كان قصر الحمراء، بسبب موقعه في شبه جزيرة أيبيريا، واحداً من أولى الروائع المعمارية الإسلامية، التي درسها الباحثون الأوروبيون، وفي القرن التاسع عشر أصبحت إصدارات مسهبة عن بهائه، متاحة بلغات عدة، وسرعان ما أصبح اسم قصر الحمراء مرادفاً للفخامة والترفق. وفي القرن التاسع عشر أيضاً، نافس الحمراء الريتز والأوديون كاسم يطلق على دور السينما، وهذه الشهرة مستحقة عن جدارة، حيث إنها تجسد وصول العمارة الإسلامية إلى أعلى ذراها في الغرب، فما من شيء تم تشييده في القرون اللاحقة قدر له أن يضارع الإبداع والفخامة في زخارفه، التي تشكل المجال الذي تميزت فيه العمارة في غرب العالم الإسلامي. قصر الحمراء استمد اسمه من المدينة الحمراء، وقد كانت القصور المشيدة فوق تل مرتفع، يطل من بعيد على غرناطة، أقرب إلى مدينة من القصور حقاً منها إلى القلعة التي تشمل أسوارها الخارجية، غير أنه لم يقدر إلا لقصرين فحسب من القصور الستة الأصلية أن يبقى، وهذان القصران يلقي عليهما بظلاله قصر ينتمي إلى عصر النهضة، باشر بتشييده الملك شارل الخامس عام 526، وكان معنى عمليات الهدم ،وإعادة البناء اللاحقة في جوار القصر الأقدم، أن سياقهما الحضري الأصلي لا يحتمل أن تتم استعادته. وبدلاً من أن يكون بهواه الآس والسباع بهوين في قصر واحد، فإن من المحتمل أن يكون قصرين مستقلين لهما مداخل منفصلة، فالمدخل القائم بينهما اليوم، استحدث في القرن التاسع عشر فحسب. وربما استخدم قصر الآس، الذي أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى شجيرات الآس، التي تحيط بالبركة الموجودة في فنائه المركزي، لإدارة شؤون الدولة بصفة أساسية. وهناك بالفعل غرف سكنى تابعة له على امتداد فنائه، ولكن هذا التوصيف من شأنه أن يتوافق على نحو متعذر مع موكب السفراء، الذي كان ينطلق إلى قاعة الاستقبال الرئيسة فيه. وهكذا فإن من المحتمل أن مقر الإقامة الرئيس الخاص بالسلطان كان في موضع آخر، وهو إما في قصر السباع، وإما في احد القصور التي طالها الدمار. ومن أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في قصر الحمراء، الشعر الذي يزين جدرانه ويلقي الضوء على تفسير مكوناته. ويضم الدهليز المفضي إلى قاعة الاستقبال في قصر الآس، قصيدة في مدح السلطان النصري محمد الخامس (الذي حكم خلال السنوات 1354-1359 و1362-1391)، والنصر الذي انعقد له لواؤه قرب جبل طارق في عام 1369. ويلفت نظرنا نقش في المكان المفضي إلى قاعة السفراء، يتضمن تشبيه القصر بالعروس في ثوب عرسها، الذي يتسم بالبهاء والكمال. وهذا المفهوم للقصر باعتباره متحدثاً عن نفسه، يتواصل داخل القاعة في الكوة المركزية المقابلة للمدخل، حيث نقرأ هذا البيت من الشعر: تبارك من أعطى الإمام محمدا مغاني زانت بالجمال المغانيا وتشير القصيدة نفسها إلى أن السلطان يوسف (1333-1354) قد اعتلى العرش في جلال، وربما من الممكن أن يكون قد وضع في هذا المكان نفسه. ونلاحظ أن آيات الذكر الحكيم والزخارف المنقوشة على الجدران، قد اختيرت بعناية لكي تحقق التناسب والتناغم، فالآية المدونة عند قاعدة السقف، التي تشير إلى خالق السموات السبع، نجد أنها تتناسب مع السقف المطعم بالأحجار الكريمة، الذي يضم 7 مستويات من النجوم. ومسقط قصر السباع يختلف تماماً عن مسقط قصر الآس، حيث نجد في القصر الأول بهواً معمداً رتبت فيه قنوات الماء بشكل متصلب، وهذه القنوات التي يغذيها حوض تحمله السباع التي منحت القصر اسمه، تتواصل على محور طويل إلى أجنحة صغيرة، وعلى الجانب غرفتان تتوج كل منهما بقباب مقرنصة هي أروع ما شيدته أيدي البشر، والنوافذ العديدة الموجودة عند قاعدة القباب تمكن الحواف العديدة للمقرنصات من أن تعكس الضوء المتغير، فيما هو يتباين على امتداد النهار. وعلى مسافة قصيرة من القصر الرئيس تمتد حديقة، بل في حقيقة الأمر بقايا قصر صيفي شيده السلطان إسماعيل (1314- 1250)، وبهوه الرئيس شأن بهو السباع، يضم حديقة رباعية غائرة الأجزاء. وقد شهد رحالة إيطالي في أوائل القرن 16 امتداد الآس وأشجار البرتقال هناك، التي حلت محلها الآن نباتات أكثر تمتعاً بالألوان المتوهجة. ونوافير المياه التي تمتد على جانبي القناة الرئيسة، هي نوافير حديثة أيضاً، ولكن الرحالة نفسه تحدث عن نافورة قريبة، يرتفع منها الماء إلى مسافة 10 أمتار في الهواء، وتماوج الماء في هذه الحديقة تقع عليه العين في الدرج، الذي يتصاعد إلى الأعلى، وكان يمكن التحكم في انسياب الماء الهادئ أو تحويله إلى شلال هادر من الماء يرفه عن الضيوف بنثار الماء. نوع المقال: عام