أنا عارفة إن الموضوع اللي عايزة أتكلم فيه مش دارج؛ بس الحقيقة إنه بالنسبة لي مهم جدا، وأنا بجد مخنوقة جدا. أنا وزوجي سافرنا لبلد عربي، ونظرا لزهقي من قعدة البيت والمصاريف اللي مش بتسمح بتوفير جزء من الراتب طلبت من زوجي العمل. وبعد العمل وجدت إن الناس هنا مختلفة عن مصر تماما؛ برغم كونهم مصريين؛ لكنهم أشخاص ماديين بطريقة غريبة؛ كل واحد منهم يحاول إنه ياخد فايدة على حساب ضرر الآخرين، كمان هم أحزاب، وأنا إنسانة مسالمة جدا، وكل يوم أروّح البيت دمي محروق، وأقول أنا ماليش دعوة بحد؛ بس برضه ألاقيني جوه مواضيع مش بتخلص.. ليه المصريين بقوا كده؟ elhabashy بعد الشر عليكِ من الخنقة، ويا رب ترجعي بالسلامة، وتقضي أيام الغربة على خير. عزيزتي.. الناس هم الناس في كل مكان ومن أي جنسية؛ لكن المشكلة في أن الغربة صعبة، تجعل معارفنا محدودين بشكل كبير؛ فلا نستطيع حينها اختيار الصديق المناسب لنا أو الذي يتفق مع شخصيتنا. أعلم جيدا أن الأصدقاء نعمة كبيرة من الله؛ لكن عزيزتي أنا أيضا كنت في إحدى الدول العربية منذ كان عمري 4 سنوات، واستقررت مع والدي ووالدتي في بلدي الحبيب مصر وأنا في المرحلة الثانوية. لا أكذبكِ القول، حينما كنت صغيرة كنت أحلم باليوم الذي نعود فيه، فقط من أجل الأهل الذين كنا لا نشعر بالسعادة إلا بقربهم؛ خاصة جدتي أطال الله في عمرها، وكانت والدتي صغيرة في السن، وكانت ربة منزل لا تعمل؛ لكنها أدّت وظيفتها التي خلقها الله لها على أكمل وجه، والحمد لله. صدقيني تعرّفنا على عدة أُسَر، ولم تتخذ والدتي إلا صديقة واحدة، وبعد فترة تأقلمت على الوضع، ونحن كذلك، وأُقسم لكِ أننا حينما عدنا للوطن الحبيب لم نجد ما كنا نتخيله من أصدقاء وأقارب. عزيزتي الناس هم الناس، وربما كان الخوف من المستقبل وتكبد متاعب السفر وما يصاحبه من ضيق نفسي، أو ربما ضعف الدين هو ما يجعل البعض يتعامل بطريقة تسيء للآخرين؛ سعيا لمكاسب مادية أو منصب أعلى وهكذا. وبالنسبة لكونهم أحزابا ويتدخلون فيما لا يعنيهم؛ بل ويحاولون إجبارك على الدخول في دائرتهم، فاعذريني لأنك أنتِ المخطئة لو توقعتِ أن كل هذه الأمور لا توجد إلا في الغربة؛ لكننا نلتفت إليها جدا؛ لأننا نستسهل ونُلقي بالمسئولية على الغربة، وفي الحقيقة أن كثيرا منا غرباء داخل الوطن؛ خاصة إذا اغتربنا عن أنفسنا. حينها يجد البعض أنفسهم مجبرين على الاختيار بين شيئين؛ الأول: أن يكونوا منغلقين على أنفسهم وعلى أسرتهم، لا يتحدثون مع أي أحد حتى الجيران؛ فتزداد الغربة قسوة وتزداد الأيام طولا؛ وهو ما يؤدي لمشكلات نفسية وخلافات أسرية لا حصر لها؛ خاصة بعد العودة لأرض الوطن.. الاختيار الثاني: الانصياع لرغبات الآخرين وترك الباب على البحري، ومسايرة البعض، ولا مانع من اللجوء لبعض النفاق ما دمنا قد خرجنا لمجال العمل حتى نضمن الحصول على زيادة في الراتب، أو حتى الثبات في الوظيفة. إلا أن الاثنين -ومع شديد الأسف- نسيا أن الأرزاق بيد الله عز وجل يقسمها كيفما شاء، وأن الانغلاق على الذات أو الانفتاح على الآخر بالشكل المبالغ فيه سيؤدي بالضرورة إلى اهتزاز الشخصية أو ضياعها وفقْد احترامنا لذاتنا؛ فما بالنا باحترام الناس لنا. عزيزتي.. نصيحتي لكِ ليست فقط أثناء وجودك في الخارج؛ بل أيضا لكل امرأة عاملة في أي مكان: كوني مع الله في كل كبيرة وصغيره يحفظك من أي مكروه، وتذكّري دائما أن الممسك على دينه كالممسك على جمرة من نار، وهذا كفيل بأن يُبعدك عن مجالس القيل والقال. ثقي في الله عز وجل، وفي أنه لا يريد لكِ إلا الخير؛ فحتى إن لم تُوَفّقي في وظيفة ما؛ فتأكدي من أن الخير في ذلك، وأنك كلما صبرتِ، جازاكِ الله خيرا كثيرا. ثقي في نفسك وفي قدراتك، ولا تجعلي أي إنسان في الدنيا يمسّ شيئا من هذه الثقة.. ومن أهم خطوات الثقة في النفس أن تقومي بكل واجباتك أولا نحو الله عز وجل، ثم زوجك الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". ولا تنسي أبناءك، وإذا لم يكن معكِ أبناء؛ فعليكِ الاستعداد لهم بنفس هادئة غير مضطربة، ثم نحو عملك بألا تؤجلي عمل اليوم إلى الغد. لا تثقي في الناس بسهولة، ولا تأتمني أي إنسان على سر، وتذكري دائما: "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك". لا تُقلقي نفسك كثيرا بشئون الناس وحسن وسوء سلوكياتهم؛ فهذا لن يزيدك شيئا؛ لكنه سينقص من راحتك واستقرارك النفسي. كوني بشوشة في وجه الآخرين؛ فهذه هي أخلاق المسلم الحق كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". لا تنتظري من كل الآخرين أن يبادلوكِ البشاشة أو كلمة حلوة؛ فالنفوس البشرية متغيرة متقلبة، ويكفيكِ أن تتذكري دائما وأبدا الحكمة: "إذا ساءك من أخيك قول فخُذه على ألف معنى؛ وإلا فاتهم نفسك بسوء الفهم". لا تنافقي الآخرين لأي سبب من الأسباب؛ ولكن أيضا لا تكوني فظة غليظة؛ أي تحلي بالحكمة في التعاملات. كوني صريحة، ولا تخشي في الحق لومة لائم، وقولي لأي زميلة إذا أرادت التدخل في شئونك: "عذرا أنا أقدّر جدا الخصوصية". احرصي على أن تكوني محل ثقة الآخرين وسرهم؛ فتزدادي احتراما في عيونهم حتى السيئين منهم. باختصار.. احفظي الله يحفظك، واستغلي كل دقيقة في عملك لصالح إنجاز مهامك، وصدقيني حينها لن تجدي وقتا للتفكير في ما يقوله أو يفعله الآخرون. دعواتي لكِ بالتوفيق، وأن يرزقك الله أنت وزوجك من حيث لا تحتسبان.