ظاهرة التأييد العمياء والمطلقة للانقلاب العسكري في مصر عند شريحة عشاق البيادة، تثير الدهشة ويقف أمامها علماء الاجتماع وعلم النفس عاجزين أمام فهم سر هذا اللحس المبالغ فيه للبيادة الانقلابية. الغريب في الأمر أن معظم هذه الشريحة المؤيدة هي من الطبقات المُهمّشة الفقيرة وبشكل عام غير المستفيدة لا ماديا ولا سياسيا من هذا الانقلاب. ومحاولة لفهم هذه العقلية والنفسية نأخذ عينة ونضعها تحت ميكروسكوب القرآن، فنجدها تنتمي إلى شريحة ورد في سياق تلك الآية الكريمة }فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث...{ (الأعراف:176). وقد ذكر العالم الرباني والباحث القرآني ابن كثير- رحمه الله - ما مختصره: أي فمثله في الخسة والدناءة كمثل الكلب إن طردته وزجرته فسعي لهث, وإن تركته علي حاله لهث.! حالة رضوخ: ------------ وفي محاولة أكثر وضوحاً لفك طلاسم تلك الشريحة اللاحسة للبيادة، نجد أنه عندما يعيش الإنسان حالةً من القمع والقهر لفترة زمنية طويلة ولا يستطيع في نفس الوقت الدفاع عن نفسه - حالة رضوخ- تتشكل لديه صورة سلبية عن ذاته، هوية فردية مُهانة و مُهينة له وهو ما يعرف ب"حالة تبخيس ذاتي". وللهروب من هذه الحالة يبحث لاحس البيادة عن آلية للدفاع عن نفسه ورفع مستوى التقدير الذاتي المنخفض لديه. و بحسب ما ذكره فرويد عن "الأنا" نجد أنه من الآليات المعروفة للدفاع عن الأنا المجروحة هي التماهي بالانقلاب المعتدي على الشرعية، هذه الآلية اللاشعورية تساعد عبيد البيادة على استعادة بعضٍ من اعتبارهم الذاتي المهدور. التماهي بالمعتدي: ---------------- وبشكل أدق، التماهي بالانقلاب المعتدي يعطي عبيد البيادة شيئاً من وهم الاعتبار الذاتي، إنه نوع من الهروب من واقع مؤلم، فبالتمجيد والتقديس والتوّحد مع الطاغية الانقلابي يُوهم لاحس البيادة نفسه انه لا يوجد ظلم ولا اعتداء عليه ونتيجة حالة النكران هذه لواقعه المرير يشعر بنوع من الرضي الذاتي ويعتقد أنه يقترب من نمط القوة السائد. ينتج عن هذه الآلية النفسية أيضا حالة من الحيرة بين الإعجاب والخوف من الطاغية الانقلابي تجعل الفرد متردداً في أن يكرهه أو حتى يقبل أي نقد له ولذلك يوجه كل اللوم إما إلى نفسه أو إلى من يريد مساعدته للتخلص من حالة العبودية والقمع مثل عبارة "نحن شعب لا تليق بنا الحرية"..! فالمتماهي بالطاغية الانقلابي لا يرى فيه أي ميزة سيئة ولا يقبل أن يُقال عنه أي شيء سلبي من قبل الآخرين وهذا ما يمكن أن يفسر لنا الدفاع المستميت عن الجنرال عبد الفتاح السيسي عند هذه الشريحة المؤيدة له. امتهان للكرامة: -------------- وكلما زاد السيسي في قمعة و إجرامه وامتهانه للكرامة, كلما زاد المؤيد له إعجابا به، و زادت معه حالة النقد والشتم التي يمارسها على المؤيدين للشرعية ليخفي خوفه وليهرب من حقيقة الذل اليومي التي يعيشها. وهنا ينتقل المقموع من حالة "التماهي بالمعتدي" إلى حالة "التماهي الاسقاطي" حيث يصبح الديكتاتور الانقلابي موضع حب وعشق و تقدير فهو المخلّص والمنقذ الإلهي وهي ما تلخصه حال بعض المؤيدين عبيد البيادة الذين يتفاخرون بتذللهم وعبوديتهم وحبهم للديكتاتور السيسي من خلال شعارات وصور تظهرهم يقبلون البيادة ويضعونها على رؤؤسهم وصدورهم وغيرها الكثير. ويُعتبر التماهي بالانقلاب من أقوى عوامل مقاومة التغيير و التحرر في المجتمعات النامية كما يقول د.مصطفى حجازي، المستشار السياسي للرئيس الانقلابي المؤقت، الذي وللمفارقة العجيبة خالف أقواله وانضم لصفوف عبيد البيادة وأصبح أحد اللاعقين المهمين للانقلاب العسكري..!