مساء الاثنين 8 أبريل 2003، خرج وزير الإعلام العراقي آنذاك سعيد الصحاف، معلناً عبر مؤتمر صحفي "عالمي" أن جنود الجيش العراقي يحاصرون الجنود الأمريكان "العلوج" داخل دبابتهم، المرابضة على مشارف العاصمة العراقية بغداد، وأن بوش قد أرسل جنوده كي يلقوا حتفهم ويدفنوا تحت أرض العراق!!!!. ومع صبيحة اليوم التالي، الثلاثاء، عم هدوء "قاتل" بغداد، واحتبس الجميع أنفاسهم انتظاراً للمؤتمر الصحفي القادم للصحاف والذي سيكون هذه المرة مختلفاً إذ سيخرج أمام العالم ليس بمفرده ولكن بحوزته "أسرى" من الجيش الأمريكي المهزوم أمام جحافل النصر العراقية، إلا أنه ومع اقتراب دقات الساعة من الرابعة عصراً، كان المشهد "المنتظر" قد تبدد ولاح بدلاً منه مشهداً غاية في العار والمذلة، إذ خرج "العلوج"، على حد قول الصحاف، من دبابتهم التي كانوا محاصرين بداخلها، وتجولوا بمنتهى الأريحية بشوارع بغداد، تزامن هذا مع المشهد الأشهر في هذا اليوم، بل وربما في هذه الحرب، وهو مشهد إسقاط تمثال صدام حسين الكائن بأحد أكبر ميادين العاصمة، إيذاناً بإعلان سقوطها.... سقوط بغداد. وبعيداً عن الحديث حول ما آلت إليه العراق الآن بعد مرور 10 أعوام على الاحتلال الأمريكي، والوضع السياسي المعقد هناك، فلا يوجد أكثر مما قيل في السابق حول هذه الأمور، إلا أن الجديد هذا العام، هو أن العراق "المحتلة" إرادته، ربما يكون على وشك الانضمام لقطار الربيع العربي، أو الانزلاق نحو "حرب أهلية" منظمة بين السنة والشيعة، وهو التحدي الأبرز الذي يواجهه الشعب العراقي. ثورة أم حرب أهلية؟ لم يتمكن العراق بعد مرور عشر سنوات على الاحتلال الأمريكي، من التوصل إلى تسوية مقبولة من الجميع، ويواجه أزمة تزداد حدة يوماً بعد يوم بدءاً بأعمال العنف إلى عدم الاستقرار السياسي. وإلى جانب ذلك كله، يعد الخلاف الصاخب على المسرح السياسي العراقي من أهم الهواجس التي تؤرق العراقيين على المستقبل السياسي للبلاد، حيث تتزامن ذكرى سقوط نظام صدام حسين مع حملة انتخاب للمجالس المحلية في ال20 من الشهر الجاري، ويشار إلى أن محافظتي نينوي والأنبار لا تشاركان في هذه الانتخابات كما أنهما تشهدان مظاهرات متصاعدة تطالب باستقالة رئيس الوزراء نوري المالكي. وكانت الخيارات مفتوحة على إسقاط حكومة نوري المالكي، وتقسيم البلاد إلى دويلات سنّية وشيعية وكردية، واندلاع حرب أهلية، وظهور خطوط تماس تعيد رسم الهويات في المجتمع. العراق بعد 10 سنوات، أعلن "رسمياً" ندمه على فرحته بسقوط بغداد في أيدي الأمريكان وإسقاط حكم صدام حسين، لم لا وقد أصبح في الحكم الآن بدلاً من صدام حسين "50 صدام حسين"، وهو ما قاله ذلك الشخص الذي حطم التمثال بمطرقته، مبدياً اليوم ندمه على ذلك، حيث قال "لقد كرهت صدام. حلمت لمدة خمس سنوات بتحطيم تمثاله، لكنني اليوم أشعر بخيبة أمل مريرة". "تويتر" أيضاً لم يكن بعيداً عن إحياء ذكرى سقوط بغداد، بل عكس بشكل أو بآخر هذا الندم العراقي على تأييد بعضهم ولو لفترة وجيزة وجود احتلال غربي بأراضيهم بديلاً عن حكم صدام، حيث قال أحدهم "كنا نتمنى أن تكون كذبة ابريل... لكنها كانت الحقيقة في أقسى تجلياتها.".... وقال آخر "نعيش على ذكرى سقوط أوطاننا وكنا قبل ذلك نحتفي بذكرى استقلالها" .. وتداول مغردون ما قاله هادم صنم صدام "في السابق كان لدينا ديكتاتور واحد، اليوم لدينا المئات منهم... على الأقل كنا سابقًا ننعم بالأمن، أما اليوم فالقتل والسرقة والفوضى تنتشر في الشوارع′′. على أية حال، فإن العراقيين الذين يعضون اليوم أنامل الندم على ما فات، ما تزال أمامهم الفرصة سانحة كي يصنعوا مصيرهم بأيديهم، ويلتحقوا بمن سبقوهم من شعوب الربيع العربي، والضريبة هذه المرة لن تكون كبيرة كتلك التي دفعوها وما زالوا، إذ أنه ورغم الصعاب والتحديات التي تواجهها دول الربيع العربي، إلا أنها ستظل نقطة في بحر مما عانى منه العراقيين طوال عقد من الزمن، فهل تأتي الذكرى العاشرة لسقوط بغداد دليلاً للعراقيين نحو درب الثورة والتحرر، أم أن "شبح" الحرب الأهلية سيظل عائقاً أمام أبناء الرافدين نحو امتلاك إرادتهم بأيديهم؟!..