\r\n فبعد مضي 5 سنوات لا أكثر على التغييرات التي أدت إلى ولادة أوروبا الجديدة، حققت الديمقراطية خطوة عملاقة إلى الأمام في جنوب أفريقيا حيث تم بزعامة كل من نيلسون مانديلا وفريدريك دوكليرك إلحاق الهزيمة بنظام الأبارتايد (الفصل العنصري). وقد احتفل العالم قبل شهرين بالذكرى السنوية العاشرة لميلاد الديمقراطية في جنوب أفريقيا. والديمقراطية في جنوب أفريقيا هي، شأنها شأن الديمقراطية في جمهورية التشيك وفي سلوفاكيا، ذات أهمية قصوى للبلدان الأخرى في المنطقة. ولابد من أن يبقى المثل الأعلى للحرية مصدر إلهام وحافزاً لأولئك الذين يقاتلون في سبيل حقوق الإنسان في زيمبابوي. ومازلت أذكر حتى الآن بوضوح كيف هو العيش في بلد يكون فيه الحزب واقعاً تحت سيطرة حكّام من المكتب السياسي لحزب شيوعي، وفي بلد تُداس الحريات المدنية فيه بالأقدام ويقع الخطاب العام تحت سيطرة الأيديولوجيا التي تشرحها ثم تطبقها على عجل قلةٌ مختارة. فالدول هنا تسيطر على كل شيء، بل حتى على حياة المواطنين الخاصة. وهكذا يتم قمع المعارضة أو تجريمها. أما حرية الكلام والتعبير فهي إمّا مبتورة إلى حد خطير أو لا وجود لها على الإطلاق. \r\n لكن هذه المشاعر، في أية حال، ليست موجودة فقط في ذاكرتي. فما يجعلني أشعر بقدر كبير من الأسى هو أنها الآن واقع حي في مختلف أصقاع العالم. ويعلم قادة زيمبابوي أن المجتمع الدولي لن يتعاون معهم إلاّ إذا لبّوا متطلبات معينة. ولذلك السبب يحاولون الآن إعطاء انطباع بوجود الديمقراطية وهكذا يفلتون من العزلة الدولية؛ ولهذا السبب أيضاً يعمد هؤلاء إلى تحريف وتشويه الآليات الديمقراطية المعيارية لكي يخلقوا ما يوحي في ظاهره بأنه مشاركة من المواطنين. وفي الوقت نفسه، يعمد زعماء زيمبابوي إلى استحداث أدوات قانونية تنتهك حقوق الإنسان. أمّا المؤسسات الديمقراطية فإن الزعامة تسيطر عليها أو تلتف عليها وتطوّقها. \r\n وهناك تقرير نشرته هذه السنة «جماعة الأزمة الدولية»، وهي منظمة لا تسعى إلى الربح وتعمل في سبيل حل النزاعات. ويبيّن التقرير أن الكثير من أعضاء جناح المعارضة في برلمان زيمبابوي قد تعرضوا لمحاولات القتل العمد والتعذيب والاعتداء والاعتقال. وفي الانتخابات البرلمانية، عيّن الرئيس روبرت موغابي 20% من الأعضاء الذين صاروا برلمانيين هكذا ودون تفويض ديمقراطي. وقد درجت العادة على أن تترافق الانتخابات في زيمبابوي مع موجة من العنف المنظم والتخويف. وهكذا تعرّض القضاء المستقل، وهو أحد أعمدة الديمقراطية، إلى الخطر الشديد حيث تم حشو المناصب القضائية بأشخاص مؤيدين للرئيس روبرت موغابي. \r\n وهناك قانون تم تبنيه في زيمبابوي قبل الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في عام 2002، ويقتضي من الصحفيين تقديم معلومات تفصيلية عن أنفسهم. ولا يحصل الصحفيون على رخصة مزاولة المهنة في حال امتناعهم عن توفير تلك المعلومات. وقد تم استغلال هذا القانون المعروف باسم «قانون الوصول إلى المعلومات وحماية الخصوصية» لإغلاق الصحيفة اليومية المستقلة الوحيدة في زيمبابوي وكذلك لاعتقال أشخاص «للاشتباه في مزاولتهم الصحافة». وتطالب الدولة في زيمبابوي الآن باحتكار فعلي لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية؛ أمّا المراسلون الأجانب فصاروا في هذه الأثناء شيئاً من الماضي. \r\n وهناك قانون آخر يقيّد حرية التزامل والترافق والارتباط. وقد استغلت حكومة زيمبابوي هذا القانون الذي أطلقت عليه «قانون الأمن والنظام العام» لقمع أي شكل من أشكال الاحتجاج، وكذلك لتمنع جماعات المعارضة من ممارسة أي نشاط عام. ووفقاً لهذا القانون، تم اعتقال النساء بسبب قيامهن بتوزيع الزهور في يوم عيد فالنتاين (عيد الحب). \r\n إن الأسماء «الأورويلية» (نسبة إلى الكاتب جورج أورويل) مخيفة وتجعل القشعريرة تسري في الجسد، وهي أيضاً أسماء لها أهميتها. فالأنظمة الشمولية ربما تختلف من حيث بعض التفاصيل، أي من حيث طبيعة انحرافاتها ودرجة ابتكار واختراع ممثليها ونوابها ودرجة قسوتها ووحشيتها؛ غير أن كل الأنظمة الشمولية متشابهة تماماً في طبيعتها. وهكذا يتشابه الأسلوب الذي تتبعه المقاومة التي تواجه أنظمة من هذا النوع. \r\n وقد شعرت أنا بما شعر به الأسقف ديزموند توتو من الصدمة والحزن لدى رؤية انحدار زيمبابوي التي كانت بلداً ديمقراطياً في الماضي، حيث بات الملايين من الناس يعتمدون الآن على المساعدات الغذائية التي يقدمها المجتمع الدولي. فهذا البلد، على حد قول الأسقف توتو، صار ظلاً لما كان عليه في الماضي. لكن يحدوني أمل في أن زيمبابوي ستبتعد ذات يوم عن الظلال لتعود من جديد إلى مجتمع الأمم الديمقراطية. \r\n *رئيس تشيكوسلوفاكيا السابق، ثمّ رئيس جمهورية التشيك (1989-2003) \r\n \r\n نيويورك تايمز \r\n