السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة أبلغ من العمر 24 سنة سأعرض مشكلاتي بشكل مفصّل وأرجو أن يتسع صدركم لي، سأعرّفكم بنفسي قبل وبعد ما قابلته وما عانيته من مشكلات وابتلاءات من الله عز وجل. أنا كنت فتاة لديّ الكثير من الطموح والأحلام وتمنيت أن أغيّر الكون، وذلك من خلال توجيه وتعليم مجموعة من الأطفال بمبادئ دينهم وكيف يصبحون فعّالين في مجتمعهم يتركون بصمتهم إلى يوم القيامة، وكم كنت أتمنى أن أفتح ملجأ لأطفال الشوارع حينما يكون بمقدرتي فعل ذلك! وغيرها من الأحلام والطموحات والرغبة في فعل الخير. وبعد أن تعرضت لتخلي صديقتي عني في وقت شدتي، ومشكلاتي مع خطيبي بسبب تأخره لكي تكون خطبتنا رسمية، هو ابن عمي وما يسببه تأخيره من مشكلات جمة نظرا لظروفه السيئة بالخارج هو وغيره من جيراننا، فكل المشكلات التي تحدث لي بسبب خطبتنا لعدم موافقة والدته على هذا الزواج لن أعيش مع والدته بل سنؤجر منزلا بعيدا عنها، وجود عقربة تسكن تحتنا وهي زوجة عمي الآخر، فهي ترمي بكلام بذيء وتكذب وتنقل كلاما وتوقع بين الناس.. مشكلات مع خالي بسبب أنه سليط اللسان وكأن العالم كله قد اتحد ضدي فأصبحت بعد هذا تائهة.. والآن لم أعد أتذكر ما كنت أحلم به، وكأن طموحاتي وأحلامي قد تلاشت من أمام عيني، فلم أعد أذكر ما كنت أحلم به ولا ما كنت أتمناه من أن أغير ما أستطيع تغييره امتثالا لأوامر الله، فقد خلقنا الله لنعمر ونصلح في الأرض، فأين ذهبت تلك الأحلام، لا أعلم؟ لقد بكيت كثيرا وملأت الدنيا عويلا ولكن هيهات، فلن يحل ذلك مشكلاتي، فقلت لنفسي إن العالم لا يقف عند شخص بعينه.. فبحثت عن عمل في حضانة وفعلا أصبحت أعلّم الأطفال كما تمنيت ولكن ليس بذلك الحماس الذي كنت أتمناه فيما مضى، فشعرت أن ذلك ليس بالكافي، فبحثت عن عمل بجانب عملي في الحضانة وفعلا أصبحت أحفّظ القرآن للأطفال، وبجوار هذا أعطي درسا خصوصيا لطفل لديّ في الحضانة متأخر دراسيا بسبب مرض في عقله، والحمد لله بدأت معه من الصفر وأصبح في غضون شهرين فقط متفوقا جدا. ولكن بعد هذا كله أشعر بأني لا أقدم شيئا، مهما فعلت لا أشعر بقيمة ما أفعله، وأشعر أنه شيء تافه لا قيمة له، ربما لأنه ليس بذلك الحماس الذي كنت أشعر به سابقا، لا أعلم.. أنا من المذبذبين بين هذا وذاك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وذلك يعود إلى تربيتي التي نشأت عليها، فكانت أمي تشعرني دائما أنني السبب في دمار أي شيء رغم عدم وجود أي علاقة بأي شيء، فأصبحت إنسانة ضعيفة الشخصية، وأقسم بالله أني لوقت قريب جدا كنت أشعر أنني مخلوقة ليس لي أي حق في أي شيء، فكنت أستكثر على نفسي أشياء كانت من حقي وكأني لا أعرف كيف أصف هذا؟ أخاف جدا من أن آخذ أي قرارت وكأنها نهاية العالم، لو أخطأت في الاختيار أشعر أنني دائما وأبدا عاجزة غير قادرة على فعل أي شيء، وأتمنى لو تأخذ أمي القرار بدلا مني حتى لا أتحمل اللوم لو وقع خطأ ما، وكأني أريد أن أقول لأمي هذا ليس خطئي، لم أفعل شيئا، ليس أنا بل هذا اختيارك أنتِ فلا تلوميني.. أكثر من هذا وذاك أنا بداخلي تلك الفتاة التي حلمت دوما أن أكون، تلك الفتاة قوية الشخصية التي تتخذ قرارتها ولا تخاف من أي شيء وتثبت دائما ما دامت على حق، أنا تلك الفتاة الواثقة بنفسها التي تستطيع أن تغيّر وجه الكون.. أنا تلك الفتاة التي لا يؤثر عليها كلام غيرها، فهي ثابتة لا تتزعزع أبدا مهما حدث، أنا تلك الفتاة الشجاعة التي لا تنتحب ولا تضعف أبدا، فأنا أشعر أني شخصان في شخص واحد، علما بأن لديّ إرادة قوية جدا، فأنا عندما أريد شيئا أفعله مهما كلفني ما دمت أطيع الله ولا أؤذي أحدا.. وهذا آخر شيء.. عقلي توقف عن التفكير التام، لا أعرف كيف أفكر وكأني أتكاسل عن التفكير، لا أعلم ما هذا، كانت هذه مأساتي لكن الحمد لله فهذا ابتلاء من الله وقد كنت أشعر أن هذا سيحدث لي لأني رأيت رؤيا وأريد أن أقصها عليكم.. باختصار رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا وضمني بين ذراعيه وأقسم بالله أنني ما شعرت أبدا في حياتي بحنان وعطف وشفقة وكأنه يخبرني أن أصبر، فطلبت منه أن يدعو لي فقال ماذا تريدين، قلت أريد أن يهدي الله قلبي، فهز رأسه كأنه يقول تحققت في الحال فسألني ماذا أيضا فقلت له أن يحبني الناس جميعا فقال سيحبك الناس جميعا، وطلبت منه أن أكون جميلة فضغط على ذراعي وكأنه يطلب مني أن أتوقف عن الكلام لكي يخبرني شيئا، فنظر إلى السماء وكأن جبريل عليه السلام نزل له بالوحي فقال صلى الله عليه وسلم لي أبشري فإن ملك السعادة قادم، يقصد أنه إن كان للسعادة حدود فسأبلغ حدود السعادة. فأرجو مساعدتي لكي أستعيد نفسي.. آسفة على الإطالة.
sun_set
بسم الله ما شاء الله صديقة "بص وطل" العزيزة بارك الله فيكِ وأرضاكِ ورزقكِ السعادة وراحة البال آمين يا رب العالمين. أشكر ثقتك في موقعنا، وأرجو الله عز وجل أن يوفقني في الرد على إنسانة رزقها رؤيا رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم. أرى أن مشكلتك تتلخص كما ذكرتِ في عدم دراية ووعي أسرتك بأصول التربية الصحيحة، والاعتماد على أسلوب الترهيب، مما أدى إلى تذبذبك وترددك، والخوف من اتخاذ القرارات، والشعور الدائم بالذنب، وبأنكِ لا تقومين بأي شيء ذي قيمة. والنتيجة أنكِ تستكثرين على نفسك أشياء من حقك، وتفقدين لا إراديا ثقتك في نفسك، وتتخلين عن شخصيتك القوية وطموحاتك فقط لترضي الآخرين. عزيزتي.. أنتِ إنسانة أقوى مما تتصوري، بدليل أن طموحاتك وآمالك متعلقة بأشياء ترضي الله ورسوله، لكن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، وأنتِ عزيزتي أبتليتِ في معاملة والدتك لكِ من جهة، ومن جهة أخرى في معاملة من حولك. أختي الصغيرة.. أشعر بكِ جدا، فالإنسان الخلوق مرهف الحس الذي يراعي الله في كل أفعاله وأقواله يشعر أنه غريب في هذا العالم الذي نحيا فيه، وكلما اقترب من تحقيق ما يرجوه من رب العالمين وجد من العراقيل ما يثنيه عن تحقيقها، وبالتالي فلديه ثلاثة اختيارات. الاختيار الأول أن ينزوي بنفسه عن الآخرين ويفضل حياة العزلة حتى يتخلص من الشعور بالغربة أو المقارنة أو التذبذب، محاولا التخلص من الأذى والضغط النفسي الذي يتعرض له كلما تحدث أو تعامل مع أحد، فيتخلص أيضا من اللوم والعتاب والأكاذيب التي يلصقها به الآخرون، سواء نتيجة حقد أو غيرة أو حتى خوف زائد وعدم دراية بأصول التربية الصحيحة. لكنه بذلك يفتقد التجارب الحقيقية في الحياة، ويفتقد الخبرة في التعامل مع أصناف البشر المتناقضة مع شخصيته، ويكون عرضة أكثر للعديد من الأخطاء والمشكلات والاصتدام بأرض الواقع، خصوصا إذا كان إنسانا طموحا ولديه أهداف في حياته يريد تحقيقها. فإما أن يحبط وتتثاقل عليه الأمور ويخشى من كل من حوله، ويجد نفسه غير قادر على تحقيق أي شيء، وحتى إن حاول فيستغرق أضعاف الوقت والجهد، فالحالة النفسية تؤثر بالسلب على كل خطواته وتفكيره. وإما أن يدور في دوائر مغلقة ويزيد خوفه واغترابه ويشعر بقبضة قلب كلما ذهب لمكان عمل جديد أو تعرّف على أناس جدد، فيدخل في تجارب فاشلة ولا يحسن الاختيار أو التعامل مع من حوله، ولا يفرّق بين الصدق والكذب، المحب والحاقد، وتكون النتيجة واحدة، لنجده يذبل وتقل ثقته في نفسه وفي أفعاله، ويتوارى ويحجم عن تحمل أي مسؤلية.
والاختيار الثاني أن يتخلى تدريجيا عما يؤمن به من مبادئ وقيم فقط ليجد لنفسه مكانا بين الناس، ولا يشعر بأنه ضعيف يقف وحيدا بعيدا عنهم، "فالكثرة تغلب الشجاعة" ومهما كان هذا الإنسان شجاعا مقداما صاحب طموح ومبادئ، فمع حساسيته المفرطة وكثرة المتناقضين معه سلبا يشعر بأنه أضعف منهم جميعا، ويفتقد ثقته بنفسه، بل ويشعر بالذنب لأشياء غاية في البساطة لا تعد ذنبا من الأساس. وحتى إن لم يتخلَ عن مبادئه وطموحاته فإنه يقف وحيدا شريد الذهن والتفكير، يوسوس له الشيطان لماذا لا تتغير؟ وهل أنت على صواب أم الآخرون؟ قوة الشخصية في التغير لا في الوحدة، لماذا هم مجتمعون وأنت وحيد؟ لماذا لا يوجد من يحبك ويلتف حولك؟ خلي المبادئ تنفعك... إلخ. لكنه حتى وإن حاول التغيير من نفسه ليتفق مع الآخرين تجدينه أكثر غربة مع نفسه، ويمر بحالة صراع نفسي قوية ولا يحقق أي شيء في النهاية. أما الاختيار الثالث فهو أن يردد بداخله دائما وأبدا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". "علما بأن لديّ إرادة قوية جدا فأنا عندما أريد شيئا أفعله مهما كلفني ما دمت أطيع الله ولا أؤذي أحدا"، أختي العزيزة.. بسم الله ما شاء الله الخالق وحده! رزقكِ قوة إرادة وإيمان وطموح في تحقيق مبادئ تسعدين بها غيرك، وتشدين على أيديهم في طريق الخير. رزقكِ قوة شخصية وعقل واعٍ يفرق بين الصواب والخطأ، رزقكِ ثقة في نفسك وشجاعة تظهر في كل خطوات حياتك، فقط انظري وتدبري في خطواتك وأحلامك وطموحاتك وأهدافك، ولا تشغلي بالك في ما يقوله الناس ما دمتِ أرضيتِ الخالق، فماذا يهمك من المخلوق؟! نعم ابتلاكِ الله بأم فاضلة محبة لكنها بشكل غير متعمّد زرعت بداخلك خوفا وشعورا دائما بالذنب، فما عليكِ إلا أن تتقبلي هذه الأم، ولا تلتفتي إلى هذه التصرفات، ناقشيها بهدوء تام ولا تعانديها، لكن في نفس الوقت لا تتركيها تؤثر عليكِ سلبا، وتذكري نبي الله إبراهيم وكيف تعامل مع والده الذي لم يؤمن بوجود الخالق عز وجل، فهل أثنته معاملة والده له عن توصيل رسالته؟! وبالنسبة إلى أقاربك فالله وحده يحاسب كل من أساؤوا إليكِ، فقط ابتعدي عن أي تعامل مباشر معهم، وقولي حسبي الله ونعم الوكيل، وحده يسكت ألسنتهم عن الكذب في حقك، ويظهر الحق، ويجعل لكِ من يرد غيبتك. بالنسبة إلى خطيبك فأنا متيقنة من أن الله أرسل إليكِ رسائل ودلائل على صلاحيته لكِ من عدمها، فتدبري وتيقني وأكثري من صلاة الاستخارة والتوجه له تعالى، ولا تتأثري بكلام ووعود لا تتفق مع ما أمرنا به الله ورسوله، فمع أول موقف حقيقي تنكشف الأمور، ولا تقولي ابن عمي، فمع شديد الأسف أحيانا كثيرة لا تأتي الطعنة إلا من الأقارب. أما إذا كانت الأمور خارجة عن إرادته وكان يتقي الله في كلامه قبل أفعاله، فنصيحتي لكِ أن تعطيه مهلة، لكن لا تتحدثي معه إلا في أضيق الحدود، ولا توهمي نفسك أن مكروها سيصيب أيا منكما إذا كان البعد نصيبكما، فما خلقنا الله ليعذبنا، وتذكري قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. وأخيرا عزيزتي أكثري من شكر الله على نعمة التعلق به عز وجل، ورجاحة العقل وحنو القلب وسلامة النية وقوة الإرادة والشخصية، وأكثري من قراءة المعوذتين والأذكار، فالمؤمن مصاب وأنتِ ابتليتِ في ثقتك بنفسك، لكن الله ورسوله طمئنا قلبِك الطيب فلا تنظري إلى الخلف وتتركين فرصة للشيطان يعكر عليكِ صفو حياتك.