مما لاشك فيه بأن زيارة البابا فرنسيس الأول للمنطقة وتحديداً للأراضي الفلسطينية المحتلة، وبما له من مكانة دينية وأخلاقية وقيمية كبيرة في العالم،وتحديداً عند الغرب المسيحي،تحمل الكثير من الدلالات والمعاني الكبيرة والهامة، حيث أن مشاهداته ورسائله وانطباعاته ومواقفه، تعني لهم الكثير، وزيارته للمنطقة والأماكن المقدسة، لم تحمل معاني روحية ودينية فقط،فهو رسول محبة وسلام ويقف ضد الظلم والعدوان والإضطهاد لكل أبناء البشر،أياً كانت معتقداتهم ومذاهبهم ولونهم وجنسهم،فهو في صلواته في كل الأماكن الدينية في القدس وبيت لحم وغيرها،دعا الى المحبة والسلام والتسامح والعدل،ونبذ خيار العنف،وتكثيف الجهود والمبادرات من اجل السلام ،ولكن في الجانب الآخر وفي رسالة واضحة للاحتلال رغم انه لم يتحدث علانية عن إنهاء الاحتلال،بل تحدث عن المعاناة المشتركة للفلسطينيين والإسرائيليين،إلا أننا نرى بأن تلك المقارنة ليست دقيقة، وهي تساوي بين الضحية والجلاد، فمن يعاني من جدار الفصل العنصري وتداعياته وتأثيراته على كل جوانب حياتنا ومعيشتنا ومستقبلنا والإذلال وامتهان الكرامة اليومي والبطش والحواجز والاعتقالات اليومية، هم الفلسطينيون دون غيرهم، ولكن رغم كل ذلك نقول بأن تلك الزيارة،فيها الكثير من التعاطف والوقوف الى جانب شعبنا ،وحقه في العيش بحرية وكرامة في وطن خال من الاحتلال، فالحبر الأعظم في زيارته لمدينة بيت لحم مهد المسيح عليه السلام، تظاهر ضد جدار الفصل العنصري على طريقته الخاصة، حيث ترجل من سيارته المكشوفة وتوجه نحو البوابة الحديدية الضخمة المنصوبة وسط جدار الفصل العنصري وأدى هناك لنحو دقائق معدودة صلاة خاصة أعطت الكثير من المعاني والدلالات،فهو يقول للاحتلال كفى للجدران والحواجز،فالجدران والحواجز،والعيش في "جيتوهات" مغلقة ودولة "ابارتهيد" هو أمر عنصري بغيض،لن يصنع سلاماً ويجب هدم هذه الجدران،جدران الذل والفصل،والاعتراف بحقوق الآخرين وتقديم التنازلات الجدية والحقيقية،هي من يصنع السلام،وتلك لم تكن اللفتة الوحيدة من قداسته تجاه شعبنا،والتي نرى أنها تتقدم على مواقف الكثير ممن يدعون الوقوف الى جانب شعبنا وحقوقه من العرب والمسلمين، في الوقت الذي يتآمرون عليه،ليس فقط في السر، بل واصبح ذلك عند البعض منهم في العلن. والبابا لم يكتف بالتظاهر على طريقته الخاصة ضد جدار الفصل العنصري، بل زيارته لمخيم الدهيشه والتقاءه بلاجئي شعبنا،فيه أيضاً في الذكرى السادسة والستين لنكبة شعبنا رسالة ومعاني سياسية،فهو يقول بأن هذا الشعب الذي سلمه بطاقة تموين كأول لاجيء ومجسما على شكل مفتاح، تأكيد منه على حق العودة الى وطنه وأرضه التي طرد وشرد منها قسرا،بأنه آن له ان يعود الى دياره ووطنه،وتنتهي معاناته،وان يعيش بحرية وكرامة،وايضا كان لقاؤه مع أهالي أسرانا وممثلين عنهم،والذين يقبع أكثر من (5200) منهم في سجون الاحتلال وزنازينه وأقسام عزله،ويخوض الآن لليوم الرابع والثلاثين اكثر من (120) معتقلا إداريا منهم معركة الأمعاء الخاوية،معركة الإضراب المفتوح عن الطعام،من اجل نيل حريتهم،حيث يجري اعتقالهم وفق قوانين جائرة من عهد الانتداب وأنظمة الطوارىء،بدون اية ادلة وبراهين وإثباتات، وبدون محاكمة،فقط حقد أجهزة مخابرات اسرائيل ومزاجيتها،هي التي تتحكم في مصير المعتقل،والذي يمدد اعتقاله لمرة ومرات. أهالي أسرانا طالبوا البابا بالتدخل والضغط على حكومة الاحتلال من اجل نيل حريتهم، وتحسين شروط وظروف اعتقالهم، وكذلك الإطلاق الفوري لسراح من يتهددهم الموت في اي لحظة من الأسرى المضربين عن الطعام، هؤلاء الذين قال جهاز المخابرات الإسرائيلي"الشاباك"،أنه معني بموت العديد منهم في السجون،بما يثبت مدى حقد وعنجهية الاحتلال وأجهزته،وضربهم عرض الحائط،بكل القوانين والمواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية. ولم ينس أبناء شعبنا في لقاءاتهم مع قداسة البابا،ان يذكروه بمعاناة المبعدين وأهاليهم،مبعدي كنيسة المهد الذين مضى على إبعادهم اكثر من (12) عاماً،دون ان تسمح حكومة الاحتلال لهم بالعودة،رغم تعهدها والتزامها بالسماح بعودتهم بعد ثلاث سنوات،ولكن حتى جثة من استشهد منهم لم تسمح بعودتها. وأيضاً في زيارته للمسجد الأقصى،شرح له وأطلعه مفتي الديار المقدسة،الشيخ محمد حسين ووفد الأوقاف والشخصيات المقدسية،ما يتعرض له المصلون من مضايقات يومية،تمنعهم من تأدية شعائرهم الدينية،والوصول للمسجد الأقصى،وما تقوم به حكومة الاحتلال من انتهاكات بحق الأقصى من اقتحامات يومية وحفريات أسفله وحوله وبالقرب منه. تلك الحقائق والمعانيات اطلع عليها، البابا وشاهد بأم عينه،كيف تقوم إسرائيل بقمع الفلسطينيين، ومنعهم حتى من استقباله. فالحبر الأعظم الذي،حمل رسالة محبة وسلام،فهو ايضاً كان حريصاً،على التأكيد بأن دولة الاحتلال لها حق العيش في دولة وبحدود آمنة ومعترف بها،كذلك أكد على حق شعبنا في العيش في دولة مستقلة قابلة للحياة،وهو يدرك بأن الوضع في المنطقة قابل للانفجار،بسبب تعنت إسرائيل ورفضها الاعتراف بحقوق شعبنا،وحقنا في الحرية والاستقلال، ودعا الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" ورئيس دولة الاحتلال شمعون بيرس،من أجل زيارة الفاتيكان وإقامة صلاة خاصة بالسلام في بيته ،وتلك الدعوة والرسالة التي استجابا لها،هي تحمل معاني سياسية، تحمل استمرار التفاوض من اجل تحقيق السلام،على قاعدة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، مقابل الاعتراف بدولة الاحتلال في حدود آمنه ومعترف بها، فانهيار المفاوضات وتوقفها، يعني بان الأوضاع، قد تتجه نحو خيارات أخرى، خيارات من شأنها ان تدفع بالأمور نحو الانفجار والخروج عن السيطرة،وهو ما لا تريده كل الأطراف المتفاوضة. وفي النهاية تبقى زيارة البابا لفلسطين، زيارة محبة وسلام، زيارة تضامن ووقوف ومشاهدة والإطلاع على حقيقية ما يرتكبه الإحتلال من انتهاكات بحق شعبنا،وما يتعرض له من ظلم وإضطهاد يومي وعلى مدار الساعة، وليعمل قداسة البابا وليستخدم ثقله الديني والأخلاقي والسياسي، من اجل أن يوضح للغرب المسيحي الإستعماري،بأن شعبنا الفلسطيني، من حقه العيش في وطن حرا مستقلا، ينعم فيه أطفاله بحرية كباقي أطفال بني البشر. رابط المقال: دلالات ومعاني زيارة البابا للمنطقة