ما تفعله الولاياتالمتحدة الأميركية وحلف الناتو مع روسيا حول الأزمة في أوكرانيا، ينظر إليه الكثيرون على أنه استدعاء لحالة الحرب الباردة السابقة، وسعي لصناعة عدو جديد يمكن من خلاله إعادة حشد الدول الأخرى، وخاصة الأوروبيين، خلف قيادة واشنطن، بهدف استعادة الهيمنة والنفوذ الأميركي على الساحة الدولية.. هذا النفوذ والهيمنة التي تراجعت بشكل ملحوظ بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، التي أعلنت بعدها واشنطن الحرب على ما أسمته «الإرهاب الدولي»، كعدو جديد بديل للاتحاد السوفييتي الذي انهار عام 1991، والذي بفضل ظهوره على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، استطاعت الولاياتالمتحدة فرض نفوذها ونشر قواعدها العسكرية في مختلف أنحاء العالم. الوضع الاقتصادي في أوكرانيا مأساوي للغاية، ويرى خبراء الاقتصاد الغربيون أن مساعدة الاقتصاد الأوكراني للتعافي والنهوض، مهمة مستحيلة على الأوروبيين الذين يعانون بشدة من تداعيات الأزمة العالمية، ولا يستطيعون مساعدة دول أوروبية أوضاعها أفضل بكثير من أوكرانيا. لقد ترك الأوروبيون والأميركيون روسيا تستعيد القرم دون اتخاذ إجراءات أو عقوبات حاسمة ضدها، وهو أمر متعمد، في رأي البعض، حتى يظهروا روسيا في شكل الدولة المستعمرة والمعتدية على سيادة جيرانها، وما زالت الآلة الإعلامية الغربية تعمل بجدية في هذا الاتجاه. وأوحت واشنطن للسلطات الانقلابية في كييف بأن تشن هجوماً عسكرياً واسع النطاق على الجنوب الشرقي من أوكرانيا، في المدن والأقاليم المحتجة ضد السلطة في كييف والمطالبة بنظام فيدرالي، وواشنطن تعلم أن هناك ملايين من الروس يسكنون هذه المدن والأقاليم، وهو أيضاً أمر متعمد حتى تستفز روسيا للتدخل العسكري في أوكرانيا، مما يزيد من تصويرها كدولة متوحشة ومعتدية. وإمعاناً في الاستفزاز استخدمت القوات القادمة من كييف أشد أشكال العدوان على هذه المدن،.. والذي وصل إلى حد إشعال النيران في مبنى النقابات في أوديسا الذي يحتمي فيه المئات من النساء والأطفال، مما أسفر عن مقتل أكثر من أربعين شخصاً وإصابة المئات. وكل هذا وغيره من العمليات الانتقامية والوحشية ضد المدنيين من الشعب الأوكراني، إنما يهدف للمزيد من استفزاز روسيا ودفعها للتدخل العسكري في أوكرانيا، وذلك حتى يثور العالم كله ضدها وتنجح الحملة الأميركية في صناعة العدو الجديد. وتدير فيه واشنطن العمليات داخل أوكرانيا، وبإشراف مباشر من رئيس الاستخبارات الأميركية الذي توجه إلى أوكرانيا سراً قبل بدء العمليات.. وكشفت موسكو ووسائل الإعلام الروسية عن وجوده مما اضطر واشنطن فيما بعد للاعتراف بذلك دون تقديم مبرر واضح أو شرح للمهام التي يقوم بها هناك، وفي الوقت نفسه تشن واشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو) حملات مقاطعة دولية لروسيا، بدأت مع بداية الأزمة بالإعلان عن عدم حضور قمة الثمانية الكبار في يونيو المقبل، والمزمع عقدها في مدينة سوتشي الروسية، والإعلان عن النوايا لاستبعاد روسيا من هذه المجموعة، وإن كان الأوروبيون ما زالوا مترددين في اتخاذ هذا القرار رغم إلحاح واشنطن. وفي الأسبوع الماضي أعلنت واشنطن أنها لن تشارك في منتدى الطاقة العالمي الذي تستضيفه موسكو هذه الأيام، كما مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً كبيرة على الشركات الأميركية لدفعها إلى مقاطعة منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، المزمع عقده في روسيا الأسبوع المقبل، وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض، إن المسؤولين الأميركيين أوضحوا لمسؤولي الشركات أن حضور اجتماع سان بطرسبرغ لن يكون لائقاً في ضوء «الانتهاكات الصارخة لوحدة أراضي دولة أوكرانيا وسيادتها». أيضاً، أعلن حلف الناتو عن مقاطعة الدول الأعضاء فيه لمؤتمر موسكو للسياسات الأمنية الذي سينعقد الأسبوع المقبل، وقال نائب أمين عام الناتو، ألكسندر فيرشبو، في أول مايو الجاري، «إن روسيا لم تعد تعتبر شريكاً للحلف، بل صارت عدواً». الأوروبيون لا يميلون إلى تصعيد الحملة ضد روسيا، وأعلنوا رفضهم لفرض عقوبات جديدة عليها، ولم يخفوا شكوكهم حول نوايا واشنطن ورفضهم لتدخل حلف الناتو في الأزمة الأوكرانية، لكن واشنطن والحلف مستمران في التصعيد.. بالطبع ليس من أجل أوكرانيا، بل من أجل تجسيد العدو الجديد الذي يأملون من ورائه استعادة نفوذهم وهيمنتهم على الساحة الدولية. نوع المقال: روسيا سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية