يجلس بجانبي في الطائرة، يرتدي "بدلة" كاملة بسيطة، أغلب الطائرة من العائدين من العمرة وليس من عادة المعتمرين ارتداء "بدلة"، تخطي الخمسين ببضع سنين، معه أخته وزوجها، سلم علي بحنان "أبوي"، لاحظت أن أخته تحمل حقيبته وتطمئن عليه كما لو كان إبنها! تحدث معي ففهمت الوضع، هو رجل كبير بعقل و"قلب" طفل! يفهمك جيداً ويستطيع أن يشرح وجهة نظره نوعاً ما، ارتحت له تماماً بوجهه "الطيب" وملامحه ونظرته البريئة تماماً، سألني عن أسرتي وحياتي ودعا بحرارة لي ولبناتي وزوجتي "وهو لايعرفهم" فأسعد قلبي فعلاً، ثم نظر لي بوجه واضح وقال "إنت شكلك طيب، وأنا عايز أسألك عن حاجة، هو أنا مش بقدر أحفظ أدعية وأذكار زي بقيت الناس .. بس لما بسافر أو أخرج من بيتي بأقول توكلت عليك يارب، ولما ارجع بالسلامة بقول الحمدلله وساعات بقرأ الفاتحة، هو كدة صح ولا غلط؟!" سكت تماماً وتأثرت بكلماته ولم أستطع التحدث للحظات، كان يتحدث بصدق وعفوية وبراءة مدهشة و"مفتقدة" ... ثم ابتسمت وقلت لاعليك ياحاج فأنت تتوكل علي الله عند الخروج وتحمده عند العودة، والأجمل ياسيدي هو أن كلماتك "حية" وتوكلك حقيقي وشكرك صادق مثلك ...! نظر لي بعيون "ممتنة" وشكرني وهو يبتسم ويهز رأسه. انتهت الرحلة فودعني بحرارة وكأنه يعرفني منذ سنوات، تركته بقلب منشرح وتساءلت ... لماذا يفقد البعض براءته وصدقه كلما نضج عقله؟ ولماذا عندما يتوقف العقل عن النمو، ينمو "القلب" ويصبح الإنسان أكثر روعة وأقل تكلفاً! فاللهم امنحنا قلوباً نقية ونفوساً تقية وصدقاً ووضوحاً دائمين، وبصيرة من عندك نعرف بها من يحبنا بصدق ويرغب لنا في الخير ويستحق مشاعرنا، ومن يكرهنا ويخدعنا ويتمني لنا الشر ويعبث بأحلامنا، ولاتحرمنا أبداً من صحبة الطيبين "الواضحين" ودعاؤهم المستجاب ... لاتحرمنا أبداً! عن الجسد الذي ينمو والعقل الذي توقف والقلب الذي يتسع للعالم بأسره!