لو أن العقوبات الاقتصادية كانت مفتاح إجبار إيران على قبول قيود على برنامجها النووي، فهل سيكون لفرض مزيد من العقوبات تأثير أكبر؟ بالتأكيد، يعتقد ذلك منتقدو الاتفاق النووي المبدئي الذي أبرم مع طهران الأسبوع الماضي، رغم أنهم لم يستغرقوا وقتاً طويلاً ليشجبوه. ومن جانبه، ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن «هذا اتفاق سيء... سيء جداً جداً»، ووافقه المرشح الرئاسي الأميركي السابق نيوت جنجريتش قائلاً «إنه استسلام». وإذا كان من وجهة نظر إدارة أوباما ومعارضيها على السواء أن فاعلية العقوبات دفعت إيران إلى الجلوس على مائدة المفاوضات، فلما لا يتواصل النهج العقابي بدلاً من التسوية بناءً على اتفاق مبدئي لمدة ستة أشهر يسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم طالما أنها لا تزال ضمن الحدود التفاوضية؟! ويقلص الاتفاق بين إيران والقوى العالمية الست من مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، ويضع سقفاً لمخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، ويجعل من الصعب عليها تصنيع أسلحة نووية دون اكتشافها. ورغم ذلك، فإن ما أراده النقاد هو اتفاق من شأنه تجريد إيران من كافة أشكال التكنولوجيا النووية بصورة مباشرة، ويزعمون أنه في حالة رفض طهران، فلابد عندئذ من فرض عقوبات أشد تجبرها على الإذعان. وخطأ هذا المنطق من الناحية العملية أنه ليس هناك مزيد من العقوبات التي يمكن فرضها. وكانت العقوبات التي حاصرت بها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الاقتصاد الإيراني خلال العقد الماضي من بين الأكثر فعالية في التاريخ، وأدت إلى تقليص صادرات النفط الإيراني بمعدل أكثر من الثلثين منذ عام 2011، كما تراجعت العملة الإيرانية وقفز التضخم إلى أكثر من خمسين في المئة. غير أن جدوى العقوبات ترجع بصورة كبيرة إلى دعمها عالمياً، ذلك أن الدول التي طبقت التدابير العقابية لم تشمل الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والصين فحسب، ولكن أيضاً دولاً تجارية مهمة لم تكن على مائدة المفاوضات مثل اليابان وكوريا الجنوبية. ونادراً ما تؤدي عقوبات مفروضة من جانب دولة واحدة إلى إجبار دولة مارقة على تغيير مسارها، ومثال ذلك كوبا التي تخضع لحظر تجاري أميركي منذ ما يربو على 53 عاماً. لكن العقوبات التي تحظى بمشاركة واسعة النطاق حول العالم يمكن أن تجدي نفعاً، كما هي الحال مع إيران. والمشكلة التي تواجه الولاياتالمتحدة هي أن قدرتها على فرض عقوبات متعددة الأطراف يقيدها ما يرغب حلفاؤها في فعله، ولا علاقة لذلك بتراجع النفوذ الأميركي، فسواء أكان واقعاً أم خيالاً، فقد كان حقيقة أيضاً أثناء الحرب الباردة، ومرة أخرى تعتبر كوبا مثالا على ذلك. وفي هذه الحالة، يقول المسؤولون في إدارة أوباما والدبلوماسيون الأجانب، «إن دولا أخرى لا ترغب في فرض عقوبات جديدة على إيران طالما أمكن التوصل إلى اتفاق يبدو معقولا»، وهذا حقيقي ليس فقط في حالة الصين وروسيا، غير المتحمستين أساساً للعقوبات، لكن أيضاً بالنسبة لدول أخرى مثل بريطانيا. وقال مسؤول أميركي: «لن يكون بوسعنا جمع كافة الأطراف مرة أخرى إذا لم نقبل بهذا الاتفاق، وستبدأ العقوبات في فقدان زخمها». لكن من وجهة نظر المنتقدين، فإن حقيقة تخفيف بعض العقوبات من شأنه أن يسبب تلاشيها بالكلية، ويلفتون إلى أن الاتفاق المبدئي الذي تم إبرامه الأسبوع قبل الماضي سيسمح لإيران بالحصول على نحو سبعة مليارات دولار، معظمها من إيرادات نفطية في غضون الأشهر الستة المقبلة. وأوضحوا أنه بمجرد أن يحدث هذا النوع من التخفيف، فإنها ستكون مجرد بداية لا يمكن السيطرة عليها بعد ذلك. ويصر المسؤولون في إدارة أوباما على أن ذلك لن يحدث، وأنهم سيكونون متيقظين في مراقبة العقوبات المتبقية، مؤكدين أنهم «لن يغضوا طرفهم عن أي شيء». وفي الواقع، يرى المسؤولون الأميركيون أنهم يعتمدون على العقوبات المتبقية، التي ستحرم إيران من أكثر من ثلاثين مليار دولار من الإيرادات النفطية في غضون الأشهر الستة، وهو ما يمكن أن يجعل الحكومة في طهران حريصة على اتفاق طويل الأمد مع وجود قيود أشد على برنامجها النووي. ووعد أحد المسؤولين بأنه «في نهاية الأشهر الستة ستبقى العقوبات سارية، وليس معنى الاتفاق أن إيران ستكون خالية من الضغط في غضون ستة أشهر». وستكشف الأشهر المقبلة عمن كان الصواب حليفه ومن يجافيه. ولعله بمجرد أن يتذوق الزعماء الإيرانيون مذاق الانتعاش الاقتصادي الذي سيترتب على تخفيف طفيف في العقوبات، فإن شهيتهم ستتوق للمزيد. لكن أيضاً ربما تحاول إيران شراء مزيد من الوقت، وتقويض الدعم وراء العقوبات، وتتطلع إلى سبل لعزل الولاياتالمتحدة عن حلفائها، ومن بين أغراض الاتفاق المبدئي معرفة أي السبيلين ستسلك إيران. وإذا توجت المفاوضات بالنجاح، فسيسمح لإيران بمواصلة تخصيب كميات قليلة من اليوروانيوم -وهو تنازل قدمته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها- لكن في ظل رقابة صارمة تحول دون تصنيع طهران لأسلحة نووية. وإذا فشلت المفاوضات، فإن أوباما وحلفاءه يقولوا «إنهم سيحاولون تشديد العقوبات بدرجة أكبر، وسيكونوا محقين... لكن ليس قبل ذلك الوقت». نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية