بمناسبة الذكرى 450 لميلاد الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير، المصادفة لهذا العام، أود أن أقدم للقارئ بعض أقوال مثقف عربي ترجم الكثير من أعمال شكسبير، وهو صديقي الراحل جبرا إبراهيم جبرا، وهذا المقال مأخوذ من مقابلة قديمة معه. يقول جبرا: "ربما كنت محظوظا بشكل خاص، لأني منذ صباي في القدس تعرفت على الأديب شكسبير، ليس من خلال الترجمات العربية، بل عبر اللغة الإنجليزية مباشرة. وفي سن الرابعة عشرة درست "يوليوس قيصر" في المدرسة، ولكنه لم يكن عملا سهلا يمكن اتمامه دون الغش، ومع ذلك أشكر معلم المادة القدير لأني استمتعت بها كثيرا. وفي السنوات الثلاث التالية، درست ثلاث مسرحيات أخرى بالطريقة ذاتها. وفي جامعة القدس العربية كانت المواد عميقة ومُتطلبة، ولم تكن تُدرس باللغة الإنجليزية فقط، وإذا لم تكن تحفظ القصيدة عن ظهر قلب، فأنت بلا شك في مأزق. وعلى أي حال، هكذا كانت خبرتي الأولى مع دراساتي اللاحقة لشكسبير في جامعة "كامبريدج" وأماكن أخرى. وحتى خلال هذه السنوات وجدت أن الترجمة العربية المتوفرة لقصائد شكسبير، كانت في مجملها مملة وغير دقيقة، وغالبا ما كانت غير مكتملة. وخلال تلك الفترة بدأت فكرة أني يوما ما سأدلي بدلوي في هذه المهمة المستحيلة، من خلال تخمر فكرة ما ففي دماغي، وهي أن أوجد نسخة عربية من شكسبير، بقوة ألفاظه ذاتها وبمخيلته العميقة المثيرة للعواطف، وبالاستعارات ذاتها، وبالإيقاع الرائع ذاته". ويمضي قائلا: "قررت أن تكون النسخة التي قرأتها من مسرحية "هاملت"، عندما كنت في العشرين من عمري وأنا في منطقة "ستراتفورد أفون"، هي محاولتي الأولى للترجمة. ولكن إيجاد النسخة الأولى منها استغرق عشرين عاما، وكان عمري 39 عاما عندما بدأت بترجمتها. وبشكل متقطع استغرقت الترجمة عاما كاملا، كانت صعبة جدا ولكن ممتعة، وكانت طريقة رائعة للحفاظ على تركيز عقلي لبضع ساعات في اليوم، بعيدا عن رعب العام التعيس الذي مر على بغداد سنة 1959. وطبعت النسخة الأولى للترجمة عام 1960 في بيروت، ومنذ ذلك الحين بدأت نسخ أخرى بالظهور. وكانت ردة الفعل قوية على امتداد الوطن العربي". ويضيف جبرا: في عام 1967 أطلقت العنان لنفسي لترجمة "الملك لير"، وبكل تعقيداتها صدرت الترجمة في بيروت عام 1968. واستغرقت ثلاث سنوات قبل أن أبدأ بترجمة العمل الثالث لشكسبير، وهو مسرحية "كوريولانوس"، وكانت هذه مسرحية ذات سحر مميز بالنسبة لي. وفي أواخر 1974 وأوائل 1975 عشت وقتا عصيبا بسبب ظروف خاصة، وشكسبير جاء لينقذني مرة أخرى. وعادت بي الذاكرة إلى سن 18 عاما، حيث كنت قد قرأت مسرحية "العاصفة" لشكسبير لأول مرة بمتعة عظيمة. ولكني دائما كنت أشك أن "العاصفة"، وهي آخر جواهر شكسبير من الأعمال الفنية، ستكون أصعب أعماله المسرحية في الترجمة للعربية. ولكني قررت أن أترجمها ومضيت قدما في ذلك، وأنجزتها في فترة أقصر مما توقعت، والسر في ذلك أني ترجمتها برغبة شديدة. ومن ثم أردت المشاركة في عمل تراجيدي عظيم، يعرفه القراء العرب جيدا من بين الأعمال المترجمة لكتاب غربيين، وهو مسرحية "عطيل". وكانت قد ترجمت إلى العربية على يد الشاعر العظيم خليل مطران قبل الحرب العالمية الأولى. ولكن سواء كانت ترجمته جيدة أو سيئة، فقد شعرت بعد مرور 60 عاما أن المسرحية تستحق إعادة الترجمة مرة أخرى. لذلك بدأت بالبحث عن الكلمات العربية الصحيحة لترجمة هذا العمل العظيم، الذي أكملته في بضعة أشهر. ولكن كانت لدي رغبة في ترجمة عمل رابع له وهو مسرحية "ماكبث". ويكمل: في ربيع 1977 مرضت، إلا إني ظننت أن الترجمة قد تساعدني على الشفاء. وبعد إكمالي ترجمة "ماكبث"، قررت أني اكتفيت من ترجمة أعمال شكسبير، ومع ذلك شعرت أنه في يوم ما سأترجم أحب عملين كوميديين إلى قلبي، وهما "حلم ليلة في منتصف الصيف" و"الليلة الثانية عشرة". وفي كل مرة عزمت فيها على ترجمة أحد أعمال شكسبير، كنت أمر بظروف شخصية عصيبة، رغم إقراري بأن الترجمة لشكسبير يجب أن تتم بمزاج المحب، أو بمزاج من يقاسي سكرات الموت، ومن دون ذلك فالترجمة ستكون على الأغلب ضعيفة.. وبالتالي وجدت أن شكسبير لعب دورا مهما في حياتي. نوع المقال: عام