في وجود حالة الاستقطاب الحادة وغير المسبوقة في مصر الآن، فإن الغالب ألا يستمع كل طرف إلا لنفسه، وهذه بدوره يزيد من حالة الاستقطاب المريرة. في مثل هذه الحالات نحتاج أن نسمع لغيرنا - أحيانا - ممن يطالعون المشهد المصري عن بعد. من هؤلاء صحيفة (الفاينانشيال تايمز) البريطانية، ذات التاريخ الرصين في التحليل السياسي والاقتصادي. قدمت الصحيفة من خلال الكاتب/ ديفيد جاردنر رصدا للحالة الراهنة وتوقعاتها للمستقبل القريب. أهم الملامح التي رصدها المقال: - انتخاب السيسي رئيسا سيكون نهاية حقيقية لثورة يناير، وللمطالب الشعبية التي قامت بها وطالبت بحكم مدني. - السلطة الحالية - وبتحريض من الإعلام المحلي - تشن حملة تخويف شعبية هائلة تطالب بالاستقرار والأمن، وهذه من شأنها - بعد 3 سنوات من الثورة - أن تضمن تأييدا ساحقا للسيسي في الانتخابات الرئاسية. - قادة الجيش منحوا زميلهم السيسي رتبة المشير، ثم أعطوه الضوء الأخضر للترشح للرئاسة، ويبذلون جهودا شاملة من النفاق والتملق لتنصيب فرعون جديد لمصر. - قيادة الجيش بعد تسهيل إزاحة حسني مبارك عن السلطة عندما رأت أنه لا يستطيع أن يحكم البلاد، كان من المفترض أن ترجع إلى ثكناتها، ولكن إذا مضى السيسي في ترشحه فإن الانتفاضة العظيمة التي قامت منذ ثلاث سنوات ستنتهي. - إن السيسي الآن وهو يشعر بيد التاريخ تربت على كتفه، وحتى لو كانت مصالح مصر هي التي تشغله، فإنه من الصعب تصور طريق لمواجهة مشاكل مصر المزمنة. - نموذج السيسي يختلف عن نموذج مبارك، فالسيسي سحب السلطة بعيدا عن قوى الأمن الداخلية لصالح الجيش، ويختلف أيضا في أن للسيسي شعبية كبيرة بخلاف حسني مبارك. - بالنظر لما حدث منذ الانقلاب، فإن السيسي سيتوجه لمزيد من الحشد الشعبي بدلا من الإصلاحات الشاملة، وبالتالي سيبتعد الليبراليون والتكنوقراط عن النظام الحاكم (كما فعل زياد بهاء الدين مؤخرا). - إن إعلان النظام الحالي لجماعة الإخوان منظمة إرهابية، يدفع الإسلاميين تحت الأرض للعمل السري، ويقوم بتجريم حوالي ربع سكان مصر، وينشئ حالة من الجذب للتيارات الجهادية. - النظام الحالي ومن خلال الدستور الجديد، أسس لاستقلالية سياسية واقتصادية كاملة للجيش عن الدولة. السجون الآن ممتلئة، ليس فقط بالإسلاميين، ولكن - وبشكل متزايد - بالنشطاء العلمانيين الذي كانوا شرارة ثورة يناير. ولقد جاء تعبير د. أبو الفتوح عن الوضع القائم بأنه "جمهورية الخوف" منسجما مع ما يحدث. - إن موجة "النفاق والتملق" في الشارع المصري للسيسي سرعان ما ستزول، بسبب تفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مصر. - بعض الشخصيات التي كونت ثرواتها واستفادات من فظاعة نظام مبارك، بدأت تظهر مرة أخرى في القاهرة. هذا يحدث في الوقت الذي كانت مصر في أشد الحاجة لحوارات مجتمعية واعية ومؤسسات منتخبة لإيجاد السبل اللازمة لتوفير حياة كريمة للمصريين.