مع احتدام المواجهات في قطاع غزة ، تُطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل الوضع في القطاع ومدى انعكاسه لبنانيًا ، وإذا ما كان حزب الله سيبقى في وضع المراقب أم سيتدخل مستقبلاً في تسخين جبهة الجنوب. الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني ليست الأولى ، وهو هجوم غير مبرر من قبل الكيان الصهيوني ، ولبنان كان دائمًا يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني قلبًا وقالبًا ، ولبنان من أكثر الدول التي دفعت ثمنًا في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية ، والدليل الأكبر وجود المخيمات الفلسطينية التي تستضيف الألوف من الفلسطينيين. ولا شك هناك أسئلة عديدة عن توقيت هذا الهجوم ضد الشعب الفلسطيني ، وما هي نتائجه ، التي يمكن القول منذ الآن إنها انتخابية سياسية بحتة. وبالنسبة لحزب الله وفيما يتعلق بموضوع التدخل من عدمه ، فهذا الشأن يعود إلى رئيس الحرس الثوري الإيراني ، ومن المعروف أن هذا القرار لن يكون بيد حزب الله أو أمينه العام الشيخ حسن نصر الله ، ولن يكون محليًا أو لبنانيًا. ولن تستطيع الدولة اللبنانية في حال تطورت الأمور عن ثني حزب الله من تسخين جبهة الجنوب ، في ما يتعلق بالوضع الحالي ، ليس هناك من قرار للسماح أو عدم السماح لحزب الله باتخاذ القرار لأن الأمر ليس بيده محليًا بل يرتبط بالخارج. ويقول خبراء إن هناك تنسيقًا كاملاً بين الأجهزة الأمنية اللبنانية وبين الفصائل الفلسطينية ، والفلسطينيون اليوم هم ضيوف في لبنان ، ولا مصلحة لهم بتسخين الجبهة داخليًا ، أو القيام بأي عمل يخلّ بأمن لبنان القومي. ويرى الخبراء إن موقع لبنان من الحرب على غزة كباقي الدول العربية ، وهي مؤيدة نظريًا لحقوق الشعب الفلسطيني والمقاومة ، وليس بيد الدولة اللبنانية ما يدعمها. أما لبنان كمقاومة ، فالمسألة الفلسطينية أساسية ، لأنها قضية العرب وشعوب المنطقة المركزية ، وعلى ضوئها يتقرر إما حرية واستقلال شعوب هذه المنطقة ، أو بقائها مستعبدة من قبل من أوجد الكيان الصهيوني. تجدر الإشارة إلى أن حزب الله أو المقاومة الإسلامية في لبنان هو تنظيم سياسي عسكري متواجد على ساحة لبنان السياسية والعسكرية على مدى أكثر من عشرين عاماً ، وقد اكتسب وجوده عن طريق المقاومة العسكرية للوجود الصهيوني خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982 ، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار الجيش الصهيوني على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو عام 2000 ، وتصدّى له في حرب 2006 وألحق في صفوفه خسائر كبيرة اعتبرت في الكيان الصهيوني إخفاقات خطيرة وتهديد وجودي للكيان كدولة. وسبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان والذي يؤرخ له بعام 1982 وجود فكري وعقائدي يسبق هذا التاريخ ، هذه البيئة الفكرية كانت لمحمد حسين فضل الله دور في تكوينها من خلال نشاطه العلمي في الجنوب وكان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الخميني دافعا قويا لنمو حزب الله ، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي بين الطرفين. وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير 1985 ؛ أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه ، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة" .. كما جاء في البيان. معظم أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشيعة المرتبطين مذهبياً بمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي حيث يعتبرونه واحداً من أكبر المراجع الدينية العليا لهم ، ويعتبر حسن نصر الله ، الأمين العام لحزب الله، الوكيل الشرعي لعلي خامنئي في لبنان ؛ هذا الارتباط الأيديولوجي والفقهي بإيران سرعان ما وجد ترجمته المباشرة في الدعم السريع والمباشر من الجمهورية الإسلامية وعبر حرسها الثوري للحزب الناشيء. تشكل الحزب في ظروف يغلب عليها طابع "المقاومة العسكرية" للاحتلال الصهيوني الذي اجتاح لبنان عام 1982 ، ولذلك فالحزب يبني أيدلوجيته السياسية على أساس مقاومة الاحتلال وكانت أولى العمليات التي قام بها الحزب وأكسبته شهرة مبكرة في العالم العربي ، قيامه بنسف مقر القوات الأمريكية والفرنسية في أكتوبرعام 1983، وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل 300 جندي أمريكي وفرنسي. وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد وضعت حزب الله في لائحة "المنظمات الإرهابية" بسبب أعماله تجاه الكيان الصهيوني ، كما تتهمه أيضا بالمسؤولية عن مسلسل خطف الرهائن الغربيين إبان حرب لبنان عام 1982 مما يعني تقييد تفاعله خارج لبنان إلا أن الحزب استطاع أن ينسج علاقات طيبة مع عدة دول في محيطه الإقليمي وحتى خارجه. وللعلاقة بين حزب الله وإيران طبيعة خاصة يتداخل فيها البعد السياسي والديني ، فبعض اللبنانيين الشيعة الذين يمثلون كوادر حزب الله تربطهم بالمرجعيات الدينية الإيرانية روابط روحية عميقة ، ويعتبر مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي أكبر مرجعية دينية بالنسبة لهم ويسمى أمين عام حزب الله حسن نصر الله "الوكيل الشرعي لآية الله خامنئي".