جاء أفضل وصفٍ لحال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الآن على لسان أحد المسؤولين الاسرائيليين السابقين، حين قال: «لقد جنّ جنونه». إن نتنياهو يطالب بأن تضع الولاياتالمتحدة «خطا أحمر» أمام إيران وأن تشن هجوما تلقائيا عليها إن هي تجاوزته. بل إنه لا يكترث بالقول بأن الحرب مع إيران تصب في مصلحة الولاياتالمتحدة. فهو يريد فقط أن يشعل شرارة الحرب، غير أنه يلحظ تضاؤل احتمالية وقوع حرب يوما بعد يوم. أعتقد أن آخر نوبة جنون مر بها قد وردت في مقالة حديثة لصحيفة النيويورك تايمز كتبها مدير تحريرها السابق، بيل كيلر، وقد جاء فيها أن امتلاك إيران للأسلحة النووية لن يشكل بالضرورة خطرا كبيرا على إسرائيل، أو الولاياتالمتحدة بالطبع. ويكتفي كيلر بمجرد الاشارة الى ما سمعتُ الاسرائيليين يقولونه سرا، ألا وهو أن: هذا التخوف من إيران لا يتعلق بالأسلحة النووية بحد ذاتها، بل يتعلق بخشية إسرائيل من فقدانها القدرة على فعل ما تشاء وقتما تشاء، كأن تقصف غزة أو لبنان أو سفن الإغاثة المتجهة الى غزة أو أي شيء آخر. إن ما يهم اسرائيل هو الهيمنة على المنطقة. إذ يمكنها بكل سهولة أن تتغلب على إيران عسكريا وكلتا الدولتان تعلمان ذلك. وهذا هو السبب في أن الاسرائيليون لا يشاركون نتنياهو حماسه للحرب. ولا يقتصر موقفهم على ذلك، بل إنهم محقون في التخوف من الهجوم على ايران لأنه سيسفر عن اطلاق حزب الله وحماس لآلاف الصواريخ باتجاه الشعب الاسرائيلي. ورغم أن وزير الدفاع الاسرائيلي ، ايهود باراك، قد وعد بأن خمسمائة فقط من المدنيين الاسرائيليين سيتعرضون للقتل (لا أدري كيف جاء بهذا العدد)، إلا أن الاسرائيليين لا يريدون أن يكون أطفالهم من بين أولئك القتلى. لا يبدو أن نتنياهو يلقي بالا لأي من هذا، وتعتبر تصرفاته أقرب إلى تصرفات المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة منها إلى القادة الاسرائيليين. لذا فهو أول رئيس وزراء اسرائيلي لا يعبأ حتى بالدخول شكليا في مفاوضات جادة. ولحسن الحظ، فإن الرئيس أوباما- مثل سلفه الرئيس جورج بوش الابن- يقف في وجه الحرب مع ايران. حيث إن نجاح خطة نتنياهو تعتمد على التدخل الأميركي لإنقاذ اسرائيل حال ولوجها في حرب لا تقوى على إنهائها، لكن أوباما لن يسمح بحدوث ذلك. ماذا سيفعل نتنياهو اذن؟ سيتغلب على أوباما (في أحلامه على الأقل) من خلال إخضاع ميت رومني لسيطرة شيلدون أديلسون. فهو يعتقد أن رومني سيخوض الحرب ولذلك فهو يخطط لإيجاد خلاف مع الولاياتالمتحدة كي يكسب الانتخابات لمصلحته. وفضلا عن أنه لا يستطيع ذلك، فإن نسبة الأميركيين اليهود الذين يصوتون وفقا لرغبات اسرائيل تبلغ 3 بالمائة في أفضل الأحوال، وليس بالضرورة أن تؤمن هذه النسبة الضئيلة بأن تكون الحرب في صالح اسرائيل. مع ذلك، فهذا ما يرتكز عليه بيبي في خطته. بل ما يثير السخرية أن خوض رومني للحرب، إن هو ظفر بالرئاسة، شيء مستبعد. فللمرء أن يتخيل كيف من الصعب أن يخاطر رومني بمصالح الأميركيين (والأهم أرواح الشباب منهم) لإرضاء أحد المتبرعين والجماعة المحرضة من المحافظين الجدد الذي قادوا بوش الى حرب مريعة مع العراق. هل سيرغب حقا أي رئيس جمهوري جديد في أن يبدأ ولايته بحرب أخرى في الشرق الأوسط؟ واصل أحلامك يا بيبي. القوة الوحيدة التي تميل الى توجه نتنياهو في الولاياتالمتحدة هي اللوبي الاسرائيلي (لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية والمنظمات التابعة لها)، والمنتقدون من المحافظين الجدد وبعض اليمينيين المسيحيين (رغم أن الفئة الأخيرة أكثر تحمسا لخوض حرب ضد حق المرأة في حرية الاختيار من خوضها ضد ايران). إن الحرب مع ايران ستدمر ولاية رومني الرئاسية وهو يعلم ذلك بلا أدنى شك. وخلاصة القول إن جلّ ما يحققه نتنياهو عبر تهديداته البغيضة (ومحاولاته التدخل بانتخاباتنا) هو تعريض العلاقة الاميركية الاسرائيلية للخطر. لا تخدعوا أنفسكم، فمهما كانت تصريحات أوباما العلنية، فهو في الواقع غاضب من نتنياهو. بل يصعب التخيل بأن الجمهوريين راضون عن معاملة الولاياتالمتحدة بهذا الازدراء من جانب دولة ندعمها ب 3,5 مليار دولار سنويا على شكل مساعدات (معفاة من الاقتطاعات كافة، بعكس برامج المساعدات الأخرى)، فضلا عن الفيتو الذي يجعل أميركا تبدو وكأنها دولة تابعة لاسرائيل. الشيء الوحيد الذي يبقي على هدوء السياسيين هو التخويف والإسهامات خلال الحملات الانتخابية. لن يدوم هذا الوضع الى الأبد، لا سيما أن شريحة الشباب من الأميركيين اليهود قد أصبحت لا تأبه باسرائيل نظرا للسياسات التي تتبعها منذ أن قام أحد المتعصبين الاسرائيليين باغتيال اسحاق رابين. ينبغي على الاسرائيليين أن يستيقظوا من سباتهم. فقد أطلق كينين، مؤسس لجنة الشؤون العامة الاسرائيلية الاميركية، على الولاياتالمتحدة اسم خط الدفاع عن اسرائيل. وهي كذلك بالفعل، بينما يخاطر بيبي بهذه الميزة. إن بنيامين نتنياهو يشكل تهديدا وجوديا على الدولة اليهودية. يتوجب على من يزعم أنه يعبأ بمصلحة إسرائيل أن يعبر علنا عن موقفه تجاه ما يحصل. هل سنسمح حقا لنتنياهو بأن يدمر حلما دام ألفي عام؟