كنت أتحدث مع أحد المديرين في إحدى المدارس، فرأيته حذراً في حديثه أكثر مما يستدعيه الحديث المطروح بيننا، وحين اقترحت زيارته في مكان عمله، قال: نحن غير مسموح لنا باستقبال الصحافة، ساعتها أحسست وبشكل حقيقي بأن الصحافة في نظر بعضهم لا تزال تهمة كتعاطي الحشيش تماماً، لابد من تحاشيها، أو التعامل معها بنظام التهريب، أو بنظام التحري الخاص! لدى بعض الموظفين في مؤسسات العمل شكاوى عديدة، وهموم ثقيلة، وإحباطات، وشعور بالعجز عن التصدي للأخطاء التي يتخبطون فيها، أو مظاهر الفساد التي يعلمون مدى خطورتها وارتداداتها على مصالح المؤسسة والمجتمع، هناك موظفون وموظفات تقع بين أيديهم أوراق ومعلومات وإثباتات على العديد من التجاوزات والأغلاط الفادحة، لكنهم في الوقت نفسه يقعون في حيرة قاتلة، فهم إن صرحوا برفضهم جوبهوا بإجراءات تعسفية ضدهم من قبل الإدارة التي يعملون فيها، وإن لجؤوا للإعلام صنفتهم المؤسسة باعتبارهم قد تجاوزوا أخلاقيات وأسرار العمل، وإن أغمضوا عيونهم وغضوا الطرف عما يحدث، فإن ضميراً ما في مكان ما سيظل يضغط عليهم ليخرجوا، هذا إذا لم تضغط عليهم إداراتهم للتخلص منهم! هذا الواقع موجود، ونعلمه جيداً، وهو أمر على قدر ما هو مؤسف إلا أنه من طبيعة المؤسسة البيروقراطية التي تستقر الحياة في دهاليزها على قاعدة "تضبيط" المصالح، وهذا هو سبب الحديث عن الإعلام ودوره وأهميته، فالإعلام موجود ليؤدي دوراً واحداً ومهماً كأولوية: أن يكون ضميراً حياً في محل رفع القيم ومصالح المجتمع والدولة، وليس العكس، وما بعد هذا الدور أو هذا العنوان ليس سوى تفصيلات، هذا ما يؤمن به الصحفي الحقيقي والكاتب الذي يمثل الضمير الجمعي للأمة، فإذا كان دور بعضهم أن يسرق كما يظن، فإن دور القاضي أن يحكم عليه بما يتلاءم وجريمته، لكل منا دور، علينا القيام به، ولنتجنب تداخل الأدوار واختلاط الأوراق، هذا مهم جداً للمجتمعات التي لا تزال في طور استكمال مشروعها التنموي بعد! بالنسبة للموظف الذي يلجأ للإعلام، فإنه لا يخون وظيفته ومؤسسته، حين يحاول أن يسلط الضوء على الأخطاء والتجاوزات وأحيانا الفساد، المشكلة حين يجبن الموظفون عن التصدي للتجاوزات التي تتم بحقهم، حين تنتهك حقوقهم وتمارس عليهم حالة من الإقصاء أو التحجيم أو غير ذلك، من دون أن يتمكنوا من فعل شيء، أي شيء، وهذا يعني ثلاثة احتمالات: أولاً أن هؤلاء الموظفين يفتقدون أساساً ثقافة الحقوق والواجبات، أما ثاني الاحتمالات فهو أن المؤسسة التي يعملون تحت مظلتها تفتقد أبسط آليات فرز وتحديد الفواصل بين ما لها كمؤسسة، وما للموظف من التزامات وحقوق وبشكل واضح! أما ثالث الاحتمالات فيتعلق بشيوع ثقافة الصمت والسكوت، على اعتبارها طريقاً من طرق السلامة والأمان، فكلما كنت ساكتاً لا تتدخل فيما لا يعنيك، ستنظر إليك المؤسسة بأمان أكثر، فأنت موظف محل ثقة ومأمون الجانب، إذا رأيت أي قذارة في ممرات المؤسسة فقمت بإخفائها تحت أقرب سجادة ومضيت كمن لم ير شيئاً، الموظفون الذين يفعلون ذلك هل يشعرون بالرضا فعلاً!! لقراءة المقال كاملا اضغط هنا