تتزايد المخاوف في أوساط النشطاء السياسيين والحزبيين والمنخرطين في العمل العام من أن يلقوا مصير الإسلاميين نفسه بعد انكشاف الغطاء السياسي عما يجري في مصر، لاسيما في ظل أجواء القمع التي باتت مؤشراتها جلية على الساحة السياسية، حسبما رصدته صحيفة (ذا جارديان) البريطانية في عددها الصادر اليوم. وذكرت الصحفية أن كثيرًا من النشطاء السياسيين يخشون من أن تمتد حملة القمع التي ينتهجها النظام الحالي ضد الإسلاميين لتشمل كل من يعارض الانقلاب العسكري، حتى لو كان من أشد معارضي وخصوم الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها. تنامت هذه المخاوف- بحسب ذا جارديان- في أعقاب اعتقال هيثم محمدين، القيادي بحزب الاشتراكيين الثوريين وأحد أبرز النشطاء خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وطوال فترة حكم الإخوان المسلمين، بتهمة السعي إلى إسقاط النظام. وما زاد من حدة هذه المخاوف، إعلان إحدى الصحف الرسمية أن النائب العام سيفتح التحقيق مع مجموعة من النشطاء العلمانيين البارزين بتهمة تلقي أموال من الخارج وغيرها من التهم، في ضوء برقية دبلوماسية سربها موقع ويكيليكس الإلكتروني، والتي تضم نحو 35 شخصية بارزة. ثم نفت السلطات القضائية في وقت لاحق هذا الخبر، لكن هذا لم يهدئ المخاوف. وأفرجت السلطات عن هيثم محمدين دون توجيه أية اتهامات له، بعدما اعتقلته يوم الجمعة الماضي. ونفى مكتب النائب العام في تصريحات للصحيفة تحريك أية إجراءات قانونية ضد النشطاء الآخرين. ومع ذلك، يرى نشطاء أن هاتين الواقعتين تعدان بمثابة مؤشر على محاولة الدولة ترويع لك من يشكك في أن الحكم الحالي المدعوم بعصا العسكر الغليظة هو البديل لجماعة الإخوان المسلمين. وتحظى الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش حاليا بتأييد واسع في حملة القمع والتنكيل بجماعة الإخوان، وهو ما يحاول الحكام الجدد الحفاظ عليه للاستمرار في سياساتهم. ويقول وائل عباس- وهو صحفي ناشط حقوقي شهير كان ضمن مجموعة الخمسة والثلاثين ناشطا التي ترددت الأنباء عن التحقيق معهم- "حملة القمع قائمة ضد كل من يعارض الحكم العسكري". وبالرغم من نفي المسؤولين الأحد الماضي ملاحقته وزملائه قضائيا، يرى عباس أنه كان هناك تعمد في تسريب مثل هذه الأخبار من قبل السلطة لحشد تأييد عام حيال حملة قمعية أوسع تشمل المعارضين سواء إسلاميين أو غير إسلاميين. وفي هذا السياق، يقول عباس: "إنه تكتيك مستخدم منذ الثورة.. وهو ما نصفه بأنه بالون اختبار". ويؤكد زملاء وحلفاء لمحمدين للصحيفة البريطانية أن اعتقال وعقد جلسة استماع له تعكس حرص الحكومة المؤقتة على ترويع وترهيب كافة القيادات والنشطاء البارزين والمؤثرين في الحركة العمالية. ويواصل آلاف المصريون- بعضهم تحت قيادة محمدين- إضرابات واحتجاجات منذ أسابيع في مدن صناعية مثل السويس والمحلية، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والعملية. وتؤكد الجاردين أن الحكومة تخشى اتساع دائرة الاضرابات، لاسيما أنها لعبت الدور الرئيسي في الإطاحة بالدكتاتور حسين مبارك عام 2011، فضلا عن كانت بمثابة قوة اضطرابات خلال الشهور الأخيرة من حكم مرسي. وفي هذا الإطار يقول طارق شلبي، زميل محمدين في تيار الاشتراكيين الثوريين، "إنه أمر مخيف بالفعل للدولة ولذلك لا يريدون أن يحدث" في إشارة إلى اتساع دائرة المعارضة والاضطرابات العمالية. وفي محاولة لتشويه كل المعارضة، وجهت المحكمة لمحمدين سؤالا عما إذا كان ينتمي لجماعة الإخوان، بالرغم من أنه كان من أشد المعارضين لحكم مرسي. ومقارنا الأجواء التي تشهدها مصر حاليا، بالمكارثيين الذين كانوا يستهدفون الأمريكيين في الخمسينيات من القرن الماضي، يقول شلبي "إنهم يخشون أن يدرك الناس ما يجري ليس صراعا ثنائيا بين الجيش والإخوان.. يريدون التأكيد على أن معارضي جماعة الإخوان والجيش لا يمثلون أي تهديد للدولة". محمدين ليس المعتقل الوحيد من خارج الإسلاميين. فقد اعتقلت السلطات الصحفي أحمد أبودراع المقيم بسيناء- ومراسل المصري اليوم- لا لشيء إلا لانتقاده سياسة الجيش في سيناء، وهو ما أكد محللون أنه يجسد مظاهر تنامي السياسات الاستبدادية للحكومة. ولعل أبرز عوامل الخوف من عودة النظام القمعي السابق، إعادة وحدات سيئة السمعة بجهاز الأمن الوطني (المسمى الجديد لجهاز أمن الدولة المنحل)، وهو جهاز ارتكب الكثير من الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان، فضلا عن المحاكمات العسكرية التي يواجهها أعضاء جماعة الإخوان، وكذلك ما تردد عن تعديلات في الدستور الجديد تسمع بعودة مسؤولي فترة حكم مبارك للعمل السياسي دون قيود.