في عام 1979 تولى الحكم في الجزائر الرئيس الشاذلي بن جديد ، وكان الشاذلي خلافا لأسلافه يميل للحلول السياسية لمشاكل حكمه كانت سياسته تعتمد في بداية حكمه نفس الصورة التي شاهدناها في مصر مع حكم الرئيس السادات من تخفيف ضئيل للقبضة الأمنية وتحول من سياسات المراقبة الحكومية للإقتصاد ولكنه واجه مجموعة من المشاكل في نهاية حكمه فقوبل بمظاهرات شبابية عارمة في وهران وعنابة، فتدخل الجيش لقمع هذه التظاهرات مما أدى لمقتل المئات من المحتجين ، فأدرك وقتها الشاذلي أن حكمه صار على المحك لذلك فاختار أن يفتح الطريق للديموقراطية وأن يسمح بإنتخابات برلمانية حقيقية في بلاده ثم قرر السماح للإسلاميين بالمشاركة في الحياة الحزبية متعللا بمشاركة الشيوعيين بالفعل مما أدى لنجاح جبهة الإنقاذ الإسلامية في الإنتخابات البلدية وكان نجاحهم فيها ملفتا للأنظار رغم تبنيهم لخطاب أصولي شديد الوضوح. وفي أول التسعينيات قررت جبهة الإنقاذ المشاركة في الإنتخابات النيابية وكانت الإنتخابات تسير في صالحهم ، حتى أن بعض من عاصر هذه الفترة كان يقول ان الرجال كانوا يخرجون من المواخير لإنتخاب جبهة الإنقاذ وان بعض الشباب كان يشرب الخمر ثم يذهب لإنتخابهم ! بلا اسهاب في تفاصيل دقيقة لا تهم يكفي أن تعرف أن القيادات العسكرية المرتبطة بمصالح مع فرنسا قاموا بالضغط على الرئيس الشاذلي بن جديد لتقديم استقالته من الرئاسة ثم انتقل الحكم هناك لما يشبه المجلس العسكري في مصر بقيادة وزير الدفاع خالد نزار في عام 1992 ثم أصدر خالد نزار قرارا بإلغاء الإنتخابات البرلمانية الحالية لأن نجاح جبهة الإنقاذ فيه (تهديد للتجربة الديموقراطية الفتية) وهي الجبهة التي تعهدت بتعديل الدستور لتصبح الشريعة الإسلامية وأحكامها مصادر وحيدة للحكم في الجزائر! وكان قرار العسكريين بقيادة خالد نزار يظهر أنه لصالح الشعب الجزائري وبريئا من أي أطماع دنيوية حيث أن العسكريين تعهدوا بالرجوع لدورهم في حماية الشعب الجزائري بلا أي مشاركة سياسية وهو ما قاموا بتنفيذه فعليا ! الحقيقة أن فشل تجارب الحكم العسكرية في كل دول العالم أثمر عن درس استفادت منه القوى العظمى الطامحة لحكام خونة لشعوبهم واستفاد منه العسكريون في كل دول العالم (بما فيهم الجزائريين) أن الصورة المثلى لحكم العسكريين هو حكم الظل ، رئيس مدني منتخب طرطور يمكن التحكم فيه بالخيوط الخفية وإذا تجاوز عياره قطعوا حبله وتعللوا بجرائمه وأخطاءه والتأكيد على وجوب عودة الجيش لثكناته ومراقبة الحياة السياسية من بعيد لحماية المسار الديموقراطي وتهيئة المناخ لإنتخابات ديموقراطية يأتي فيها رئيس منتخب يتعلم الدرس من سلفه هذا إن لم يكن أصلا عميلا بطوعه للعسكريين وهذه المنظومة الجهنمية تسمح للعسكريين بالحكم والفساد ويدفع غيرهم ثمن أخطائهم ووقت الجد يتم التضحية بمن لا قيمة له ، الأهم من ذلك أن الولاياتالمتحدةوفرنسا والصين وروسيا تعلموا التواصل المباشر مع قيادات الجيوش في دول العالم الثالث بإعتبارها هي اللاعب الحقيقي والمخلص في هذه البلاد. هذه الصورة كانت السيناريو الأقرب في مصر بعد وصول المجلس العسكري للسلطة بعد أن أدرك أن المصالح العسكرية يهددها خرق حسني مبارك ونظامه لذلك كان لا بد من التضحية بكبش الفداء لبقاء شبكة المصالح الغربية في مراكز القوى الحيوية في مصر من رجال الأعمال والإعلام والسياسة والقضاء ، هذه الشبكة قادرة على جعل أي رئيس لمصربلا فاعلية حقيقية على أرض الملعب السياسي. ولكن ذلك كله يظل بلا قيمة ما لم يتم التسويق شعبيا لما يجعل التخلص من الرئيس المنتخب شرعيا ومقبول عند الشعب ويجعل الجيش بديلا مناسبا ومقبولا وهذا يطلب بإستمرار أمرين هامين أولهما حماية المؤسسة الإعلامية من أي تشكيكات اعلامية وفي نفس الوقت هجمات اعلامية على الرئيس المنتخب تجعل قرار اقالته لا يصطدم بالإرادة الشعبية.