية، يقودها اقتراض اجنبي عند الضرورة والتزام بالحقوق الفردية واعتقاد بالحاجة لوجود دستور قوي لحماية تلك الحقوق. ولكن هذا الالتزام بالعملية التدريجية لم يكن يعني ان هيو اعتقد ان من الممكن ان تقوم الصين باصلاح نفسها عبر ما اسماه «التطور الكسول» فقد نادى ب «الاصلاح الواعي» الذي يفترض مسبقا وجود التحليل الواضح والاهداف المحددة جيداً .
\r\n
\r\n
وايمان متنور بعالمية الحقوق الفردية وسرعان ما عمل هذا الاعتقاد على تمييزه وابعاده عن العديد من رفاقه المفكرين، الذين اغرتهم الماركسية.ان ما يذهل المرء اليوم حول النثر الانيق لهيو ليس فقط فضوله الفكري ومعرفته الواسعة وصدقه، وإنما ايضا حقيقة انه تصارع مع العديد من القضايا نفسها التي تواجه الجيل الحالي من الاصلاحيين الصينيين الذين بخلافه حرموا من الحرية لبحثها علناً .
\r\n
\r\n
وواجه هيو هذه القضايا مسبقاً، متجاهلاً قيود الفكر التقليدي ومستخفا بفكرة ان الصين قد لا تكون قادرة على مواجهة تحدي الاصلاح وكان يمثل ظاهرة نادرة في الصين: مفكر مستقل كان مثاليا وديمقراطياً.ان العودة للانغماس في بوتقة الاختمار الفكرية التي ميزت النصف الاول من القرن العشرين ومقارنتها بالحوار العام الراكد اليوم، من السهل تلمس الشعور بالحزن على وقت في الصين كان الحوار فيه شائعاً .
\r\n
\r\n
وكانت للأفكار والنقاشات اهمية وكان المفكرون منفتحين على العالم وقادرين على الحديث بحرية. كانغ يووي وليانغ كيتشاو وهيو شيه وصن يات صن كانوا مجرد عدد صغير من بين العشرات من المفكرين المعروفين الذين انخرطوا في السياسة وعاشوا اول وآخر عصر ليبرالي في الصين.
\r\n
\r\n
وبينما كانوا يستوعبون الافكار الاجنبية من كل نوع ويحاولون ان يزاوجوها للتقاليد الصينية القديمة فإنهم كانوا يصارعون جميع القضايا السياسية التي يمكن تخيلها وبخاصة كيفية اعادة صياغة علاقة المواطن بالدولة.هناك ديمقراطي صيني اكثر حداثة في هذا التقليد، وهو عالم الفيزياء الفلكية فانغ ليزهي نائب رئيس معهد العلوم والتقنية في الصين خلال اواخر الثمانينيات من القرن الماضي (قبل مظاهرات الطلبة في 1989).
\r\n
\r\n
وهي الفترة الاكثر انفتاحاً من ناحية سياسية والاكثر انتعاشاً من ناحية فكرية منذ حركة الرابع من مايو قبلها بستين عاماً. برز فانغ كشخصية مرموقة في 1986 عندما كان ينتقل من جامعة لاخرى متحدثاً من دون وجل حول افلاس نظام الحزب الواحد السياسي في الصين وحاجته الى العقلانية العلمية وحرية التعبير والتسامح السياسي وحقوق الانسان والديمقراطية والانفتاح على العالم الخارجي.
\r\n
\r\n
وبدعوته لبرنامج جديد من الاصلاح الفكري والسياسي، اطلق حملة انتقاد شاملة لحكم الحزب الشيوعي.وعملت خطب فانغ غير الخاضعة للرقابة على شحن الطلاب. وسرعان ما اخذوا يمررون نسخا من نصوص بخط اليد في جميع انحاء البلاد. ولكن بروز فانغ الكبير كأول منشق عن المؤسسة الصينية دق ناقوس الخطر بالنسبة للقادة في بكين وجعلهم يفصلونه من وظيفته ويطردونه من الحزب الشيوعي ومن ثم الى المنفى. وشأن الاصلاحيين الآخرين المعاقبين، تراجع الآن الى هوامش المسار السياسي الصيني وبات مهملاً الى درجة كبيرة.
\r\n
\r\n
ولكن في الوقت الذي تصارع الصين للعثور على بدائل للتركة الماركسية اللينينية الماوية لجمهورية الصين الشعبية، فإنه يتعين تشجيع القادة السياسيين على عدم نسيان حقيقة ان الصين لديها تركة اخرى يمكنها الاعتماد عليها: كادر من المفكرين المؤسسين الذين تصوروا طريقاً نحو الانفتاح والديقراطية بل وضحوه في لغتهم الام.
\r\n
\r\n
ان خطبهم وكتاباتهم المنسية تقبع في المكتبات والاراشيف الصينية بانتظار اعادة اكتشافها تماماً مثلما قبعت الاعمال الكلاسيكية اليونانية واللاتينية معزولة في اديرة العصور الوسطى بانتظار النهضة.
\r\n
\r\n
\r\n
عميد كلية الصحافة بجامعة كاليفورنيا
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.