وثيقة السلمى من المفترض أنها عبارة عن مجموعة من المبادىء الحاكمة والملزمة لواضعى الدستور الجديد خوفاُ من انفراد فصيل ما ( وتحديداً الإسلاميين ) بوضعه عبر الفوز بالأغلبية التى تمكنهم من اختيار المائة عضو من أنصارهم ومريديهم فيضعوا دستوراً على هواهم . وبناء على هذا فقد حوت هذه الوثيقة المبادىء التى تخشى النخب العلمانية ( وليس الشعب بطبيعة الحال ) من عدم تضمينها فى الدستور الجديد . كل ما سبق أستطيع فهمه والحوار بشأنه والأخذ والرد ولكنى لم أستطع فهم المادة السابعة من الوثيقة العبقرية التى تنص على أن " نهر النيل شريان الحياة على أرض مصر الكنانة، وتلتزم الدولة بحسن إدارته وحمايته من التلوث والتعديات، وتعظيم الانتفاع به والحفاظ على حقوق مصر التاريخية فيه" ولا أدرى من العبقرى الذى اقترح مثل هذه المادة وما هو التخوف على نهر النيل فى الدستور الجديد .. هل نما إلى علم السادة العباقرة أن واضعى الدستور الجديد قد أخذوا على عاتقهم بيع نهر النيل مثلاً ؟ !! أو أنهم قرروا أن يتنازلوا عنه لدولة إثيوبيا انطلاقاً من العلاقات المتينة التى تربط بين البلدين منذ هجرة الحبشة الأولى ؟ !! أو أن النية تتجه لردم النيل خاصة فى القاهرة لحل المشاكل المرورية والاستغناء عن الكبارى التى أصبحت صداعاً فى دماغ المصريين ؟ ظللت أقلب المسألة فى أم رأسى شمالاً ويميناً فلم أصل لحل يرضى غرورى ما دخل نهر النيل بوثيقة مبادىء حاكمة ؟ ثم المادة التى تقرر أن مصر من القارة الإفريقية أيضاً ما الخوف عليه فى الدستور الجديد .. هل من المتوقع أن يجنح واضعوه إلى أن يقرروا أن مصر جزء من القطب الشمالى أو الجنوبى ؟ دع عنك عزيزى القارىء كل هذا وتعال إلى الجزء الخاص بالحقوق والحريات العامة وهى مبادىء عامة كلية لا يكاد يخلو منه دستور حتى الدساتير الشمولية التى وضعت فى أعتى الدول الشيوعية لم تخل من تلك النصوص والتى أصبحت ديباجة لازمة لأى دستور حتى ولو تم اغتيالها بعد ذلك كما حدث فى دستور 71 الذى افتتح بباب عن الحقوق والحريات العامة لا يختلف عليه اثنان ثم تم اغتيالها بتركيز السلطات فى يد الفرعون الحاكم كما هو معروف . إذن نحن أمام حشو لا فائدة منه ، ويعلم القاصى والدانى أن باب الحقوق والحريات العامة سيأتى مضمناً فى الدستور الجديد ، ولكن هذا الحشو جاء مقصوداً ليكون بمثابة قنابل الدخان التى تخفى الغرض الحقيقى من هذه الوثيقة والتى تتمثل فى التالى : 1. تحجيم تواجد الإسلاميين فى لجنة تشكيل الدستور القادم فى ظل تزايد المؤشرات بفوزهم بعدد كبير من المقاعد فقد نصت الوثيقة على اختيار عشرين عضواً فقط من أعضاء مجلس الشعب من بين ممثلي الأحزاب والمستقلين، بحسب نسبة تمثيلهم بمجلسي الشعب والشورى ، بحد أقصى خمسة أعضاء وبحد أدنى عضو على الأقل. أما الثمانون الباقون فيتم اختيارهم من هيئات مختلفة ، أى مصادرة رأى الشعب واختياراته لصالح توافقات الفاشيين الجدد . 2. توريط المؤسسة العسكرية فى حماية الواجهة العلمانية لمصر عبر عدة نصوص تعطى القوات المسلحة الحق فى حماية الشرعية الدستورية !! وهى كلمة مطاطة تشرعن الانقلابات العسكرية المستقبلية بحجة حماية الشرعية حتى ولو كانت هذه الشرعية هى اختيار الشعب خاصة ونحن نسمع بين الحين والآخر تصريحات منسوبة لمسؤولين كبار فى المجلس العسكرى تؤكد على حماية " الدولة المدنية " دون توضيح المقصود بالدولة المدنية والتى أصبحت محملة بمضامين سيئة لا تخفى على أحد . 3. ضمان مكان لعواجيز الفرح فى لجنة تشكيل الدستور فى ظل إخفاقهم المتوقع فى الحصول على التأييد الشعبى فكان لابد من الاحتماء بجدار السلطة كما ظلوا يحتمون به لعقود طويلة ويفرضون من خلاله إرادتهم المنفردة على الشعب الذين يصرون على إخراجه من المعادلة وهو صاحب الحق الأصيل . أظن أن هذه هى الأسباب الحقيقية لهذه الوثيقة المشبوهة التى يصرون على تمريرها ولو بحد السيف وليس الخوف على نهر النيل .. أو الحب الجارف لقارة أفريقيا .. ولا حتى الحريات العامة لأنهم بكل بساطة يغتالونها بكل برود . [email protected]