منذ أيام بدت تلوح في الأفق بوادر ضربة صهيونية محتملة لقيادات حماس بقطاع غزة في ظل التصعيد بين الجانبين، وتعددت التكهنات حول ماهية الشخصيات "الحمساوية" المستهدفة، حتى جاءت ضربة الكيان الصهيوني اليوم الأربعاء، لتوجه صاروخاً من طائرة على سيارة "أحمد سعيد الجعبري" الذي لم يكن يعرفه أحد قبل استشهاده وبدأ اسمه يتردد على الألسن للوقوف على هوية هذا القائد الذي كان هو الهدف الذي تنتظره أيادي الصهاينة الإجرامية. رئيس أركان حماس .. الشبح .. ألقاب أطلقت على الجعبري دون أن يراه أحد أو يعلموا دوره داخل المقاومة حيث كان الشهيد نائب القائد العام لكتائب القسام والقائد الميداني والفعلي للكتائب، "رئيس الأركان" لقب حاز عليه نظرا نظرًا للمكانة الكبيرة التي تفردها له الأجهزة الأمنية الصهيونية في قائمة المطلوبين للتصفية من قبلها، واعتبرته وسائل إعلام صهيونية "مهندس" التصدي لهذا العدوان، وأطلقت عليه لقب "الشبح" نظرًا لعجز الكيان الصهيوني عن اغتياله خلال تلك الحرب، علاوة على دوره الكبير في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008، وهو الدور الذي ساهم بشكل كبير في سطوع نجم الجعبري، فضلا كذلك عن كونه العقل المدبر لعملية خطف الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في 2006. أوفى بوعده ولم يكن ظهور أحمد الجعبري، بشكل علني خلال تسليم الجندي الصهيوني جلعاد شاليط للمخابرات المصرية يوم ظهورًا عبثيًّا، وهو يعرف أن الاحتلال لن يتركه، لا سيما وهو يضعه على رأس المطلوبين لها. إلا أن ظهوره هذا كان بمثابة رسالة موجهة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أنه أوفى بالوعد الذي قطعه على نفسه، وهو ويودعهم قبل الإفراج عنه من تلك السجون عام 1995م؛ ليؤكد لهم أن هذا الوعد لم يكن وعدًا في الهواء بل كان وعدًا حقيقيًّا وصادقًا، قطعه على نفسه، وسعى لتحقيقه، لإدراكه أكثر من غيره المعاناة الحقيقية التي يعيشها الأسرى في سجون الاحتلال، وأنهم على رأس أولوياتهم. 13 عاماً قضاها الشهيد الجعبري في معتقلات الصهاينة، بدأت عام 1982 حيث قضاها مع عدد من قادة حماس الراحلين ومن بينهم عبد العزيز الرنتيسي، وإسماعيل أبو شنب، ونزار الريان، وإبراهيم المقادمة، وصلاح شحادة الذي ربطته بالجعبري علاقة حميمة استمرت بعد إطلاق سراحهما، وكانت مدخلاً للأخير للتدرج في كتائب القسام. بعد الإفراج عن الجعبري عام 1995، تركز نشاطه على إدارة مؤسسة تابعة لحركة حماس تُعنى برعاية الأسرى ثم عمل في عام 1997 في مكتب القيادة السياسية للحركة بقطاع غزة، وذلك من خلال حزب الخلاص الإسلامي المنبثق عنها، وخلال هذه الفترة توثقت علاقات الجعبري بمحمد الضيف، القائد العام ل"كتائب القسام"، والقياديين بالكتائب سعد العرابيد وعدنان الغول، الأمر الذي قاد نحو اعتقاله على أيدي أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية عام 1998 على خلفية اتهامه بأداء دور حلقة الاتصال ما بين الجهاز العسكري والقيادة السياسية لحركة حماس. ومع بداية انتفاضة الأقصى في العام 2000 عندما قصف الصهاينة مقرات أجهزة أمن السلطة في قطاع غزة تمكن الجعبري من حجز موقعٍ مقربٍ من القائدين شحادة والضيف، كما خطا خطوات إضافية على طريق الانخراط في العمل العسكري، فأسهم إلى جانبهما في العمل على بناء كتائب القسام وتطوير قدراتها خلال فترة الانتفاضة بالاستفادة من الدعم والتمويل المالي الذي وضع تحت تصرف قيادتها. وأحدث الجعبري تغييرات كبيرة في بنية كتائب القسام محوّلاً إياها من مجموعات صغيرة إلى جيش شبه نظامي يتألف من أكثر من عشرة آلاف مقاتل موزعين وفقاً لهرمية تنظيمية واضحة تضم وحدات من مختلف الاختصاصات القتالية، فضلاً عن ترسانة متنوعة وضخمة من الأسلحة التي يصنع بعضها محليًا. ويُعدّ ملف الجعبري لدى أجهزة الأمن الصهيونية دسماً بامتياز، فلائحة الاتهامات التي يضمها هذا الملف تبدأ بالمسؤولية عن جملة من العمليات النوعية ضد الكيان الصهاينة قبل انسحابهم من القطاع عام 2005. الجدير بالذكر، أن اغتيال الجعبري اليوم لم يكن هو العملية الأولى التي قام بها الصهاينة محاولين اغتيال قائد المقاومة "الشبح"، حيث تعرَّض الشهيد الجعبري لعدة محاولات اغتيال من قبل الصهاينة والتي كانت أولاها في 18 أغسطس عام 2004، حين استهدف منزله بصواريخ موجهة أطلقتها مروحيات أباتشي أدت إلى إصابته بجراح خفيفة، لكنها أدّت إلى استشهاد ابنه الأكبر محمد، وثلاثة من أقاربه. لم يكن ظهور أحمد الجعبري، القيادي البارز في "كتائب القسام"، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بشكل علني خلال تسليم الجندي الصهيوني جلعاد شاليط للمخابرات المصرية يوم 18 تشرين أول (أكتوبر) 2011 ظهورًا عبثيًّا، وهو يعرف أن الاحتلال لن يتركه، لا سيما وهو يضعه على رأس المطلوبين لها. إلا أن ظهوره هذا كان بمثابة رسالة موجهة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أنه أوفى بالوعد الذي قطعه على نفسه، وهو ويودعهم قبل الإفراج عنه من تلك السجون عام 1995م؛ ليؤكد لهم أن هذا الوعد لم يكن وعدًا في الهواء بل كان وعدًا حقيقيًّا وصادقًا، قطعه على نفسه، وسعى لتحقيقه، لإدراكه أكثر من غيره المعاناة الحقيقية التي يعيشها الأسرى في سجون الاحتلال، وأنهم على رأس أولوياتهم. وربما شاءت الأقدار أن يلقى الجعبري ربه بعد أيام قليلة من أدائه فريضة الحج.