انتفضت الجماهير الجزائرية على الرئاسة والحكومة الجزائرية في الشهر العاشر من عام 1988، رفضا للفساد، والفقر المدقع، رغم الثروات النفطية والمعدنية والبحرية والسياحية الهائلة.
تم قد كلف الجنرال خالد نزار الذي كان قائدا للجيش البري بإعادة النظام، فقتل اكثر من 600 شهيد، مما ادى الى زيادة رقعة الانفجار، فكان ان تم تهدئة الانتفاضة بدعوة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد الى حوار وطني، وتم تعيين خالد نزار وزيرا للدفاع، ثم تم اجراء انتخابات بلدية عام 1989 تلاها انتخابات تشريعية نهاية عام 1991، اي بعد ما يقارب عامين من الانتخابات البلدية.
افرزت نتائج الانتخابات البلدية فوزا كبيرا للجبهة الإسلامية للانقاذ إذا حصلت على 953 مجلس بلدي من اصل 1539 و 32 مجلس ولائي من اصل 48 مجلس ولائي.
حاولت سلطة الجنرالات التشويش على البلديات بمظاهرات واضرابات في حالة تشبه الحالة المصرية، املا في خفض شعبية الجبهة الاسلامية للانقاذ.
في الانتخابات التشريعية نهاية عام 1991، حققت الجبهة فوزا ساحقا، حيث حصلت على 82% من الاصوات.
قدم الرئيس الجزائري استقالته بضغط من العسكر، ثم انتقلت السلطة الى المجلس الاعلى للدولة برئاسة وزير الدفاع خالد نزار، الذي اتخذ قرار إلغاء الانتخابات واتبع باعلان حالة الطوارئ بسبب انهم رؤوا ان فوز الجبهة الإسلامية للانقاذ هو تهديد للتجربة الديموقراطية. وتم اعتقال وملاحقة قيادات الجبهة، وجرها الى مواجهات عسكرية، مما ادى الى لنسحاب بعضهم الى الجبال، وبدأت بعدها مؤامرة عشرية تدمير الجزائر برعاية جنرالات فرنسا الاستعمارية.
-- استوعبت الانتفاضة الشعبية القوية، فسمحت بحرية الرأي والتعبير، والصحف، والاعلام.
-- اجرت انتخابات وسلمت الجبهة البلديات، ثم حاولت اثبات فشل مخرجات الثورة عبر التشويش على البلديات بواسطة الاضربات والمسيرات، كي يثبت بالواقع فشل المشاريع السياسية الاخرى.
-- الانتخابات التشريعية اثبتت نجاح المشروع السياسي للمعارضة، مما ادى الى حصول انقلاب.
-- في كل المراحل، فإن القوى الامنية عبر رجلها القوي خالد نزار كانت حاضرة، منذ قتل 600 ثم توليه وزارة الدفاع، ثم الانقلاب على الشرعية.
-- وهنا يبرز خطر اي مشروع سياسي في سوريا مع بقاء الامن والجيش، اذ تبقى الدولة مهددة في اي وقت بانقلاب امني، مدعوم من الغرب، بعد امتصاص نقمة الجماهير، وعودتها الى روتين الحياة. وهنا قد يبدو ان التجربة المصرية تسير في هذا الطريق، اذ ان القوى المعارضة لمخرجات الثورة وارادة الصناديق تحاول الاعاقة بشتى السبل، وصولا الى انقلاب عسكري، يعلن قانون الطوارئ، لإلغاء حالة الفوضى، بحيث تبدو المواجهة بين الجيش والاسلاميين المسيطرين على السلطة، وليست بين الشعب وارادته والعودة الى طغيان الجيش والعسكر، وبالتالي عزلهم، فالقضاء عليهم.
رجالات الاستعمار ودورهم العسكري والامني المستمر
---------------------------------
خالد نزار الرجل المحوري ورجل فرنسا في تلك الحقبة التاريخية المهمة، كان والده يعمل رقيبا في الجيش الفرنسي، اي عميل للاستعمار ضد الثورة الجزائرية.
التحق عام 1955 بالمدرسة الحربية الفرنسية سان مكسان (Saint-Maixent)، ولكن ما لبث حتى فر في آخر عام 1958 من الجيش الفرنسي ليلتحق بالناحية الأولى لجيش التحرير الوطني الجزائري التي كان على رأسهاالشاذلي بن جديد وقد توجهت له الشكوك آنذاك بحكم التحاقه المتاخر بالثورة. وعلى حال فقد بقي بتونس يقوم بتدريب الثوار، حتى حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962.
لقد كان الجنرالات الذين انقلبوا على الشرعية هم عملاء الاستعمار السابق، حيث كان آباؤهم يخدمون في الجيش الفرنسي، ثم هم، ثم التحقوا متأخرين في الثورة الجزائرية لا يقاتلون بل منشقين شكلوا قيادة عسكرية ثورية لهم في تونس، ثم عادوا واستلموا الحكم بعد التحرير.
حالة خالد نزار ووالده تذكر المرء بجيش المشرق الذي انشأته فرنسا، والذي كان النواة الصلبة لجيش النظام الحالي، لذا يتمسك الغرب والشرق بالمحافظة على "مؤسستي الجيش الامن"، رغم انهما ليستا مؤسستين بل مركزي عصابات قطاع طرق بامتياز.
فرنسا وبريطانيا والمستعمرين خرجوا بجيوشهم، لن بقوا برجال حيث ربطوهم فيهم. كما ان هذه الدول المستعمرة تخصص البعثات الدراسية للدراسات العليا في جامعاتهم لابناء واحفاد من خدموا ضباطا في جيوشهم وقت الاستعمار. كي يعود اولئك المبعوثين قادة رأي، واحزاب، ووزراء في حكومات، وكي تبقى التبعية والاستعمار والاستنزاف للثروات الوطنية عن بعد، بلا تكلفة.