منذ أن مال كبير موظفي البيت الأبيض اندرو كارد في الساعة الثامنة و45 دقيقة من صباح11 سبتمبر2001, ليهمس في أذن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش, قائلا أمريكا تتعرض للهجوم ولم يعد العالم كما كنا نعرفه من قبل, قامت أمريكا ولم تقعد, ومن حولها قامت دول أخري لكنها بعد فترة جلست واستأنفت مسيرتها, ورأت في النهاية أن الولاياتالمتحدة خرجت عن نطاق السيطرة. اليوم وبعد مرور عقد كامل علي الهجمات التاريخية, يبدو أن بعض العقلاء في الولاياتالمتحدة يراجعون الأمر برمته, ويتساءلون دون مواربة, الم نبالغ كثيرا في ردود أفعالنا؟ يصف المحلل السياسي, ديفيد روثكوف, في دورية فورن بولسي الأمريكية, كيف نجح بن لادن وبشكل مذهل في قيامه بهجوم منخفض التكلفة, منخفض المخاطر نسبيا, علي يد حفنة من البلطجية, ليتسبب في واحدة من اكبر عمليات المبالغة العسكرية في التاريخ, أنفقت خلالها تريليونات الدولارات, وقتل مئات الآلاف, وفقا لروثكوف,فإن بن لادن عندما استهدف وول ستريت وواشنطن لتوجيه ضربات ضد رموز القوة الأمريكية, وجه في الواقع- دون أن يدري- ضربه موجعة نحو صورتنا عن الذات.يكتب روثكوف أيضا تحدثنا عن9/11 كما لو كانت مساوية لهجوم بيرل هاربور, وبداية لحرب عالمية ضد أعداء عاقدين العزم وقادرين- نظريا علي الأقل علي تدمير نمط الحياة الأمريكية( علي عكس من حقيقية القاعدة التي هي عصابة متشرذمة من المتطرفين مع قدرات محدودة). تحدثنا عن الحروب الثقافية وعالم منقسم, سخرنا جميع نظمنا الأمنية لملاحقة بضعة آلاف من الرجال الأشرار, لقد أصبنا بالجنون. لا يقلل روثكوف من أهمية الهجمات فهو يري أنها غيرت أمريكا, وعلمتها الكثير, يقول: لا يمكننا السماح لأحداث استثنائية بان تشوه نظرتنا إلي كل من حولنا, تلك الأحداث مثل ثقوب سوداء في التاريخ تسبب التواء في نسيج الوقت والأحداث ثم يعود التاريخ لاستكمال دورته. أما جوزيف ناي, أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد والمساعد السابق لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي فيري انه بعد مرور عقد, لا تبدو9/11 وكأنها نقطة تحول تاريخية, يشير ناي, إلي أن ابرز تحولات القوي العظمي في هذا القرن هي زيادة تمكين اللاعبين غير الحكوميين, وان هجمات11 سبتمبر كانت توضيحا دراميا لهذا التحول, حيث قتل هجوم من جهات فاعلة غير حكومية عددا من الأمريكيين يفوق قتلي هجوم بيرل هاربور عام1941 علي يد الحكومة اليابانية, فيما يطلق عليه عملية خصخصة للحرب التي يري أنها قد بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي, وأنها في المقابل تستلزم مزيجا من القوة الصلبة والقوة الناعمة, ويري أيضا أن الإرهاب عبارة عن دراما سياسية, يمكن لأصغر فاعل أن يتنافس مع الأكبر من حيث القوة العسكرية, وان يضع جدول أعمال للعالم. أزمة11 سبتمبر2001 وفرت فرصة لجورج دبليو بوش للتعبير عن وسيلة سرد جديدة للأحداث وتقديم رؤيته للسياسة الخارجية الأمريكية لهذا القرن, كان بوش يري في نفسه زعيم عصر انتقالي, وصفه الصحفي الكبير بوب وودوارد, بأنه رجل يحب مزج الأشياء بعضها البعض لتغيير ما قد تبدو عليه.... كان ذلك مفتاحه للذهاب إلي العراق من الصعب تصور الحرب علي العراق بدون9/11, ووفقا لناي فانه بسبب فشله في فهم السياق الأوسع للتحولات الثقافية والسياسية, فقد وضع إستراتيجية جعلت الأمور أكثر سوءا, مهما كانت المنافع من إسقاط صدام حسين, إلا انه لم يعالج مشكلة الإرهاب, وكانت التكاليف تفوق بكثير المنافع, حيث ساهمت تريليون دولار من تكلفة الحرب علي العراق في خلق العجز في الميزانية الأمريكية, الذي ابتليت به البلاد اليوم, وفي النهاية تمكن بن لادن من إلحاق ضرر حقيقي بالقوة الصلبة الأمريكية, فضلا عن القوة الناعمة. لم يكن روثكوف أو ناي, أول من انتقدوا بشدة رد الأفعال المبالغ فيها من قبل الولاياتالمتحدة تجاه هجمات الحادي عشر من سبتمبر, فمع اقتراب نهاية إدارة بوش الابن, أشار الباحث الفرنسي أوليفييه روي, هو واحد من المحللين الأكثر خبرة والمخضرمين في مجال الإسلام السياسي, في افتتاحية هامة له في صحيفة هيرالد تريبيون الدولية عام2008, أن احتلال الولاياتالمتحدة للعراق, هو الذي تسبب في نهاية المطاف في خلق بعض الدعم العراقي لتنظيم القاعدة, وهو الذي قوي عمل جماعات إسلامية راديكالية في بلدان أخري أثبت التاريخ أن لها أهدافا ومصالح محلية تصطدم مع روح الجهاد العالمي التي تبناها تنظيم القاعدة. كان روي علي أية حال واحدا من أوائل من ناقشوا بشكل موسع وهادئ إلي حد كبير ما اعتبر من المحرمات التي يتجنبها الساسة الأمريكيون فقلة منهم جرؤوا علي القول, أن الولاياتالمتحدة بالغت في ردة فعلها.أما المؤرخ الأمريكي نيل فيرغسون, فيتساءل كيف سيحكم التاريخ علي قرارات قيادات الولاياتالمتحدة في ردها علي الهجمات ؟ ويري أن رد فعلها غير إلي الأبد وجه الشرق الأوسط, وتسبب في إحداث تغييرا جوهريا في ميزان القوي الدولية, يقول بعض المتشائمين, اقترحوا أن السنوات التالية ل9/11 كانت بداية نهاية القرن الأمريكي,في حين أكد آخرون أنه كان بداية لنوع مختلف من القرن الأمريكيكان فريد زكريا, قد أثار جدلا كبيرا العام الماضي, عندما كتب في مقاله الافتتاحي لمجلة النيوزويك التي يرأس تحرير نسختها الدولية, بوضوح كبير كانت11 سبتمبر بمثابة صدمة للنفسية الأمريكية والنظام الأمريكي, ونتيجة لها( يعني الصدمة), فقد بالغنا في رد الفعل.قوبل مقال زكريا بهجوم كبير من قبل وسائل الإعلام الأمريكية, لكنه اعترف ببساطة أن النتيجة التي وصل لها الآن, كان من الأجدر أن يصل لها صقور إدارة بوش عام2002 دون كل هذه الخسائر غير المبررة, خاصة غزو العراق. في لقاء له مع محطة الcnn قال نتيجة لضعف نظامنا السياسي فقدنا القدرة علي إجراء نقاش عقلاني حول9/11. كتب زكريا هل يمكن لأحد بعد تسع سنوات من9/11, أن يشكك في أن تنظيم القاعدة لا يشكل ببساطة هذا التهديد القاتل ؟... التنظيم الإرهابي الذي يتزعمه بن لادن غير قادر علي شن هجوم واحد كبير علي أهداف ذات قيمة عالية في الولاياتالمتحدة وأوروبا, في حين أنه قد ألهم الكثيرين من التنظيمات الجهادية المحلية الأصغر. الواقع أن زكريا قد أشار إلي أن الولاياتالمتحدة لديها ميراث طويل من المبالغات, واستغلال تلك المبالغات, علي نحو غير موفق غالبا, يقول: في الثمانينيات, كنا نظن أن الاتحاد السوفيتي يوسع قوته ونفوذه في حين انه في الواقع كان علي وشك الإفلاس الاقتصادي والسياسي, في التسعينيات, كنا علي يقين من أن صدام حسين يمتلك ترسانة نووية, في الواقع, مصانعه كانت بالكاد تستطيع إنتاج الصابون.ويقدم زكريا بعض الأرقام التي بدورها كانت مبالغة, واليكم بعض الأمثلة, منذ11 سبتمبر2001, أنشأت حكومة الولاياتالمتحدة أو أعادت تكوين ما لا يقل عن263 منظمة لمتابعة بعض جوانب الحرب علي الإرهاب, وقد ارتفع حجم الأموال التي تنفق علي المعلومات الاستخباراتية بنسبة250% لتصل إلي75 مليار دولار( وهذا هو الرقم المعلن). أي أكثر من بقية ما تنفقه دول العالم مجتمعة, وتم بناء ثلاثة وثلاثين مبني جديد لصالح الإدارات البيروقراطية الاستخباراتية, احتلت170 مليون قدم مربع, إي ما يعادل22 ضعف مقر مجلس النواب وثلاثة أضعاف مساحة البنتاجون, مقر الأمن القومي الأمريكي وضع علي بعد خمسة أميال جنوب شرقي البيت الأبيض, ليكون اكبر موقع حكومي بني خلال ال50 عاما الماضية بتكلفة قدرها3.4 مليار دولار, يعمل به230 ألف موظف, يقدمون50 ألف تقرير سنويا بمعدل136 في اليوم وهو بالطبع ما لا يتسني لأي إنسان أن يقرؤه وبدقة, ويعمل حاليا نحو30 ألف شخص علي وجه الحصر للتصنت علي المكالمات الهاتفية والاتصالات الأخري في الولاياتالمتحدة. ما زالت الخارجية الأمريكية, مثل كل عام علي مدار العقد الماضي, تحذر مواطنيها يوم الذكري المريرة من عدم السفر إلي إي مكان حول العالم, وترصد مليارات الدولارات لتأمين أجواء الولاياتالمتحدة ومواطنيها, بعد أن دفنت بن لادن وألقيت القبض علي معظم أعوانه, ما زالت تتعامل مع الحدث علي انه نقطة تاريخية لا يمكن تجاوزها, يري ديفيد روثكوف انه يجب السعي إلي وضع إطار عقلاني ل9/11 كحدث عظيم, وأبرز ملامح القرن, لكن مع الاعتراف بان ابرز سماته كانتالإلهاء الأكبر الذي منع أمريكا والكثيرين حول العالم من التركيز علي أكبر القضايا في عصرنا, يقول:كان ذلك الإلهاء والتكاليف المرتبطة به فرصة لانتصار بن لادن وهزيمتنا... انتصارنا النهائي سيأتي عندما نعود مرة أخري إلي أرض الواقع, ونستعيد الحس التاريخي ونسأل أنفسنا, إذا نظرنا إلي الوراء, ما هي التطورات الأخري التي وقعت خلال العقد الماضي وتجاوزت في أهميتها هجمات9/11.