الدستور بدأ بديباجة ومقدمة قيل أن الذي كتبها الشاعر الكبير "سيد حجاب" ، وأنا شخصيا أحترم موهبة هذا الرجل كثير وقد أهدانا بالفعل أعمالا فنية رائعة ، وله تأملات إنسانية تتسلل إلى عمق مشاعرنا بصدق وصفاء ، كما أن فيه من التواضع والروح الجميلة ما يندر في أبناء جيله من الشعراء ، ولكن تحميله كتابة ديباجة دستور الثورة كان توريطا حقيقيا ، لأن النص الذي خرج أقرب لموضوعات الإنشا التي يطلب من طلاب الثانوية العامة كتابتها في المناسبات الوطنية للتعبير عن مشاعرهم العفوية تجاه وطنهم ، وتعب الرجل وهو يهجر العامية التي هي أداته ولغته الفنية ، لكي يصول ويجول "عم حجاب" بعواطفه بين مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول والنحاس باشا ليبسط البدوي ومرورا بعبد الناصر ، ليبسط سامح عاشور وضياء ، وانتهاءا بالسادات ، ولقد تمنيت أن تحذف هذه الديباجة أو تختصر في سطرين أو ثلاثة بلغة رصينة وصارمة لشيوخ القانون ، ثم بعد ذلك ، وضعوا عشرات المواد في مقدمة الدستور هي مضحكة جدا بالفعل ، وأشعر بالحرج الشديد كمصري أن يقرأها الآخرون فيسخرون من هذه السخافات التي نقول لهم أنها نصوص دستور بلادنا ، فضلا عن حشو كلام في مواد أخرى عن انتماء مصر الأفريقي واعتزازها بالامتداد الآسيوي وهذا كثير في البنود الأولى ، وخذ عندك مثلا : المادة 20 تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره ، هل هذا نص يوضع في أبو القوانين ومرجعيتها ، وخد عندك : المادة 22 المعلمون، وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأساسية للتعليم ، كلام مصاطب ، وخذ عندك : المادة 29 الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني ، وهو اكتشاف مدهش جدا في الحقيقة ، وخذ عندك : المادة 30 تلتزم الدولة بحماية الثروة السمكية ودعم الصيادين ، وقبل أن تنفجر في الضحك خد عندك : المادة 39 الادخار واجب وطني ، يعني لا مؤاخذة اللي مش عايز يحوش راجل مش وطني بنص الدستور ، ويكتب مثل هذا النص في دستور الدولة ، وخد عندك : المادة 43 تلتزم الدولة بحماية قناة السويس ، وتليها : المادة 44 تلتزم الدولة بحماية نهر النيل وعدم إهدار مياهه ، وأضف لها : المادة 45 تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها ، والمادة 49 تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ، وهذا مما يسمونه الشرح في المشروح ، ويعتبره الفلاسفة من قلة العقل ، لأنه غير لائق أن تكتب في دستور مصر أن الدولة تحمي نهر النيل مثلا ، لا يا شيخ ، كأن هناك احتمالا أن تقول الدولة المصرية في يوم من الأيام أن نهر النيل ليس من مسؤوليتي حمايته ، ما هذا الهراء ، واقرأ إن شئت المادة 237 تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب ، وكأن الدولة تنتظر من يدعوها لأن تحلف على "المصحف" كما يقولون أنها ستكافح الإرهاب وتتصدى للإرهابيين . لقراءة هذا المقال كاملا اضعط هنا