\r\n من موقعه في حديقة باتري في مانهاتن, احدى ضواحي مدينة نيويورك كان بائع »الهوت دوغز« الباكستاني المتنقل جويد اقبال يجني ثروة من مهنته وتجارته البسيطة. والسر الحقيقي وراء رواج تجارته هذه كان يكمن في الموقع الذي اختاره لممارسة تجارته الرابحة, حيث ان ذلك المكان كان يطل مباشرة على نصب تمثال الحرية. ورغم ان تجارته قد توقفت منذ هجمات نيويوركوواشنطن, الا انه اصبح لديه متسع من الوقت لكي يمتع نظره هو الاخر بمشاهدة »الليدي ليبرتي« ولكن من دون ان يحقق اية ارباح. فبالرغم من جمال الطقس, فان الساحة التي يوجد فيها هذا التمثال الرمز ظلت خالية تماما من الزوار والسياح وبخاصة عند القمة او التلة الجنوبية المرتفعة لضاحية مانهاتن حيث كان هذا المهاجر الباكستاني يمارس مهنته. فزيارة »الليدي ليبرتي« كانت قبل الهجمات الارهابية الدموية من ابرز المحطات في اي برنامج سياحي سواء للرعايا الامريكيين او للسياح الاجانب الذين كان يقدر عددهم بحوالي مئة مليون سائح سنويا. ولكن بعد وقوع تلك الاعتداءات, فان القائمين على هذا الموقع, قرروا اغلاق المكان ومنع اي زائر او سائح من زيارته او حتى الاقتراب منه خوفا وتحسبا من وقوع هجمات ارهابية جديدة. \r\n \r\n واستغلت السلطات الامنية والاستخبارية الامريكية حالة الرعب والخوف والترقب هذه للقيام بحملات ملاحقة واعتقالات ضد كل من يشتبه به وزجه في السجون والمعتقلات بدون محاكمة. وكان المسلمون وكل من يحملون ملامح عربية وشرق اوسطية من ابرز ضحايا هذه الملاحقات والاعتقالات, حيث تعرض الالاف من هؤلاء الى عمليات اعتقال وتعذيب قاسية ومنافية لمبادىء حقوق الانسان ولا تختلف بأي حال من الاحوال عن عمليات التعذيب التي تعرض لها الاسرى والمعتقلون العراقيون على ايدي قوات الاحتلال الامريكية في سجن ابو غريب. بعض هؤلاء المعتقلين ومن بينهم الباكستاني جويد اقبال, خرجوا عن صمتهم وبدأوا يطالبون جهرا وعلانية بتعويضات عن الاضرار النفسية والجسدية والمعنوية التي لحقت بهم اثناء وجودهم رهن الاعتقال او التوقيف. \r\n \r\n عشر سنوات امضاها المواطن الباكستاني اقبال وهو يحاول تحقيق حلمه بالعيش الكريم في واحة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في الولاياتالمتحدة, وتجميع الثروة التي كان يحلم بها على الطريقة الامريكية وبمجرد وصوله الى الارض الامريكية استأجر مسكنا متواضعا في احد احياء نيويورك وعمل في بداية الامر كعامل محطة لتوزيع الوقود, ثم عاملا في احد المتاجر. وكسواه من الرعايا الاجانب تزوج امرأة امريكية ام لثلاثة اطفال حيث قام بتبنيهم قبل ان يشتري عربة صغيرة قرر استخدامها كوسيلة للعيش والرزق حيث حوّلها الى مطعم صغير متنقل لبيع »الهوت دوغز« واختار ميدان »الحرية« لممارسة مهنته الجديدة. \r\n \r\n لكن كل ذلك تغيّر وتبدل في الثاني من تشرين الثاني 2001 . فبعد مرور اسابيع قليلة على هجمات نيويوركوواشنطن اقتحمت قوة من رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي FBI منزل الباكستاني اقبال البالغ من العمر 37 عاما وقامت باعتقاله بتهمة الاشتباه بعلاقته بالارهاب وبتنظيم القاعدة, وما تبع هذا الاعتقال العشوائي وغير المبرر, وصفه جويد اقبال بما تعرض له من سيل من الشتائم والتهديدات من جانب موظف الاعتقال الامريكي الذي بادره بالقول »اهلا بك في الجحيم«. \r\n \r\n امضى اقبال زهاء عشرة اشهر كاملة في احد مراكز التوقيف التابعة لسجن بروكلين, سبعة اشهر منها امضاها في زنزانة منفردة دون محاكمة او اي نوع من انواع التحقيق. وخلال تلك الفترة استطاع اقبال ان يسجل عريضة اتهام مكونة من 44 صفحة ضد ظروف وملابسات اعتقاله, وضمنها كذلك مطالبة بالتعويضات, حيث نجح في بداية شهر ايار من عرض مذكرة الاتهام على محكمة فرعية تابعة لضاحية بروكلين. ومن حسن حظه تشاء الصدفة ان يتم عرض قضيته في نفس اليوم الذي نشرت فيه مجلة »نيويورك« الاسبوعية صورا عن فضيحة التعذيب السادي في سجن ابو غريب, ولم تكن هذه المصادفة الموازية الوحيدة بين الحالتين. ويقول اقبال ان المعتقلين والموقوفين كانوا يتعرضون الى ممارسات تعذيب وحشية وغير انسانية وعمليات ضرب واهانة متواصلة على ايدي العاملين في المركز بوساطة السياط الجلدية والسلاسل الحديدية وبضرب رؤوسهم الى الحائط والتهديد بتعذيبهم حتى الموت. ويستطرد قائلا: »كانوا يجبرونني على خلع كل ملابسي والقيام بحركات وممارسات جنسية شائنة ومعيبة وكانوا يوجهون لي مختلف صنوف الشتائم ويصفونني بين الحين والاخر بانني ارهابي مسلم, ويحرمونني بالتالي من ممارسة شعائري الدينية كالصلاة, كما يمنعون عني الطعام والماء, بحيث فقدت نصف وزني تقريبا. وبعد حوالي تسعة اشهر من العذاب, جاءت لحظة الفرج وتمت تبرئتي من التهم الموجهة لي, وتم اطلاق سراحي ومن ثم ترحيلي فورا الى باكستان بحجة انتهاكي لقوانين الهجرة«. \r\n \r\n »امريكا هذه ليست امريكا نفسها التي عرفتها قبل زجي في السجن, فامريكا التي عرفتها لحظة وصولي اليها, كانت بلدا جميلا وحرا وديمقراطيا, وشعبها كان شعبا لطيفا ومضيافا, لكن امريكا الاخرى التي شاهدتها وانا رهن الاعتقال العشوائي كان لها وجها بشعا مغايرا تماما, وهو وجه قبيح بكل المعايير والمقاييس ووجه يعكس كل ملامح الظلم والاستبداد وانتهاك حقوق الانسان«. بهذه الكلمات كان جويد يحاور »نيويورك تايمز« في اتصال هاتفي معها. \r\n \r\n ومأساة جويد اقبال, ليست استثنائية, فهو لم يكن الا واحدا من الاف المسلمين الذين تعرضوا لمختلف صنوف الاضطهاد وسوء المعاملة. وهذا ما اكدته تقارير صحفية وابحاث لتقصي الحقائق قام بها المفتش العام بوزارة العدل الامريكية جلين فاين وكشف خلالها النقاب عن سوء معاملة المسلمين المقيمين في مختلف انحاء الولاياتالمتحدة في الاشهر التي اعقبت هجمات نيويوركوواشنطن خاصة في سجن بروكلين الذي خصص على ما يبدو للمسلمين فقط من دون غيرهم والذي كان يستقبل اسبوعيا اكثر من مئة معتقل او موقوف مسلم. وهذا ما اكدته منظمات حقوق الانسان الامريكية والدولية على حد سواء. \r\n \r\n ولعل قضية المواطن المصري ايهاب المغربي الذي تابع قضية المواطن الباكستاني اقبال باهتمام بالغ, لا تختلف من حيث المبدأ عن مأساة اقبال, حيث تمت الاغارة ليلا على منزله في ضاحية كوينز في نيويورك واعتقاله ونقله الى سجن بروكلين في نهاية شهر ايلول ,2001 اي بعد ايام قليلة من هجمات الحادي عشر من ايلول, بتهمة الاشتباه بتورطه بتلك الهجمات الارهابية. وظل رهن الاعتقال والتوقيف دون محاكمة لاكثر من عشرة اشهر, كما تعرض هو الاخر الى ممارسات تعذيب لا تقل بشاعة عن تلك التي تعرض لها اقبال والالاف من المسلمين الاخرين. \r\n \r\n كثيرون اخرون من العرب والمسلمين تحدثوا عن عمليات تعذيب مماثلة اثناء توقيفهم في السجون والمعتقلات الامريكية, ومعظم هؤلاء بدأوا يحذون حذو اقبال والمغربي في المطالبة بتعويضات. ومن بين هؤلاء الباكستاني سيد امجد علي جعفري واسيف الرحمن صافي الذي كان يعمل موظفا في شركة الطيران الباكستانية وكذلك الامام التركي ابراهيم توركمن. \r\n \r\n اكثر من 1200 مسلم جرى اعتقالهم في حملة الملاحقات والاعتقالات الاولى التي نفذتها السلطات الامنية والاستخبارية الامريكية منذ هجمات ايلول, ومعظم هؤلاء اعتقلوا بدعوى انتهاكهم لقوانين الهجرة ولتجاوزهم فترة بقائهم في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n وهكذا انهار صرح الحرية والديمقراطية بعد ان وقعت »الليدي ليبرتي« في الايدي الخاطئة والممثلة في ادارة المحافظين المتطرفين الجدد في واشنطن.0 \r\n \r\n »دير شبيغل« الالمانية \r\n \r\n \r\n