\r\n وفي حين أن هذه الأرقام تعلو وتهبط، ومع العلم بأن الاستثمارات المباشرة لا تشكل إلا وجهاً واحداً فحسب، من وجوه تدفق رؤوس الأموال، إلا أنها تشير على رغم ذلك، إلى أنه سيكون على الولاياتالمتحدة الأميركية، أن تخوض معركة ضارية خلال القرن الحالي الحادي والعشرين، كي تترجم حصتها المالية من الاستثمارات الدولية، إلى نتائج مباشرة ومنظورة، في زيادة الوظائف والصناعات المستقبلية. وعلى أية حال، فإن الاقتصاد العالمي يشهد تحولات واضحة، وبات وضعنا في أعلى قمته، يواجه تحديات كبيرة لا يمكن الاستهانة بها. \r\n \r\n وبالرغم من هذه الحقائق الاقتصادية التي تثبتها الأرقام، فإن أنظار إدارة بوش لا تزال منصرفة إلى وجهة أخرى مختلفة جداً. وربما كان هذا أمراً طبيعياً، بالنظر إلى ما تعرضت له البلاد من مهددات كبيرة لأمنها القومي، مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما بعدها. لكن وللأسف، فقد أوضح تقرير لجنة التحقيقات في تلك الهجمات مؤخراً، مدى فداحة الخسارة التي تكبدناها، جراء ضعف أدائنا الاستخباراتي والأمني خلال الفترة السابقة لتلك الهجمات. وإن كان ثمة درس أساسي لا يزال علينا تعلمه من الفترة السابقة، فهو أن من الخطأ بمكان، أن تنصرف كل أنظارنا وجهودنا، إلى مهدد واحد فحسب، في حين نهمل بقية المهددات الأخرى، التي لا تقتصر على الجبهة الأمنية وحدها. وعليه، فإنه لا مناص لنا بالطبع من مواصلة حربنا ومكافحتنا للإرهاب، وتفكيك شبكاته وخلاياه وكسر شوكته. غير أن هذا الواجب لا يتعارض مع ضرورة إعادة القضايا الاقتصادية مرة أخرى، إلى قائمة أولى أولوياتنا في ذات الوقت. \r\n \r\n ومثلما يقر القانون ضرورة وضع استراتيجيات لحماية وصيانة الأمن القومي، فإن الاقتصاد القومي، تقره هو الآخر قوانين أخرى، عدا تلك المكتوبة، وفي مقدمتها الرغبة الذاتية في تنمية الاقتصاد وترقية أدائه، فضلا عن الحس السليم، والمسؤولية القيادية في رسم مستقبل وحاضر الأمة. وفيما لو فشلت استراتيجياتنا وسياساتنا في التوأمة بين هذين الجانبين من مفهوم الأمن القومي -أي الأمن بمفهومه العسكري والاستخباراتي، والأمن الاقتصادي- فإننا سنكون قد قدمنا لأعدائنا وشبكات الإرهاب الدولي، باقة من الانتصارات على طبق من ذهب، وهي من نوع الانتصارات التي لا يحلمون مجرد حلم، بتحقيقها بمفردهم وجهودهم الخاصة. وتتمثل هذه الانتصارات في تآكل مواردنا وقدراتنا، وتحول قوتنا إلى ضعف وهزال، وتراجع مستوى الحياة التي دأب عليها الأميركيون. \r\n \r\n كما أشار تقرير المنظمة آنفة الذكر، إلى حقيقة مزعجة أخرى. فالإحصاءات الواردة فيه، تقول إن حجم تدفق الاستثمارات المباشرة إلى الأسواق النامية، قد شهد قفزة كبيرة خلال العام المالي 2002-2003. وأشارت الأرقام إلى أن معدل هذا التدفق قد تجاوز ستة أمثال ما كان عليه في العام المالي السابق للفترة المذكورة آنفا. ووفقاً للاستنتاجات التي توصل إليها محللو \"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية\"، فإن أسباب إعادة توجيه رؤوس الأموال الأجنبية إلى سوق مثل الصين، لا تعود إلى مبررات سهلة تبسيطية، مثل أن الصين توفر سوقاً للعمالة الرخيصة، إلى غيره من التفسيرات التبسيطية الأخرى. ورد المحللون هذا التحول إلى أسباب أعمق وأهم، في مقدمتها الوعد الاقتصادي والمالي الذي تبشر به الصين وأسواقها. وأهم سمات هذا الوعد، هو الاتجاه المتصاعد للقوة الشرائية هناك، حتى في حال حدوث أي انخفاض في الأجور. ووفقا لهذا التحليل، فإن جاذبية أسواق العمل الواعدة هذه في الوقت الحالي، ستكون هي نفسها أسواق المستهلكين الواعدة والمغرية في الغد. غير أن هذا التحول الأخير، سيحدث تدريجياً وببطء نسبي، نوعاً ما. \r\n \r\n وفي الوقت ذاته، فإن الصورة التي تقدمها الولاياتالمتحدة عن وضعها الاقتصادي للمستثمرين الدوليين، هي صورة شائهة ومختلة، نتيجة لتجاهلنا لأهم المبادئ الاقتصادية والدبلوماسية. فالرسالة التي بعثنا بها إلى دول العالم ومستثمريه خلال السنوات الأخيرة، هي أنه لا توجد لدينا صعوبات أو مشكلات اقتصادية نعاني منها. وفي الواقع، فإن الولاياتالمتحدة تواجه صعوبات ومشكلات اقتصادية جمة، بدءاً من المديونية الكبيرة، والعجز في الميزانية الحكومية، وانتهاءً بالالتزامات الواسعة الضخمة، التي لا نستطيع توفير موارد مالية كافية لتمويلها. ولكل هذه الأسباب، فإنه ليس مما يثير الدهشة أن تشهد اتجاهات المستثمرين وحماسهم ورغبتهم الاستثمارية، تحولا كبيراً وملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، التي طرأت فيها هذه التغيرات. \r\n \r\n وبعيداً عن الخوض في تفاصيل مشكلاتنا الداخلية، فيمكن القول إن كبراها على الإطلاق، تفوق أي تهديد يمثله الإرهاب لأمننا القومي. فحسب الإحصاءات المعنية برصد حجم عجز الموازنة الحكومية، فإن على الأرجح أن هذا العجز سيزيد على خمسة تريليونات دولار أميركي، خلال العقد المقبل. ثم هناك عجز آخر، ماثل في الميزان التجاري. أضف إلى ذلك كله، عجزاً يبلغ حجمه الكلي 27 تريليون دولار، هي التزامات مستقبلية في القطاع الخدمي، من رعاية صحية واستحقاقات معاشية وما إليها، تجاه المواطنين الأميركيين. وبما أن الأرقام الخاصة بحجم المدخرات القومية، تشير هي الأخرى إلى انخفاض واضح في المدخرات، فإن ذلك يعني أننا سنكون في حاجة إلى المزيد من الدعم الحكومي، لتمويل الخدمة المعاشية. إلى ذلك، لابد من إضافة المأزق الذي يواجهه اقتصادنا القومي في إنشاء وظائف جديدة، ومعالجة حالة العجز الذي تعانيه الرعاية الصحية عندنا، علاوة على مشكلات الطاقة ونظمها. فهل من تهديد أكبر من هذا لأمننا القومي؟ \r\n \r\n ديفيد جي. روثكوف \r\n \r\n أستاذ زائر لدى مؤسسة \"كارنيجي\" الوقفية للسلام، عمل سابقا نائب وكيل لوزارة التجارة عن سياسات التجارة الدولية في إدارة كلينتون \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n